بعد 3 أيام من العزلة .. سكان غزة يستعيدون التواصل مع العالم - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

غزة - "شينخوا": بعد 72 ساعة من العزلة التامة، عاد الاتصال بشبكة الإنترنت إلى قطاع غزة، الليلة قبل الماضية، لتبدأ معه حكايات السكان مع تجربة الانقطاع القاسي، الذي تجاوز مجرد غياب خدمة تقنية ليجسد انقطاعاً عن العالم الخارجي في لحظة حرب ومعاناة ونزوح.
وصف محمد أبو عيطة (42 عاماً)، الذي يقطن في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، انقطاع الإنترنت بأنه كان كمن يسحب الهواء من رئتي الحياة اليومية، مشيراً إلى أن الانقطاع تسبب في فقدان الاتصال بأفراد عائلته في مناطق أخرى من القطاع، وسط تصاعد وتيرة القصف الإسرائيلي على الأحياء السكنية.
وقال أبو عيطة، "كنا نعيش في عزلة تامة، لا نعرف شيئاً عمّا يحدث في الخارج، ولا نعرف إذا ما كان أقاربنا في دير البلح وخان يونس بخير". وبيّن أنه قضى ساعات طويلة وهو يحاول تهدئة أطفاله الذين لم يستوعبوا لماذا توقفت هواتفهم عن العمل، ولماذا لم يعودوا قادرين على مشاهدة برامجهم أو محادثة أصدقائهم.
وروى أن أسوأ لحظة عاشها خلال فترة الانقطاع كانت عندما سمع دوي انفجارات ضخمة من بعيد، وشاهد أعمدة الدخان تتصاعد في الأفق، دون أن يتمكن من التحقق إذا ما كانت الغارات قد أصابت مكان سكن شقيقته.
ويشرح قائلاً، "لم يكن لدينا أي وسيلة لنعرف الحقيقة، وانتشرت الشائعات حول عدد القتلى ومواقع الغارات. كنا في ظلام معلوماتي كامل".
وبعيداً عن حي الشجاعية، وفي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، كان حسين الزويدي، وهو نازح من بيت حانون يبلغ من العمر 31 عاماً، يواجه تحدياً من نوع آخر، فالانقطاع لم يؤثر فقط على تواصله مع عائلته، بل عطّل عمله بالكامل كصانع محتوى رقمي يعمل عبر الإنترنت.
وقال الزويدي، إنه كان يضطر للسير عدة كيلومترات نحو مخيم الزوايدة على أمل العثور على نقطة اتصال مؤقتة بالإنترنت. وأضاف، "بصعوبة، ساعدني شاب بنقطة اتصال بسيطة، وتمكنت من إرسال رسالة إلى صديق في الخارج أطلب منه تزويدي بشريحة E-SIM. كان الأمر أشبه بطلب إمدادات طارئة في منطقة منكوبة"، مشيراً إلى أن الإنترنت بالنسبة له ليس ترفاً بل مصدر رزق وحبل نجاة للتواصل مع العالم الخارجي. وبالنسبة له، فإن الإنترنت يمثل الأداة الوحيدة المتبقية لجني المال لمساعدته على إعالة عائلته المكونة من 11 فرداً في ظل ظروف الحصار الطويل.
وتابع، "العديد من الشباب هنا يعتمدون على العمل الحر أو التجارة الإلكترونية. انقطاع الشبكة يعني توقف الدخل، وتفاقم الأزمة الاقتصادية الفردية".
وأدى الانقطاع الكامل في الاتصالات إلى مضاعفة مشاعر القلق والخوف لدى العائلات التي لم تتمكن من الاطمئنان على ذويها، خاصة مع تسارع وتيرة الأحداث العسكرية وانتشار أخبار متضاربة عبر وسائل الإعلام الخارجية.
وقالت نسرين البرعي، وهي أخصائية نفسية تعمل مع منظمة غير حكومية محلية في غزة، إن الانقطاع المفاجئ للاتصالات خلال فترات النزاع يسبب ضغوطاً نفسية شديدة، لا سيما لدى الأطفال والنازحين.
ولفتت نسرين إلى أن المنصات الرقمية، خاصة "فيسبوك" و"إنستغرام" و"إكس"، تعتبر بالنسبة لكثير من العائلات وسيلة للتواصل والتعبير وتخفيف العزلة.
وأضافت، "عندما يفقد السكان هذا الفضاء، تتفاقم مشاعر الخوف والانعزال، وقد تظهر آثار ذلك لاحقاً في سلوكياتهم".
وامتدت آثار الانقطاع إلى قطاع التعليم، الذي يعتمد منذ بداية الأزمة على وسائل التعليم عن بعد. وقال سامي الحجار، وهو معلم من مدينة غزة، إن انقطاع الإنترنت حال دون استكمال الدروس، وأدى إلى تأجيل بعض الامتحانات التي كانت مقررة للطلبة في المراحل التعليمية المختلفة. وأوضح أن الوضع فاقم من التحديات التي تواجه العملية التعليمية، خاصة في ظل عدم توفر بيئة آمنة لعقد الصفوف الحضورية.
ولم يسلم القطاع الاقتصادي أيضاً من تأثيرات انقطاع الاتصال، حيث اشتكى رواد أعمال محليون من تعطل أعمالهم التجارية التي تعتمد على التجارة الإلكترونية عبر المنصات الرقمية.
وقال محمد العيلة، الذي يدير متجراً إلكترونياً، إن غياب الاتصال أوقف عمليات الطلب والتوصيل، وأدى إلى تأخر المعاملات مع الزبائن خارج غزة، بما في ذلك في الضفة الغربية والخارج.
وأضاف، "العملاء ظنوا أننا نتجاهلهم، لكن في الحقيقة لم نكن قادرين حتى على فتح تطبيقات المراسلة"، مبيناً أن أي انقطاع آخر مستقبلي سيلحق ضرراً دائماً بالثقة بينه وبين شركائه التجاريين.
من جهته، قال رئيس هيئة تنظيم الاتصالات الفلسطينية ليث دراغمة، إن الانقطاع الأخير نجم عن استهداف قوات الاحتلال لكابل رئيسي للألياف الضوئية، ما أدى إلى توقف خدمات الإنترنت والهاتف الأرضي في كامل قطاع غزة. وأكد أن الفرق الفنية تمكنت من إعادة تشغيل الخدمة، لكنها لا تزال غير مستقرة بالكامل.
وشدد دراغمة على أهمية حماية البنية التحتية للاتصالات من الاستهداف، داعياً إلى تدخل دولي لضمان استمرار الخدمة. وقال، إن "الاتصالات في زمن الحرب ليست رفاهية. هي وسيلة لضمان سلامة الأرواح وتنسيق الإغاثة الإنسانية، وهي حق إنساني يجب حمايته بموجب القانون الدولي". ومع عودة الإنترنت، عاد شيء من الأمل إلى سكان القطاع. إذ عاد الأطفال إلى هواتفهم، والشباب إلى مشاريعهم الرقمية، كما عادت العائلات إلى الاطمئنان على مَن تبقى من أحبائها.
وقالت سميحة أبو عايش من مدينة غزة، إن المخاوف تبقى من انقطاع جديد، في منطقة يربض فيها القلق في كل ركن، ويصبح فيها الاتصال حقاً يُنتزع لا يُمنح.

 

0 تعليق