كتبت بديعة زيدان:
"افتحوا أدراج خزائنكم في منازلكم، ودققوا فيها جيداً، مرة تلو الأخرى، لتتأكدوا من أهميتها، لو ليس في العام 2025، لربّما في العام 2027، فمن وراء قصاصات قد ترونها هامشية، نحفظ ذاكرتنا وهويتنا والحقيقة من المحو والاندثار".. بهذه المقولة، افتتح واختتم مؤسس والمدير التنفيذي لأرشيف "خزائن" في القدس، فادي عاصلة، الندوة التي نظمتها دارة الفنون (مؤسسة خالد شومان الثقافية) في العاصمة الأردنية عمّان، إلكترونياً لأسباب تتعلق بسوء الأحوال الجوية، تحت عنوان "أرشيف خزائن: حكايات من السردية الفلسطينية"، مساء أول من أمس.
و"خزائن" أرشيف مجتمعي يركز على أرشفة الحياة الفلسطينية والعربية اليومية، عبر حفظ الأوراق الشخصية والأرشيفات العائلية، وهو كما عرفه مؤسسه يختلف عن أي أرشيف مجتمعي آخر حول العالم، حيث إن أكثر من 80% من مستويات العمل فيه تطوعية، عبر فرق تنضم لـ"خزائن" بشكل دوري، وتتعرض لتدريبات مباشرة على الأرشفة، ومعالجة الكثير من المواد الواردة بمسحها ضوئياً، علاوة على مساهمتهم في كتابة المقالات، وتنظيم الأمسيات ذات العلاقة، وبحيث يكون المجتمع جزءاً محورياً منها.
وأشار عاصلة إلى أن "خزائن" نظم وأطلق العديد من المشاريع في السنوات الأخيرة، من بينها: "حكايات مقدسية من الأرشيفات العائلية" ونُظمت في إطاره أمسيات للعائلات المقدسية للحديث عن أرشيفاتها، و"دفاتر الحرب"، الذي تمركز حول توثيق وأرشفة آلاف المواد في قطاع غزة، و"توثيق الشيخ جراح"، حيث مقر "خزائن" من خلال أرشيفات عائلات الحي المقدسي، وأرشيفات المساهمين بالنضالات والنشاطات فيه خلال الفترة السابقة مع توثيق حكاياتهم وقصصهم، ومن بين المشاريع أيضاً، وأحدثها، "أرشيف في المكتبة" بالشراكة مع مكتبة المسجد الأقصى.
وكشف عاصلة عن بعض وثائق "خزائن" النادرة وما وراءها من حكايات، وبينها بطاقة معايدة طبعت في مكتبة رجا سحّار بالقدس، وتأسست في العام 1953، ليتبيّن أنها تحمل لوحة للفنان التشكيلي القدير الراحل كمال بلاطة، وهو عمل فني أنجزه حين كان في الثامنة عشرة من عمره في العام 1966، وكان من بين آخر ما رسمه على أرض فلسطين، بحيث غادر القدس للدراسة ولم يعد إليها بسبب احتلالها في العام 1967.
ومن بين وثائق "خزائن" قصيدة مطبوعة على "الآلة الكاتبة"، موقعة من قبل الشاعر محمود درويش، بتاريخ 17 أيلول 1960، بعنوان "قصيدة إلى فيروز"، وقدم نسختها هذه إلى صديقه المحامي علي رافع.
كما عرض عاصلة بطاقة لدخول سينما "السامر" في غزة، وتأسست في مطلع أربعينيات القرن الماضي، وباتت أثراً بعد عين في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، ورسالة من "قرويي بيتونيا ورام الله" في أواخر القرن التاسع عشر، إلى الحاكم العثماني، ومعنونة بـ"تقصير الحكومة واستبدادهم في مديرية ناحية رام الله"، مطالبين فيها بإقالة مدير ناحية رام الله، علاوة على شهادة لقيادة الطائرات الخاصة باسم خليل محمد الحاج أبو غنام، من "جبل الزيتون" في القدس، العام 1947.
ولفت عاصلة إلى أنه بمرور قرابة تسعة أعوام على تأسيس "خزائن"، تراكمت أرشيفات كثيرة، من بينها 265 أرشيفا عائليا في أكثر من 25 ألف ملف، نشر منها 10 آلاف ملف على الموقع الإلكتروني للأرشيف، لافتاً إلى أن هذه الوثائق تقدم إضاءات مثيرة على جوانب مختلفة من تاريخنا، وتوفر لنا فهماً لعديد التفاصيل في حاضرنا، ولكيفية تشكّل المراحل التاريخية، وتجعلنا ننصف الكثير من اللحظات التاريخية المهملة والناس المهمَّشين.
وأشار عاصلة في رد على سؤال لـ"الأيام"، إلى أن "خزائن" تكونت عبر مجموعة من الأصدقاء بالقدس، استشعروا ضرورة توثيق ما يحدث في مدينتهم، وما تختزنه ذاكراتهم عن أشخاص في عائلاتهم أو حاراتهم يستحقون تسليط الضوء عليهم، فقررنا الانحياز إلى تاريخ "البسطاء" الذين لم يكن لديهم القدرة على توثيق حكاياتهم، بحيث يعبر هذا الأرشيف عن كافة أطياف المجتمع، أو "أرشيف الناس".
وكشف مؤسس "خزائن" عن أنه، ولحماية أرشيفهم، يتم حفظ نسخ رقمية ليس فقط على الموقع الإلكتروني للأرشيف، بل لدى جهات عدة موثوقة في أكثر من دولة، في حين تجري معالجة الأرشيف الورقي في القدس بمواد حافظة في بيئة آمنة ومحمية.
0 تعليق