شيء عن الكتّاب الأسرى في "يوميات الزيارة والمزور" - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كتبت بديعة زيدان:

 

"كانت رحلة وعرة وشاقة، بحيث حملتُ كل لقاء لأيام متتالية، فلم تكن لقاءات عاديّة بين محامٍ وموكله، بل محورها قصّة وحكاية كلّ من التقيته، الأسير الإنسان بعيداً عن الأسير الأسطورة، وصار الأسر جزءاً من عائلتي الصغيرة.. كانت تجربة خاصة، حتى جاء السابع من أكتوبر يحمل الأمل المتجدّد بحريّة قريبة، فرأيتُ من المناسب أن أتناول تلك التجربة بخصوصيتها حتى ذلك التاريخ المفصلي، رغم أنّي كثفتُ الزيارات لسجون الاحتلال مذّاك، ولكن تلك اللقاءات أخذت منحى آخر.. تحدثنا كثيراً عن أدبنا المحلي الذي شكّل رافعة للأسرى: أدباء من الرعيل الأول قد رحلوا، وكتّاب اليوم، ومن هنا جاءتني فكرة التشبيك بين كتّابنا وأسرانا، وبدأت بمبادرة (لكل أسير كتاب) يوم 30 تموز 2019، وأنشرها على صفحتي كل صباح خميس، 224 حلقة على التوالي، ووصلتهم من خلالها آلاف النسخ من الكتب".
كانت العبارات السابقة شيئا ممّا كتبه حسن عبادي في مقدمة كتابه "يوميات الزيارة والمزور: متنفس عبر القضبان"، الصادر حديثاً عن دار الرعاة للدراسات والنشر في رام الله ودار جسور للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمّان.
وتحدث عبادي كيف تبيّن له توق الأسرى للاهتمام بكتاباتهم وتناولها، وهو ما دفعه لإطلاق مبادرة "لكل أسير كتاب" في نيسان من العام 2020، وهي التي أسست لاستضافات حول هذه الكتابات في عمّان، بالشراكة ما بين رابطة الكتاب الأردنيّين ومبادرة "أسرى يكتبون"، لافتاً إلى أنه في كتابه الحواري هذا تناول تجربته مع الأسرى حتى السابع من أكتوبر 2023، ولم يتناول لقاءاته مع الأسيرات لخصوصيتها، مؤكداً: الكتابة دفعة أمل بلا حدود للأسرى، وتبقى الحرية خير علاج للسجين.
وكان لعبادي لقاءات كثيرة في الكتاب مع الأسرى الأدباء، فيقول: تعرّفت إلى الأسير كميل أبو حنيش عبر رواياته التي تناولت بعضها، ورتّبت لزيارته قبل العيد.. أعدّت زوجتي سميرة علبة كعك، وطلبتُ توصيلها لكميل.. وصلتُ سجن ريمون الصحراوي ساعات الصباح، والتقيتُ حال وصولي الأسير أحمد سعدات، وكان عليّ الانتظار لتزامن الأمر مع زيارة عائلية، فضلّتُ الانتظار على حرمان أخيه فؤاد من رؤيته عشية العيد.. تحدثنا كثيراً عن كتاباته ومشروعه الأدبي القادم، قتل فراغه بالقراءة والكتابة، ليتغلب على الفقد والحرمان واستبداد سجّانه.. الابتسامة تلازمه كلّ الوقت متحدثاً عن "الجهة السابعة"، الفصل الخامس والعين الثالثة، وعن الانبعاث والأمل بالحرية القادمة لا محالة رغم محكوميّته بتسعة مؤبدات.. أخبرته عن كعكات سميرة "المحجوزة" في غرفة الاستقبال، فهي تخضع لفحوصات أمنية، إدارية وقانونية بخصوص إدخالها، وإيصالها لك، وكم كانت حسرتي حين غادرتُ السجن وعلبه الكعك بيدي.
وراقت لعبادي فكرة زوجته "سميرة" بزيارة أسرى يكتبون خلف القضبان.. ويكتب: تعرّفت إلى الأسير باسم خندقجي، الشاعر والروائي الذي يقضي حكماً بثلاثة مؤبدات داخل سجون الاحتلال، له العديد من الإصدارات الشعرية والروائية.. التقيته في سجن "هداريم" وقابلني بابتسامة لم تفارقه لساعتين ونصف الساعة، وقال بعفوية: أشعر أنّ اليوم عيد ميلادي لأنني سجين منذ خمسة عشر عاماً، وللمرة الأولى يزورني "غريب" بسبب كتاباتي، أشعر حقاً أنني، اليوم، أصبحتُ كاتباً.. تحدثنا كثيراً عن كتاباته، طقوسها ومشروعه الأدبيّ، الاغتراب الثقافي، التطبيع، الرواية المحلية وأدب السجون وتعريفاته التقليدية والنمطية والحديثة.
وعن زيارته للأسير حسام شاهين، جاء في تسجيلات عبادي ليوميّات زياراته للأسرى: تناولنا معاً روايته "زغرودة الفنجان" ومشروعه الثقافي وشظايا التجربة، قيم فلسفية وأدبية تزداد قيمتها خلف القضبان، قيمة الأشياء الصغيرة التي اكتشفها داخل السجن بسبب الحرمان، تلك الأمور الصغيرة تكبر في ذهن ومخيلة الأسير القابع في زنازين الاحتلال، حرمانه من احتضان وتقبيل "قمره" أربعة عشر عاماً، لهذا يصبح للقائه بغريب مثلي نكهة مغايرة.
والتقى عبادي كريم يونس في العاشر من تموز 2019.. وعن ذلك اللقاء وثّق: تحدثنا طويلاً عن كتابيه: "الواقع الآخر للأحزاب الإسرائيلية"، و"الصراع الأيديولوجي والتسوية"، ومواجهته اليوميّة مع سجانه، ومعاناة الأسرى ومحاولات التضييق اليومية، لافتاً إلى أن كريم يحرص على تدريس الأسرى وتثقيفهم.
والتقى صاحب "يوميات الزيارة والمزور" الأسير وليد دقة قبل استشهاده، وكان تعرّف إليه عبر كتاباته، وشارك في أمسية نظّمها التجمع الوطني الديمقراطي في حيفا، يوم العاشر من تشرين الثاني 2019، لإشهار "حكاية سر الزيت"، وكان اللقاء بعد ساعة من انتهاء لقاء عبادي برفيقه كريم يونس.. "تحدثنا عن لقائي بباسم خندقجي ووعدي له أن نرفع نَخْب (ميلاد) الموعود قبالة بحر حيفا، كما تحدثنا عن جود وأبو ناب والضبع، وعن كثرة الضباع في أيّامنا هذه، وعن التهجير والعودة المشتهاة، فالحاجة فريدة ما زالت تحلم بعودتها إلى قاقون والحوارث"، مضيفاً: تناولنا "الزمن الموازي"، صهر الوعي والمحاولات المستميتة لاستهداف معنويّات الأسير في سجون الاحتلال، عبر إعادة صياغة عقله وفق رؤية إسرائيلية، وتناولنا رسوماته، وكاريكاتيراته و"الكوميكس" للكبار بالعربيّة، ومشروع "نول للكتابة"، والأثر الذي تركته فيه تعقيبات مجد كيّال، وخلدون محمد، ود. خالد عنبتاوي، وغيرهم الكثير.
وكان لقاؤه بالروائي الأسير ناصر أبو سرور، محور توثيق آخر تحت عنوان "حكاية جدار"، وهي الرواية الصادرة بالعربية لناصر عن دار الآداب للنشر في بيروت.. "حدثني عن علاقته بالجدار، فهم ابن مخيم عايدة، وحين اعتقل، كتب على جدار زنزانته الأولى: وداعاً يا دنيا، وتعلّق بالجدار، بحيث أصبح هويته، وآمن بأن الجدار هو ثابتك الوحيد فالتصق به ولا تسقط عنه.. تحدثنا عن الثقب الأسود والكتابات المثقوبة، عن أزمة الحركة الأسيرة، عن القراءة داخل السجن حتى تخمّر بما فيه الكفاية، كما تحدثنا عن كتاباته ومشروعه الأدبي المستقبلي، وعن أدب السجون، وعن رغبته باحتضان مزيونة ووداد وانشراح وشذا، وجدار عايدة"!
في كتابه هذا يوثق المحامي الحيفاوي للقاءات مع سبعين أسيراً، آثرت التركيز في تسليط الضوء على شيء ممّا جاء فيه، عبر التركيز على الجانب المتعلق بأدب الأسرى، وزياراته للأسرى الكتاب، أو عددٍ منهم بمعنى أدق، ليبقى "يوميّات الزائر والمزور"، علاوة على كونه وثيقة مهمة بين دفتي كتاب، "متنفسا عبر القضبان".

 

0 تعليق