«انتظرتك عمري كله وانتي حلم
ومرت الايام والله وانتي حلم
ليه تأخرتي علي توهي مره واسالي
كوني في غير الزمان والا في غير المكان
كوني عمري عمري كله
اللي باقي واللي كان
كل نجمه شعشعت والقلب عتمه كانت انتي
كل حرفٍ حرك شفاهي بكلمه عنك انتي
وكل حبي اللي مضى والحب قسمه منك انتي
كانوا الاحباب ظلك بعض احساسك ونورك
ما عرفتك يوم كلك ياللي في غيابك حضورك..
انتظرتك عمري كله وانتي حلم
هذا انتي قولي والله إنه إنتي
وين غبتي ؟ عني هذا الوقت كله
وين كنتي ؟
شيبت عيني طيوفك وما أصدق إني أشوفك
ياللي قلبي في كفوفك نقش حنا
وفي جديلك عطر ورد
ليه تأخرتي علي وما طرى لك تسألي
انتظرتك عمري كله وانتي حلم»
كلمات ليست مجرد بوح مألوف في فضاء الشعر العاطفي، بل هي نص يشيّد عالماً متكاملاً من الانتظار الممتد والحلم المؤجل، عالم يتداخل فيه الواقع بالخيال، والزمن باللا زمن، والوجود بالغياب، حتى يصبح الحلم شخصية موازية للمعشوقة، أو ربما هي المعشوقة تماهت في صورة حلمٍ عصيّ على الإمساك.
يضعنا البدر أمام معادلة وجودية أن يمضي العمر كله في انتظار حلم، وأن يظل الحلم هو المعشوقة ذاتها.
إنّه لا ينتظر جسداً ولا حضوراً عادياً، بل ينتظر تحقق المعنى، اكتمال النقص، وامتلاء الفراغ. وهنا تتجلى براعته في تحويل التجربة العاطفية الفردية إلى حالة إنسانية كونية كل إنسان في جوهره ينتظر، وكل قلب في عمقه يحلم، إنها جدلية الحضور والغياب.
النص يقوم على مفارقة مذهلة، المعشوقة غائبة لكنها في الغياب أكثر حضوراً، يقول:
ما عرفتك يوم كلك ياللي في غيابك حضورك
يبتدع صياغة مدهشة لمفهوم العشق، حيث يتحوّل الغياب إلى وسيلة تكثيف للحضور.
إنّه حضور بالرموز والظلال والطيوف، حضور عبر انعكاس النجوم، ورنين الحروف، وعبق العطر في الجدائل، إنها لغة الصور وموسيقى الحنين المتدفق بصور شعرية باهرة..
كل نجمه شعشعت والقلب عتمه كانت انتي
شيبت عيني طيوفك وما أصدق إني أشوفك
نقش حنا وفي جديلك عطر ورد
صور تحمل نكهة بصرية وحسية متشابكة، تجعل العاشق يعيش التجربة بملامحها المتعددة البصر، السمع، الشم، اللمس. وكأنّ الشاعر يصرّ على أن المعشوقة لا تُحضر بالكلمات فحسب، بل بكامل الحواس.
ويتجلى الإيقاع، في التكرار المقصود لعبارات: انتظرتك عمري كله، وانتي حلم، وليه تأخرتي علي، وهو تكرار لا يبعث الملل، بل يضاعف الشعور باللوعة والإصرار، ويحوّل الجملة إلى لازمة موسيقية تتغلغل في الوجدان.
جاذبية النص تتجلى في السؤال المستمر
ليه تأخرتي علي وما طرى لك تسألي؟
سؤال لا يبحث عن إجابة، بل عن استدامة للتوتر.
فالمعشوقة لو أجابت، لانطفأ وهج الانتظار. إنّه سؤالٌ كوني بقدر ما هو شخصي،
لماذا يتأخر عنا من نحب؟ لماذا يظل الأجمل حلماً بعيداً؟
في شعر نزار قباني، مثلاً يكون حضور المرأة فيزيائياً، متجسّداً في تفاصيل الجسد واللمس والعطر والقبلة والحضن، الغياب عنده لا يكتسب قيمة إلا بقدر ما يضاعف من الشوق إلى حضورها الحسي، غيابها يعنى غياب اللذة، بينما حضورها هو عودتها
أما عند البدر، فالمعادلة عنده أكثر روحانية وتصوّف فالغياب عنده حضور، والحلم يكفي ليملأ الفراغ.
يقدّم لنا معشوقة رمزية/كونية، لا مجرد امرأة بجسدها، بل كياناً يضيء كل العتمات. وهنا يختلف عن نزار الذي يعلّي من لغة الحواس، بينما البدر يصعّد اللغة إلى مستوى تجريدٍ عاطفي وجودي ويبقي التجربة محمولة على بساط وجداني قريب من القلب يحافظ على لغة شفافة، سهلة، موسيقية، تجعل العاشق يدخل البعد الفلسفي دون أن يشعر بثقل التجريد.
البدر يذيب اللغة في العاطفة، والعاطفة في الصورة، والصورة في السؤال المفتوح على الأبدية.
إنّها قصيدة الحلم الذي يأبى أن ينطفئ، والانتظار الذي يتحوّل من معاناة إلى معنى، ومن ألم إلى جمال.
البدر خلق معادلة فريدة معشوقة غائبة حاضرة، حلمية-واقعية، جسدية-رمزية، يظل حضورها في الغياب أجمل وأبهى من كل حضور، مواساة لكل المحرومين في الأرض.
أخبار ذات صلة
0 تعليق