في زمن ازدحمت فيه السوشيال ميديا بالآراء والانفعالات، صار كل منشور ساحة جدل، وكل كلمة شرارة قد تُشعل نقاشًا أو تُثير اتهامًا.. الكاتب لم يعد يكتب فقط ليعبر عن رأيه، بل صار في مواجهة جمهور واسع، بعضه يناقش بعقل، وبعضه لا يرى سوى ما يريد أن يراه.
نشرت على صفحتي الرسمية في "فيس بوك" منشورًا تفاعليًا عن الملياردير الشاب عصام العرجاني، وعن حلمه بالترشح لانتخابات الأهلي، وهل سيكون قادرًا على تحقيقه أم أنه يكتب نهايته الرياضية بيده لا بيد أحد آخر.
تفاوتت التعليقات كالعادة: بين من تمنى له النجاح، ومن أعلن رفضه للفكرة، وكل ذلك بدا طبيعيًا.
لكن المفاجأة جاءت من تعليق مختلف، تعليق لم يناقش الفكرة، بل هاجم صاحبها: "اتعكمت".. كلمة عامية معناها أنني قبضت، أو تلقيت رشوة.
سقطت الكلمة كحجر في ماء صافٍ، فأثار الغبار وحرّك السطح، لم تكن مجرد اتهام، بل سهم مسموم خرج من قوس التعصب، يبحث عن جرح لا عن حوار.
لم تؤلمني الكلمة بقدر ما آلمني معناها، إذ تعكس واقعًا صار فيه الشرف عملة نادرة، والكلمة الصادقة غريبة تمشي وحيدة في طرقات مزدحمة بضجيج الاتهامات.
الأمر في ذاته لم يكن عجيبًا، ففي زمن السوشيال ميديا قد يرميك طفل أو مجهول بتهمة ثقيلة دون أن يدرك عواقبها.. لكن ما أثار حفيظتي هو أن مثل هذه الكلمات لم تعد مجرد تجاوزات، بل صارت مرآة لمرض أعمق: التعصب الأعمى.
ذلك التعصب الذي جعل من الأهلي والزمالك ليسا ناديين عريقين فقط، بل معسكرين متقابلين، كل طرف فيهما يرى أنه يحتكر الحقيقة والولاء.. أصبح المشجع أسيرًا للون القميص، لا يرى إلا نصف الحقيقة الذي يوافق هواه.. فإذا تكلمت بالعدل اتهموك بالانحياز، وإذا حاولت أن تكون منصفًا أو حتى تقوم بعمل الطبيعي، صرت في أعينهم مرتشيًا أو مدفوعًا من طرف خفي.
لقد تحولت الرياضة، في نظر هؤلاء، إلى جدار كراهية بدل أن تكون جسر محبة.. جمهور كرة القدم الذي كان يُعرف بالشغف والبهجة، أصبح في بعض المواقف كتائب تهاجم كل صوت يخالفها.
أما أنا، فلا أملك إلا قلمي، ولا أملك إلا مبدأً اخترته بوعي.. لا أبحث عن رضا هذا الطرف أو ذاك، ولا أتلقى "تعكيمًا" من أحد.. أكتب لأنني أؤمن أن الكلمة أمانة، وأن شرف الكاتب أن يقول ما يراه حقًا، حتى لو كلفه ذلك نار النقد والاتهام.
في النهاية، لم يكن السؤال: "قبضت كام من العرجاني؟" مجرد تعليق عابر، بل كان جرس إنذار. جرس يذكرنا أن التعصب صار أقوى من الحقيقة، والظن أسبق من اليقين.
ولهذا أقولها بوضوح:
من يرى أن القلم يُباع ويُشترى، فليبحث عن أقلام أخرى، أما قلمي فلا يُشترى.. ومن يظن أن الكاتب يُباع بثمن بخس، فليعلم أن بعض المبادئ أغلى من كل مليارات العرجاني أو غيره!
0 تعليق