رام الله- مبكرا بدأت قرية المغيّر الفلسطينية شمال شرقي مدينة رام الله وسط الضفة الغربية معركتها مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ كانت أول قرية في الضفة تخضع لحظر التجول بسبب مقاومتها الاحتلال، وكان ذلك عام 1968 وبواسطة طائرة مروحية نظرا لوعورة الطرق وعدم تمكن الآليات العسكرية الإسرائيلية من اقتحامها.
في ذلك الوقت هدم الاحتلال 5 منازل في القرية، وحتى اليوم ما زال الحساب مفتوحا معها، وما زالت هدفا للاحتلال الذي قضم أراضيها تدريجيا وللمستوطنين الذين صعّدوا استهدافها بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وفق رئيس مجلسها المحلي أمين أبو عليا في حديثه للجزيرة نت قبيل اعتقاله مساء اليوم السبت.
أحدث حلقات مسلسل الاستهداف بدأت أول أمس الخميس باقتحام مفاجئ رافقه حظر للتجول ما زال مستمرا واقتحام البيوت وتخريب محتوياتها، مع اعتقالات طالت ذوي أحد الشهداء ومصادرة مئات الدونمات من الأراضي وإبادة جماعية لآلاف الأشجار المثمرة.
ويربط المسؤول والخبير في قضايا الاستيطان بين ما يجري في القرية وحرب الإبادة في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وما يجري شمالي الضفة منذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي من تشريد بهدف ترحيل السكان.

أحدث التطورات
وقال أبو عليا للجزيرة نت إن القرية البالغ عدد سكانها نحو 4 آلاف نسمة ما زالت تخضع لحظر التجول والحصار التام لليوم الثالث على التوالي.
وأضاف أن السكان فوجئوا بنحو 18 آلية بين جرافة وآلة حفر عسكرية تقتحم أراضيهم الزراعية بالتزامن مع حظر التجول، وتدمر دون مبرر ودون سابق إنذار مسبق آلاف أشجار الزيتون عمر بعضها مئات السنين "وسط حضور وشماتة من قادة المستوطنين، بينهم عضو الكنيست آفي سكوت".
وذكر أن جيش الاحتلال أصدر 3 إخطارات مصادرة للأراضي في غضون 3 أشهر استهدفت نحو 1900 دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) لأغراض عسكرية واستيطانية.
إعلان
وأشار أبو عليا إلى أن جنود الاحتلال والمستوطنين قتلوا 6 من سكان القرية وجرحوا 250 منذ بدء حرب الإبادة، إضافة إلى اعتقال العشرات، ما زال 70 منهم قيد الاعتقال.
وبرأي رئيس المجلس، فإن ما يجري لا يمكن فصله عن حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال في غزة ومخيمات شمالي الضفة، وفيه "رسالة موجهة لكل قرى الضفة الغربية بأن ثمن رفض الاحتلال سيكون باهظا".
وأشار إلى أن مستوطنا قُتل منذ أيام بعد انقلاب مركبته قرب القرية، وقبل إجراء أي تحقيق أو تدقيق انتشرت الإشاعة وبدأ التحريض ضد القرية، ثم جاءت الإجراءات الانتقامية وأُغلقت الشوارع واُقتلعت الأشجار.
وأول أمس الخميس، ادعى جيش الاحتلال أن فلسطينيا أطلق النار على مستوطنين إسرائيليين قرب البؤرة الاستيطانية عدي عاد القريبة من قرية المغيّر، وأصاب مستوطنا بجروح طفيفة.
وقبل ذلك في 16 أغسطس/آب الجاري أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد الشاب حمدان موسى محمد أبو عليا (18 عاما) برصاص الاحتلال خلال اقتحام القرية.
وأشار أبو عليا إلى أن مداهمة المنازل في القرية طالت عائلات وأقارب الشهيد أبو عليا، بينهم والده وشقيقتاه، وما زال 3 من أقاربه رهن الاعتقال، إضافة إلى 3 مواطنين آخرين من القرية.
ما قبل أكتوبر 2023
يعود بنا رئيس المجلس المحلي إلى ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث كانت القرية عرضة لاستهداف المستوطنين بحكم جغرافيتها ورفض أهلها المشاريع الاستيطانية "لكن الهجمة اليوم أكثر شراسة وخطورة نظرا لتقوية شوكة المستوطنين"، معبرا عن خشيته من "اعتداء مسلح وارتكاب مجزرة جديدة لترحيل سكان القرية، وهو هدفهم المعلن".
وذكّر بهجوم نحو 1500 مستوطن على القرية في أبريل/نيسان 2024، حيث "استشهد مواطن وأصيب 75 وأُحرقت عشرات المنازل والممتلكات"، مشيرا إلى محاصرة القرية من كافة الجهات بمستوطنات "كوكب الصباح" و"شيلو" و"عادي عاد" و9 بؤر استيطانية رعوية كلها مقامة على أراضي القرية.
وأعرب أبو عليا عن ثقته بثبات وصمود سكان القرية، موضحا أنهم رفضوا مغادرتها، بل إن الذين تقطعت بهم السبل خارجها نتيجة فرض حظر التجول عادوا إليها ليلا وعبر الجبال.
ويشير رئيس المجلس إلى اعتماد نحو 80% من سكان القرية على الزراعة والثروة الحيوانية قبل قضم ومصادرة أراضيها، لكن أقل من 30% منهم يعتمدون عليها اليوم "فمساحة القرية قبل احتلال الضفة كانت تُقدّر بنحو 43 ألف دونم، لكنها اليوم لا تتجاوز 980 دونما، من بينها 250 دونما مساحة الشوارع".
وبعد وقت قصير من حديثه للجزيرة نت ظهر أبو عليا في مقطع فيديو يقول فيه إنه سيسلّم نفسه إلى الجيش بعد مداهمة منزله بهدف اعتقاله، حيث لم يكن موجودا فيه.

عقاب جماعي
بدوره، يتفق مدير مديرية وسط الضفة في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية صلاح الخواجا مع أبو عليا في تقديره بأنه لا يمكن فصل بين ما يجري في المغيّر عما يجري شمالي الضفة وغزة ضد "أي شكل من أشكال مقاومة ومكافحة الاحتلال والاستيطان".
إعلان
وقال الخواجا في حديثه للجزيرة نت إن القرار العسكري بمصادرة الأراضي واقتلاع الأشجار "جزء من سياسة عدوانية انتقامية طالت الإنسان والشجر، فضلا عن عمليات التعذيب والتفتيش والسرقة وحرق المركبات ومنع التجول التي ترافق العملية العسكرية كجزء من العقاب الجماعي، اعتقادا من الجيش والمستوطنين بأن هذه طريقة للإذلال وقتل الروح المعنوية المناضلة والمكافحة لدى الناس".
لكن، لماذا المغيّر؟ ولماذا أشجار الزيتون بالذات؟ يجيب الخواجا "المغيّر من قرى البوابة الشرقية للضفة وتمتد أراضيها حتى الأغوار شرقا حيث تتعرض التجمعات الفلسطينية لهجمات المستوطنين وعمليات تدمير وتهجير لتفريغها من الوجود الفلسطيني والمزارعين".
استسهال الدم الفلسطيني
وبرأي الخواجا، فإن التصعيد ضد قرية المغيّر يأتي أيضا لكونها تشكل نموذجا كفاحيا للتصدي للبؤر الاستعمارية والاستيطانية خلال العقود الماضية ومنذ الانتفاضة الأولى عام 1987 "ولذلك لم تتوقف الاعتداءات وطالت الأشجار كجزء من العقاب للفلاحين والمزارعين باعتبارها مصدر دخل رئيسيا لهم، لعزلهم ومحاربة مقدراتهم وثروتهم الحيوانية".
وأضاف أن هيئة الجدار تقدم ما يعزز صمود السكان وفق الإمكانيات المتاحة، مشيرا إلى التعاون مع منظمات دولية ومحلية ورجال أعمال والمجتمع المحلي في توفير الحد الأدنى من الاحتياجات كالمساكن والمياه كما حصل بعد هجوم العام الماضي.
وشدد على أن ما يقوم به المستوطنون في الضفة واستسهال الدم الفلسطيني يتم بتواطؤ مع الحكومة الإسرائيلية التي توفر الدعم القانوني والمالي السياسي والعسكري لهم، حيث تم تسليح 97 ألف إسرائيلي بسلاح أميركي، بينهم آلاف المستوطنين "كنا نرى المستوطنين يهاجمون التجمعات بالهراوات والحجارة، واليوم في معظم المناطق يحمل كل منهم قطعة سلاح وربما أكثر".
ويشير الخواجا إلى أن معطيات الهيئة تفيد باستشهاد 33 مواطنا برصاص المستوطنين وتهجير 33 تجمعا بشكل كامل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
0 تعليق