كتبت بديعة زيدان:
ضمن مشروع "وقائع صوتية"، (وهي سلسلة جلسات استماع لأعمال صوتية)، استضافت قاعة "المختبر" في دارة الفنون/ مؤسسة خالد شومان الثقافية، في عمّان، جلسة بعنوان "أرشيفات صوتية وموسيقية فلسطينية من الماضي والحاضر"، حيث تم الاستماع إلى مجموعة مختارة من القطع الموسيقية والأناشيد والمقاطع الشعرية وغيرها من التعبيرات السمعية اختارها عدد من الموسيقيين والممارسين الثقافيين في العاصمة الأردنية، وهم: سحر خليفة، وشيراز خطّاب، وعبّود الرواجبة، وخالد الزغول.
وأشارت القيمة الفنيّة للمشروع تولين توق، وهي منتجة ثقافية وميسرة تقيم وتعمل بين "تورونتو" الكندية وعمّان، إلى أن هذه الجلسة كما المشروع برمّته يهدف إلى استكشاف وإعادة إحياء مؤلفات موسيقية وصوتية واستحضار سياقها وإعادة صياغتها ضمن معطيات اللحظة الحالية، بالتركيز على دور الصوت كوسيلة للمقاومة والتواصل.
وكان الجمهور على موعد مع أغنيات لم يسمعها كثيرون أو يتعرفوا على قصصها، فمن المشاركين من اختار تقديم تعبيرات صوتية أو أغنيات تراثية من التاريخ الفلسطيني، وهناك من أعاد استخدام أصوات آنية من فلسطين وتقديمها برؤية جديدة.
وكانت البداية مع عبّود الرواجبة، السينمائي المستقل ومؤسس غرفة "عرض الكواكب"، عبر أغنية "وقفوا صفوف صفوف" للفنان الفلسطيني منعم عدوان، من كلمات إبراهيم المزين، وهي من أغنيات ألبوم "ذات مرة في فلسطين" (2005)، وتروي حكاية الشهيد موسى مصباح الحنفي مخيمر، واستشهد في 13 نيسان 1987 على أرض بيرزيت، التي كان يدرس في جامعتها، وهو من مواليد 23 حزيران 1964 لعائلة، كما أشار ملصق نعيه الصادر عن "الشبيبة الطلابية"، وقتذاك، هجرت عام النكبة من أسدود، وأنهى دراسته الثانوية في مدرسة بئر السبع بتفوق، والتحق بجامعة بيرزيت إلى أن استشهد "تضامناً مع الثورة الفلسطينية".
واللافت في حكاية الشهيد مخيمر، أنه حين أصيب في تظاهرة ضد الاحتلال برصاصة قناص قاتلة في الرأس، تم نقله من بيت إلى آخر، وتهريبه من الجيش الذي كان يبحث عن جثمانه، إلى أن بادر أحد أساتذة الجامعة، كما قيل، لترتيب عملية نقله المعقدة إلى رفح، وتم ذلك بالفعل باصطحابه من قبل شابين من رفاقه أسنداه بينهما بعد أن لفوا رقبته بالكوفية، ووضعوا نظارة شمسية على عينيه، في رحلة استمرت عشر ساعات، مدّعين أمام جنود الاحتلال في معبر بيت حانون (إيريز) أنه في حالة مرض شديد، ويجب نقله إلى أهله، وهو ما كان، حيث أخفى شبّان مخيم الشابورة جثمانه في حقل برتقال قريب لحين عودة والدته مساءً، وإجراء مراسم تشييع مهيبة.
وكشف الرواجبة، الذي تحدث عن حكاية الأغنية والشهيد موسى حنفي، أن عائلته، ومن بينهم ابن شقيقه الذي يحمل اسمه، استشهدوا في حرب الإبادة الأخيرة، ودفنوا في ملعب خلف مخيم الشابورة، مشدداً على أن هذا النوع من الأغنيات يعتمد التركيز على ما يمكن تسميته الأصوات غير الرسمية، أو الأصوات التلقائية التي بالعادة ما تحمل معاني أكبر، خاصة في السياق التحرري للقضية الفلسطينية، وتشكل جزءاً من الذاكرة والتاريخ الشعبي المقاوم للاحتلال والمحو.
المغنية والموسيقيّة سحر خليفة، وتعمل على تقديم الأغنيات "الأصيلة" في المنطقة بأنماط ورؤى جديدة، مازجة بين أكثر من تقنية موسيقية متعددة الأشكال والأصول والمراحل الزمنية، قدّمت "حيّد عن الجيشي يا غبيشي"، محوّلة إياها إلى أغنية "روك"، بعد أن سردت حكايتها المتمحورة حول عاشق ثائر ضد الاحتلال البريطاني لفلسطين.
واتكأت المهندسة المعمارية، شيراز خطّاب، فيما قدمته على عبارة للشخصية المحورية في رواية "أعراس آمنة" للروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله، مخاطبة الروائي الشهيد غسان كنفاني بأن "هل تعرف مصير الحكايات التي لا نكتبها؟ إنها تصبح ملكاً لأعدائنا"، مقدمة خليطاً من أغنيات "زفّات الأعراس الفلسطينية"، خاصة بعد تأجيل زفاف شقيقها الوحيد لأكثر من عام بسبب تداعيات حرب الإبادة، لافتة إلى أن كلمات هذه الأغنيات المرافقة للفرح تتغيّر مع الزمن، وتحمل معاني مختلفة عند تأملها في سياقات متعددة، من بينها الحروب المتواصلة منذ عقود على الشعب الفلسطيني.
واختتمت الأمسية، بمقطوعة صوتية موسيقية لعازف "الدرامز" خالد الزغول بعنوان "آيس كوفي"، وهي عبارة عن عمل تركيب صوتي بطريقة مبتكرة مستوحاة ممّا كان يبثه صانع المحتوى الفلسطيني الشاب عبّود بطاح، من شمال قطاع غزة، عبر قنواته على وسائل التواصل الاجتماعي، خلال خمسة عشر شهراً من حرب الإبادة الإسرائيلية.
0 تعليق