د. عبدالعظيم حنفي *
ترتبط دولة الإمارات بشراكة اقتصادية متينة مع الولايات المتحدة، حيث تجاوزت قيمتها تريليون دولار، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 40 مليار دولار في 2024. وتشكل الشراكة الإماراتية الأمريكية في مجال الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في علاقاتهما الثنائية، حيث شهد التعاون بين البلدين نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة عززته زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدولة الإمارات مؤخرا. ويُعزى هذا التطور بشكل كبير إلى ريادة أمريكا في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة أن دولة الإمارات تمكنت منذ سنوات من تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وقطعت شوطاً مهماً في تهيئة بنيتها التحتية واقتصادها للاستفادة من التطورات العالمية المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، حتى أصبحت واحدة من أبرز الدول الرائدة في تبني وتطوير هذه التقنيات، وتسعى بخطى ثابتة إلى تعزيز مكانتها كمركز عالمي للابتكار والتكنولوجيا.
أولاً: الشراكة بين الإمارات وأمريكا
(1) استطاعت الإمارات نتيجة العلاقة المتميزة، التي تربطها بالولايات المتحدة الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي الذي جمع بين ازدهار الطاقة وتوسيع النمو، لتصبح واحدة من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
(2) استثمرت «مايكروسوفت» 1.5 مليار دولار في أكبر شركة للذكاء الاصطناعي في الإمارات «جي 42»، لتدعم جهود الشركة في نشر التقنيات الحديثة، حيث يهدف الاستثمار إلى تعزيز التعاون بين الشركتين في إدخال أحدث تقنيات «مايكروسوفت» الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ومبادرات تطوير المهارات إلى دولة الإمارات وبقية دول العالم. كما تحظى هذه الشراكة التجارية بدعم كامل من الحكومتين الإماراتية والأمريكية، من خلال اتفاقية غير مسبوقة، تضمن تطبيق أفضل الممارسات العالمية، لضمان تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل آمن وموثوق ومسؤول.
(3) في يونيو/ حزيران 2024، وقعت شركة World Wide Technology، وهي شركة تكامل تكنولوجي رائدة مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، اتفاقية استراتيجية مع NXT Global، لإنشاء وتطوير أول مركز تكامل للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر في الإمارات.
ثانياً: شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين البلدين (تدشين مجمّع الذكاء الاصطناعي الإماراتي- الأمريكي الشامل). يستند هذا التعاون إلى إطار عمل جديد بين حكومتي دولة الإمارات والولايات المتحدة، يُطلق عليه «شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات»، لتعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة.
ا- شهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، 15 مايو/ أيار، في قصر الوطن في أبوظبي، إعلان تدشين مجمّع الذكاء الاصطناعي الإماراتي- الأمريكي الشامل بسعة قدرها 5 غيغاواط، والذي يعد الأكبر من نوعه خارج الولايات المتحدة.
ب- هذا المشروع العملاق، لا يرسخ فقط مكانة الإمارات كمركز عالمي للابتكار والتقنيات المتقدمة، بل يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يجمع بين الطموح الإماراتي والرؤية الأمريكية في بناء مستقبل رقمي مستدام ومتكامل يخدم نصف سكان العالم، ويضع المنطقة على خريطة التقدم التكنولوجي العالمي. وسيحتضن هذا المجمّع شركات أمريكية قادرة على الاستفادة من الإمكانات لتوفير خدمات الحوسبة الإقليمية، مع إمكانية خدمة دول الجنوب العالمي، كما يوفر سعة قدرها 5 غيغاواط لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في أبوظبي، ما يخلق منصة إقليمية تمكن الشركات الأمريكية العملاقة من تقديم خدمات سريعة، لما يقرب من نصف سكان العالم.
ج- سيستخدم هذا المجمّع عند اكتماله، الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الغاز، لتقليل الانبعاثات الكربونية، كما سيضم مركزاً علمياً يُسهم في دفع عجلة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. وستتولى شركة «جي 42» بناء هذا المجمّع وتشغيله بالشراكة مع عدة شركات أمريكية.
د- يمثل المجمع نموذجاً للتعاون المستمر والبناء بين البلدين، كما يجسّد التزام دولة الإمارات بتعزيز آفاق الابتكار والتعاون العالمي في الذكاء الاصطناعي، ما يُرسّخ مكانة الدولة مركزاً رائداً للأبحاث المتطورة والتنمية المستدامة، ويحقق مصلحة البشرية جمعاء.
ثالثاً: الإمارات والريادة العالمية في تصنيع أشباه الموصلات
1-إن اهتمام الإمارات بالاستثمار في تصنيع أشباه الموصلات، يُعد جزءاً من طموح أكبر لدى الدولة، حيث تسعى من خلاله لأن تكون رائداً عالمياً في قطاع التقنية. وتتحدث دراسات غربية عن طموحات وتجارب الإمارات، خلال السنوات القليلة الماضية في مختلف فروع قطاع التقنية، ومنها الجيل الخامس من شبكات الاتصال، الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، وغيرها.
2- وتعد الإمارات حالياً أحد اللاعبين الذين لهم تحرك بارز في صناعة أشباه الموصلات، خلال السنوات الأخيرة، فقد فطنت مبكراً لأهمية هذا المجال، من خلال تعزيز استثماراتها الخارجية في هذا القطاع، لتتوسع الشراكات العميقة بين الشركات الأمريكية والإماراتية، لتشمل اليوم عدداً واسعاً من أبرز شركات التكنولوجيا الأمريكية من «أي بي إم» و«مايكروسوفت» إلى «إنفيدا» و«أوبن إيه آي».
ويرجع اهتمام الإمارات بالاستثمار في تصنيع أشباه الموصلات لما له من أهمية اقتصادية واستراتيجية فائقة، وهو اهتمام يعود الى عام 2011، عندما استحوذت شركة مبادلة للاستثمار «مُبادلة» على شركة «أتيك» الأمريكية، الشركة الأم لمصنع «جلوبال فاوندريز جي إف».
3- موافقة إدارة ترامب على السماح للإمارات باستيراد أكثر من مليون شريحة متقدمة من شركة «إنفيديا»، بما يتجاوز بكثير الحدود بموجب لوائح شرائح الذكاء الاصطناعي في عهد إدارة بايدن، ما سيسمح للإمارات باستيراد 500 ألف من أحدث الرقائق في السوق كل عام، من الآن وحتى 2027. ويعتبر هذا إنجازاً إماراتياً لافتاً.
4- تشمل شراكات «جي 42»، «أوبن إيه آي»، التي تتعاون مع الشركة الخليجية كجزء من التوسع داخل دولة الإمارات والمنطقة. وأفادت «بلومبرج» العام الماضي بأن «أوبن إيه آي» أجرت مناقشات مع «جي 42» لجمع التمويل لمشروع جديد للرقائق.
رابعاً: مزايا الشراكة الإماراتية مع واشنطن
يسهم تعزيز التعاون في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، والاستفادة من الابتكارات والتقنيات الحديثة، في تطوير قطاعات المستقبل في الإمارات، وسياسة التنويع الاقتصادي الوطني، كما يعزز تكثيف الاستثمارات الإماراتية في التكنولوجيا المتقدمة داخل الولايات المتحدة من مكانة الدولة مركزاً تقنياً عالمياً.
إن الإمارات قد كسبت الرهان على الذكاء الاصطناعي من أجل المستقبل.
* أكاديمي مصري
[email protected]
0 تعليق