تشير التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط إلى أن المنطقة قد تكون مقبلة على مواجهة كبرى بين إيران وإسرائيل، مواجهة تختلف في مداها وحجمها عن سابقاتها، وقد تُعيد رسم ملامح التوازنات الإقليمية والدولية لسنوات طويلة قادمة. التحركات السياسية والعسكرية، إضافة إلى فشل المسارات الدبلوماسية، تعزز المخاوف من أن أي حرب قادمة لن تكون محدودة أو قصيرة، بل حرب شاملة تطال أكثر من ساحة وتؤثر على الاقتصاد العالمي برمته.
في هذا السياق، رصدت الفجر آراء خبراء في الشؤون الإيرانية والإسرائيلية لتسليط الضوء على أبعاد التصعيد المحتمل.
حرب وجودية لإيران
قال الدكتور هشام البقلي، المتخصص في الشؤون الإيرانية، إن أي مواجهة جديدة بين إيران وإسرائيل "لن تكون قصيرة المدى كما حدث في السابق"، بل ستكون حربًا شاملة تمتد لفترة طويلة وتعيد تشكيل التوازنات في الشرق الأوسط.
أضاف البقلي في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن التحركات الإيرانية الأخيرة في العراق ولبنان تكشف عن رغبة طهران في فتح أكثر من جبهة حال تعرضها لأي هجوم، لافتًا إلى أن المواجهة قد تمتد من إيران إلى اليمن والعراق ولبنان. كما حذر من تهديد خطير لأمن المضائق البحرية، بما في ذلك احتمال إغلاق مضيق هرمز وتأثر الملاحة في باب المندب، وهو ما سينعكس مباشرة على قناة السويس والاقتصاد العالمي.
أشار إلى أن إسرائيل ستسعى منذ اللحظة الأولى إلى استهداف العمق النووي الإيراني بضربات دقيقة بمساعدة أمريكية، مما سيعرض أمن الخليج لمخاطر جسيمة من الصواريخ الإيرانية، سواء على القواعد الأمريكية أو على منشآت نفطية خليجية.

وشدد البقلي على أن "الحرب القادمة ستكون بالنسبة لإيران حرب وجود"، وإذا شعرت بخطر داهم على نظامها فإنها ستشعل المنطقة بالكامل دون حساب للعواقب، معتبرًا أن روسيا والصين قد تتدخلان سياسيًا لحماية مصالحهما في الشرق الأوسط، خصوصًا وأن اندلاع حرب واسعة سيضر بالصين اقتصاديًا بشكل كبير.
تقديرات إسرائيلية – أمريكية بالتصعيد
من جانبه، أوضح الدكتور حسين الديك، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، إن المواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل لم تسفر عن نصر كامل لأي من الطرفين، لكن المؤشرات التي تلت إعلان وقف التصعيد تؤكد أن المنطقة مقبلة على جولات جديدة من الصراع.
أضاف الديك في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن قرار إيران بقطع علاقتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى جانب فشل مفاوضاتها مع الأوروبيين ورفضها مشاركة الولايات المتحدة، كلها معطيات تجعل من المواجهة المقبلة شبه حتمية.
لفت إلى أن ملف لبنان وسلاح حزب الله يمثل عقدة رئيسية في الحسابات الإسرائيلية والأمريكية، حيث ترفض تل أبيب وواشنطن أي ترتيبات تقلص من هيمنة إسرائيل العسكرية في المنطقة، لافتًا إلى وجود توافق كامل بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والحكومة الإسرائيلية حول مستقبل الشرق الأوسط.

وأكمل حديثه قائلًا:" أن التقديرات الحالية ترجّح أن تلجأ إسرائيل والولايات المتحدة إلى ضربات عسكرية مركزة ضد المنشآت الإيرانية وربما اغتيال قيادات سياسية أو عسكرية، إلى جانب تصعيد الضغوط الاقتصادية وتشجيع الأقليات داخل إيران على التمرد".
وختم الديك بالتأكيد أن روسيا والصين ليستا معنيتين بوقف التصعيد، بل قد تجدان مصلحة في انغماس الولايات المتحدة في حرب مع إيران، أو في مواجهة مباشرة بين طهران وتل أبيب، ما يزيد المشهد الإقليمي والدولي تعقيدًا.
في النهاية، بين "حرب الوجود" التي يتحدث عنها الجانب الإيراني و"الضربات الدقيقة" التي تستعد لها إسرائيل بدعم أمريكي، تبدو المنطقة على أعتاب مواجهة قد تتجاوز حدود إيران وإسرائيل لتشمل الخليج والمضائق الحيوية وقنوات التجارة العالمية. ومع دخول لاعبين كبار مثل روسيا والصين في المعادلة، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، في انتظار لحظة الانفجار أو صفقة سياسية غير متوقعة.
0 تعليق