دردشة مع الشاعر إياد شماسنة: الفن أكثر من "ناقل حكايات" والقدس أكثر من مدينة - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حاوره زياد خداش:

 

حين تجلس مع إياد وجهاً لوجه، تكتشف كم هو جميل ومطمئن أن يشبه الإنسان نصه. قليل جداً من الأدباء الفلسطينيين من يشبه نصه، في العالم أيضاً، تعتبر الفجوة بين الكتابة والسلوك طبيعية بل ومتوقعة، وكأن الكاتب يكتب جانبه الجميل ويترك السيئ للحياة.
لكن أن يصير الإنسان نصه فهذا منتهى الجمال والحب والتصالح مع الذات، ثمة نماذج كثيرة في العالم مثل هؤلاء كمحمود شقير في فلسطين ويحيى حقي في مصر وماركيز في أميركا اللاتينية.
لكن كل ذلك لا يشفع للكاتب سطحية عالمه الأدبي، بمعنى أنني أفضل أن يكون الكاتب وغداً مع كونه مبدعاً حقيقياً، على كاتب بأخلاق عالية ونص هزيل.
من حسن حظنا وحظ الكتابة أن نص إياد الجميل هو نفسه جمال روحه ودماثته.
يعمل إياد إدارياً في مشفى المقاصد بالقدس، في مكتبه لا يستطيع ألا يكون مثقفاً، فحديثه حتى عن الطب والذكاء الاصطناعي والحياة والشعر باستمرار ينبع من فكرة أدبية أو فلسفية ويصب في فكرة أخرى، إياد مترجم أيضاً لديه عدة كتب غير منشورة.. هنا دردشة مع إياد:


*الشاعر الفلسطيني الذي يسكن القدس: مرهق أم مرتاح، محظوظ أم قليل الحظ؟
- الشاعر الفلسطيني الذي يسكن القدس يعيش في واحدة من أكثر المدن تعقيداً وجلالاً في العالم، مدينة تعبر عن هوية متداخلة تتجاوز الحدود الجغرافية والزمنية.
في قلب هذا المشهد المشتبك، يمكن القول إن الفلسطيني في القدس محظوظ بطريقته الخاصة، لأنه يعيش في مدينة تمثل مركز الصراع والتمسك بالهوية، مدينة تتأرجح بين مجد ماضٍ عريق ومستقبل مليء بالتحديات.
القدس ليست مجرد مدينة، بل هي رمز لصراع وجودي، والشاعر الذي يعيش فيها يكون شاهداً على الصراع وأحد أطرافه، ولكنه في الوقت نفسه يتحمل عبء هذا الوجود، كونه يتنفس هواءً مشبعاً بالآلام والأمل، يشاهد العالم وهو ينظر إلى مدينته كرمز، بينما يعيش واقعه الخاص بتحدياته ونكباته وإخفاقاته اليومية.
هذا يجعل الشاعر الفلسطيني في القدس حاملاً لتناقضات القدر: فهو محظوظ لأنه في قلب التاريخ، ومشؤوم لأنه يعيش في مكان يثقل عليه حمل هذا التاريخ.


*هل يملك الشعر قدرة على استرجاع المجد التليد؟
- إن التراث والتاريخ ليسا مجرد ذكريات نعيد روايتها، بل هما أدوات لإعادة تشكيل الهوية والحفاظ على الروح الجمعية للشعوب.
الشعر والفنون بشكل عام يمتلكان قدرة فريدة على استرداد الماضي، ليس بكونهما مجرد أدوات لنقل القصص، بل باعتبارهما وسيلة لتحويل الفقد إلى خلق جديد.
الشعر يمكنه أن يستحضر روح الأماكن التي تهدمت ويعيد بناءها في عقول وقلوب الناس، ليصبح الحلم أكثر واقعية.
الفنون تبتكر طرقاً جديدة لرؤية الماضي، وهي بذلك تعيد خلقه بصور جديدة تناسب الحاضر، نعم، الشعر والفنون قادران على استرجاع مجدنا، ولكن ليس كنسخة مكررة من الماضي، بل كمفهوم جديد يعبر عن حاضرنا وطموحاتنا.


*بين أروقة مستشفى المقاصد، هل تصلح القصص والآلام هناك كإلهام أو حافز للشعر؟
- مستشفى المقاصد في القدس ليس مجرد مكان للعلاج الجسدي، بل هو ساحة معركة يومية بين الحياة والموت، بين الأمل واليأس.
أروقة المستشفى تحمل في طياتها قصصاً لا تنتهي، صرخات وأصواتاً تختلط مع أنفاس المرضى وأهاليهم، لتشكل ملحمة إنسانية تتجاوز الكلمات.
من هنا، لا يمكن للشاعر الذي يعيش هذه التجربة أن يبقى محايداً، بل تصبح القصص والأصوات التي يسمعها مادة لنصوصه. الألم هو جزء من الحياة، ولكن في المقاصد، يصبح الألم أعمق وأكثر حدة، ما يجعل الشاعر يعيش في حالة دائمة من الانفعال، يبحث عن الكلمات التي يمكنها أن تعبر عن هذه اللحظات الحادة.
في هذه الأروقة، تتعلم أن الشعر ليس مجرد ترف فكري، بل هو ضرورة للتعبير عن المعاناة والمقاومة والصمود والنجاة، كل صرخة ألم تسمعها في المستشفى قد تكون الشرارة التي تشعل قصيدة جديدة.


*هل يحتاج الشعر إلى الألم؟
- الشعر لا يحتاج إلى الألم بقدر ما يحتاج الإنسان إلى التعبير عن تجاربه الحياتية بأعمق صورها.
الألم، بوصفه تجربة إنسانية حادة، يخلق بيئة خصبة للشعر، لأنه يمثل حالة من الوعي العميق بالوجود، إنها حالة تتطلب من الشاعر أن يبحث عن لغة جديدة للتعبير عن هذا الإحساس.
حياتنا مليئة بالتوجع، لكن الشعر يملك القدرة على تحويل هذا التوجع إلى جمال، إلى صورة مكتملة تعكس الحقيقة الإنسانية بصدق.
الألم، في نهاية المطاف، ليس غاية في ذاته، بل هو وسيلة للشعر للوصول إلى جوهر الحياة، لخلق حوار صادق مع الذات والعالم.


*من سلب ليلك ونهارك من الروائيين؟
- الروائيون الفلسطينيون يحملون في طيات أعمالهم ثقلاً كبيراً من المعاناة والآمال، وهم يعيدون تصوير الواقع الفلسطيني بأبعاده المختلفة. من بين هؤلاء، قد تجد نفسك مغرماً بأعمال غسان كنفاني، الذي استطاع ببراعته الأدبية أن يسلب ليلك ويدوخ نهارك.
كنفاني، بأسلوبه الواقعي المحمل بالشعرية، يضعك أمام مرآة قاسية للواقع، يجعلك تعيش أحداث الرواية كما لو كنت جزءاً منها.
هو ليس مجرد كاتب، بل هو صوت للمعاناة الجماعية، ورؤيته العميقة للأحداث تجعل من قراءته تجربة غامرة تأخذك بعيداً عن عالمك اليومي إلى قلب المأساة الفلسطينية. طبعاً هذا بالإضافة إلى كتاب مثل زياد خداش، أسامة العيسة، حسن حميد، وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم.


*في ديوانك "حدائق الكريستال"، تظهر اللغة صافية وهادئة، كأنها تعكس القرى الفلسطينية قبل النكبة؟
- الشعر، في جوهره، يميل إلى الهدوء لأنه يبحث عن الروح، عن الحقيقة التي تتجاوز الضجيج اليومي.
وإذا سألت الشعر أين يفضل أن يعيش، فإنني أتوقع أن يجيب بأنه يفضل الهدوء، ليس لأنه يهرب من الواقع، بل لأنه يجد في الهدوء مجالاً أوسع للتأمل، ولإعادة بناء العالم بطريقة أكثر عمقاً.
الشعر يزدهر في البيئات التي تسمح له بالتفكير، بالتأمل، بالبحث عن المعاني الخفية، وهذا الهدوء هو الذي يمنحه القوة على استكشاف هذا العمق.


*في كتابك "سدرة المنتهى"، يظهر النفس السردي بشكل واضح، ما يطرح سؤالاً حول التوازن بين الشعر والسرد.
- قد يكون التوازن بين الجنسين الأدبيين تحدياً، لكنه أيضاً فرصة للتعبير عن الأفكار والمشاعر بطرق مختلفة.
ربما لم أكن واعياً تماماً لهذا التوازن، لكن العمل الأدبي هو في نهاية المطاف نتيجة تجربة عاطفية وفكرية تتطلب من الكاتب أن يتحرك بحرية بين الشعر والسرد.
في "سدرة المنتهى"، قد تكون هذه الحرية هي التي مكنت النص من النمو والتطور بشكل طبيعي، دون الحاجة إلى التقيد بقواعد صارمة أكثر من اللازم. الفن الأدبي، في جوهره، هو تعبير عن الحرية، عن القدرة على استكشاف العالم الداخلي والخارجي بأدوات متعددة.


*حين تلتقي غزة مع الشعر في طريق عام كيف تتوقع رد فعله؟
- إذا التقى الشعر بغزة في طريق عام، فإنني أتوقع أن يكون رد فعله مزيجاً من الدهشة والأمل.
غزة، بكل ما تحمله من معاناة وصمود، تمثل تحدياً للشعر. فهي ليست مجرد مكان أو جرح، بل رمز للنضال المستمر، للصمود أمام الظروف القاسية.
الشعر، بطبيعته، يسعى إلى الجمال، إلى البحث عن الصور التي تعبر عن التجارب الإنسانية بأكثر الطرق تأثيراً.
أمام غزة، سيجد الشعر نفسه مضطراً إلى إعادة التفكير في أدواته، ولغته وفي قدرته على التعبير عن هذا الكم الهائل من الألم والأمل.
سيجد الشعر في غزة مصدر إلهام جديد، لكنه سيكون إلهاماً محملاً بالأسى والعزة في آن واحد؛ إلهاماً يفرض عليه أن يكون أكثر صدقاً، أكثر إنسانية، وأكثر قدرة على لمس القلوب. وأن يقول للناس إنه أحد وسائلهم للعيش والنجاة.

 

0 تعليق