في عالم يدّعي المساواة والعدالة، تكشف الممارسات اليومية عن وجوه مختلفة للعنصرية والتمييز العرقي في مجتمعاتنا العربية، حيث تتسرب هذه الظاهرة إلى أدق تفاصيل الحياة الاجتماعية والمهنية، غالبا دون وعي.
سلطت حلقة (2025/8/22) من برنامج "خيال أم جد؟" الضوء على هذه القضية الحساسة من خلال مشاهد متنوعة تعكس الواقع المُعاش، حيث كشفت كيف تتجلى العنصرية في أشكال مختلفة، بدءا من المسابقات التلفزيونية وصولاً إلى أماكن العمل والإنتاج الفني.
تبدأ القصة في أستوديو مسابقة تلفزيونية، حيث يُطلب من متسابق اختيار شخص قادر على "القفز من وإلى أي ارتفاع".
في هذه اللحظة تظهر بوضوح آليات التنميط العرقي، فالمتسابق يربط تلقائيا بين اللون والقدرة الجسدية، مما يثير اعتراضات المشاركين الذين يشعرون بالإهانة من هذا التصنيف المُسبق.
لا تقف المفارقات عند هذا الحد، بل ينتقل البرنامج إلى عالم الإنتاج السينمائي، حيث يقترح المنتج "شرنوبي" إنتاج فيلم عن العنصرية للمشاركة في المهرجانات العالمية.
غير أن النقاش حول الفيلم نفسه يكشف عن ممارسات عنصرية خفية من قِبل صانعيه.
وفي مشهد آخر، تنتقل الكاميرا إلى مكتب رئيس تحرير إحدى الصحف، حيث يرفض نشر تحقيق صحفي حول وجود العنصرية في المجتمع، مدّعيا عدم وجود مثل هذه الظاهرة أساسا.
الأكثر لفتا للانتباه هو الطريقة التي يتعامل بها رئيس التحرير مع مرؤوسيه، حيث يظهر تحيزا واضحا عند اختيار الصحفي المناسب لكتابة التحقيق الجديد.
فيُستبعد الصحفي السوداني "إدريس" بحجة ضيق الوقت، في حين يُرفض المغربي "علي" بدعوى أن "الفرنسية عنده أحسن من العربية"، كما تُستبعد اللبنانية "جمانة" لأنها "لا تنفع" للموضوع المطلوب.
عنصرية الضحايا
من ناحية أخرى، يكشف البرنامج عن ظاهرة مثيرة للاهتمام، وهي ممارسة الضحايا أنفسهم للعنصرية ضد فئات أخرى.
ففي مشهد من الكافتيريا، نرى العامل "أكبر" وهو يتعرض للتنمر من زملائه، لكنه بدوره يمارس السلوك نفسه ضد زميل آخر، هذا المشهد يُظهر بوضوح كيف تتسرب هذه الأفكار عبر طبقات المجتمع المختلفة.
إعلان
وعلى الصعيد العلمي، يقدم البرنامج تحليلاً مستندا إلى آراء علماء النفس الذين يُرجعون هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، من بينها التنشئة الاجتماعية منذ الطفولة، والميل الطبيعي للتحيز لمن يشبهوننا، بالإضافة إلى البحث عن كبش فداء عند الشعور بالإحباط والغضب.
إضافة إلى ذلك، يسلط الضوء على دور الخوف من المجهول في تغذية المشاعر العنصرية، حيث نميل إلى التحيز ضد من لا نعرف عنهم الكثير أو من يختلفون عنا ثقافيا أو شكليا.
وفي السياق الإقليمي، يتطرق البرنامج إلى ظاهرة فريدة في المنطقة العربية، خاصة في السودان، حيث يوجد نظام تصنيف لوني معقد يقسم الناس حسب درجات السمرة.
ويمتد هذا التصنيف من "الأحمراني" للأشخاص ذوي البشرة الفاتحة إلى "الأزرقاني" لشديدي السواد، مما يخلق تراتبية اجتماعية مبنية على اللون.
0 تعليق