قدر منطقتنا أن تكون دائمة الانكشاف والتعرض لضغوط وهجمات جيوسياسية، منذ ما قبل حرب الخليج الأولى في تسعينات القرن الماضي إلى يومنا هذا، وللأسف ستكون كذلك لعقود قادمة، لأنها منطقة حيوية وحساسة تاريخياً وجغرافياً واقتصادياً.
لكن قدر منطقتنا، وتحديداً في جزئها الخليجي، أن تكون قوية في تعاطيها مع المتغيرات الجيوسياسية أيضاً، وأن تصمد بقوة، وتواصل مشروعها التنموي الذي تخصص له جل اهتمامها بهدف بناء «البلاد والعباد» وتحقيق الازدهار وتجاوز المراحل الاستثنائية التي قد تؤثر في خططها الوطنية.
الإمارات في هذا الجانب من المنطقة العربية والخليجية، تعاطت منذ التأسيس مع المتغيرات الإقليمية والعالمية، بحكمة وانفتاح وسياسات، راعت في المقام الأول الحفاظ على أمنها وسلامتها، وعمدت إلى بناء منظومة شاملة تركز فيها على مواصلة البناء وعدم الانشغال في المعطيات الخارجية، لتكون الأولية دائماً لبناء اقتصاد قوي لديه مناعة ذاتية للوقوف والصمود والتأقلم مع الأمواج.
مع كل أحداث خارجية جديدة وطارئة، يخرج اقتصاد الإمارات بثبات، ويكسب نمواً قوياً، وشركاء جدداً، فهو من الاقتصادات القليلة في العالم التي لديها مرونة عالية يستطيع عبرها التأقلم والاستفادة من المعطيات، والأمثلة كثيرة على مدار العقود، وأكبرها ما حققه من توسع في أعقاب جائحة «كورونا» التي شلت اقتصادات العالم، وأثرت في سلاسل التوريد وقطعت الاتصالات بين البشر.
أما كيف جاءت هذه المرونة التي جعلت اقتصاد الإمارات أكثر قوة، فالأسباب تعود إلى الاستراتيجيات التي وضعتها الحكومة لتقليص الاعتماد على مورد النفط إلى أدنى مستوياته (23% فقط مساهمة النفط في الناتج)، والعلاقة التكاملية وتبادل الأدوار بين القطاعين العام والخاص في إطلاق المشاريع وتنفيذها، والشراكات الاستراتيجية والشركاء التجاريين المحليين والعالميين، ومشاركة العالم في ثورات التقنية والذكاء الاصطناعي، وعمل أسواقها في محيط يتجاوز ملياري نسمة، ما يجعله أكثر حصانة من التأثر سلباً بمعطى أو أكثر خلال مرحلة واحدة.
استطاعت الإمارات عبر السياسات التي مارستها في العقود الماضية، أن تكسب ثقة المستثمرين والشركاء المحليين والخارجيين، وباتت بما تقدمه من فرص ومن خدمات، واحة استثمارية و«مغناطيساً» جاذباً لرؤوس الأموال العالمية، وللكفاءات البشرية، وللتكنولوجيا المتقدمة، ويطرق أبوابها يومياً عشرات الأثرياء الراغبين في الإقامة في ربوعها، مطمئنين إلى أسرهم، لتعيش حياة مستقرة راغدة، وأموالهم لتنمو وتزدهر بأمان.
يثلج الصدر، أن يترسخ الاعتراف العالمي بالإمارات، فهي ضمن قائمة الخمسة الكبار في التقرير السنوي للتنافسية 2025 الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، بعد أن سجّلت 96.09 نقطة من أصل 100، متقدمة مركزين على عام 2024، كما حافظت على المركز الأول إقليمياً للعام التاسع على التوالي.
الإمارات رغم كل المعطيات والمتغيرات الجيوسياسية في المنطقة، لا تتوقف عن العمل والابتكار وتقديم الأفضل، فهي تتصدر 113 مؤشراً عالمياً ضمن التقرير، إذ حصدت المرتبة الأولى عالمياً في 22 مؤشراً مثل نسبة التوظيف، وغياب البيروقراطية، وتوافر الخبرات العالمية، والتحوّل الرقمي في الشركات، ورأس المال الاستثماري، وانتقال طلبة التعليم العالي إلى داخل الدولة، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، والبنية التحتية للطاقة، والمرأة في البرلمان، وحصدت المرتبة الثانية عالمياً في مؤشر التماسك الاجتماعي، ومرونة قوانين الإقامة، وقدرة سياسة الحكومة على التكيف، والثالثة عالمياً في مؤشر خريجي العلوم، واستخدام الأدوات الرقمية والتكنولوجيا، والبنية التحتية الصحية.
الإمارات لا تتوقف، لأنها لا ترى التحديات عائقاً، بل تراها فرصاً لبناء وطن متجدد، متنوع، وجاذب للعقول والفرص والاستثمارات.
الإمارات لا تعرف التوقف - زاجل الإخباري

الإمارات لا تعرف التوقف - زاجل الإخباري
0 تعليق