تخيّل أنك تنتظر في صالة المطار منذ 5 ساعات، رحلتك معلّقة، والموظف المسؤول يكتفي بعبارات اعتذار منمّقة. هل تعلم أن القانون يمنحك تعويضًا عن هذا التأخير؟ أو إذا تلفت أمتعتك أو فُقدت؟
لكن لماذا يعرف المسافر الغربي حقوقه جيدا، في حين يتردد المسافر العربي في المطالبة بها أو لا يعلم ما حقوقه؟ وكيف يطالب بها؟
متى يحق لك طلب التعويض؟
• تأخر الرحلات الجوية: إذا تأخرت الرحلة لمدة محددة، وهي 3 ساعات فأكثر، قد يحق للمسافر طلب تعويض مالي أو مقابل آخر.

• تأخر الأمتعة أو فقدانها أو تلفها: يشمل ذلك الأمتعة المسجلة والمحمولة مع الراكب إذا ثبت مسؤولية شركة الطيران عما وقع.
• منع الصعود إلى الطائرة: يحدث عادة في حالات الحجز الزائد (Overbooking) حتى لو كان لديك حجز مؤكد، وفي هذه الحالة يتم منح بعض الركاب رحلة ثانية بدرجة أعلى أو مزايا أخرى.
ويقصد بالحجز الزائد عندما تصدر شركة الطيران تذاكر سفر أكثر من الطاقة الاستيعابية للطائرة بذريعة احتمال تخلف بعض الركاب عن رحلتهم، ويحدث أحيانا حضور جميع الركاب لرحلتهم وبالتالي يظل البعض دون مقاعد.
• إضراب موظفي شركات الطيران أو المطارات: في بعض القوانين، مثل قرار محكمة العدل الأوروبية الصادر في مارس/آذار 2021، الذي لا يعتبر الإضراب "ظرفا استثنائيا أو قهريا" وبالتالي تلزم الشركة بدفع التعويض إذا تسبب في تأخير أو إلغاء الرحلة.
علمًا بأن قيمة التعويض وشكله تختلف من دولة لأخرى، وتعتمد على القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية، إضافةً إلى ظروف كل حالة.
كيف تُثبت حقك في تعويض؟
عند المطالبة بحقك في التعويض -إذا كنت مستحقًا له- يجب عليك أن تقوم بهذه الخطوات:
1- اطلع عن القوانين المحلية ذات الصلة: تختلف القوانين واللوائح المتعلقة بحقوق المسافرين من بلد إلى آخر، لذلك من المهم أن تتأكد من القوانين المعمول بها في بلد المغادرة أو بلد الوصول. وإذا لم تجد هذه المعلومات على شبكة الإنترنت، يمكنك التواصل مباشرة مع هيئة الطيران المدني بالدولة التي حدثت فيها المشكلة أثناء سفرك، عبر أرقام الهواتف المخصصة لذلك أو البريد الإلكتروني الرسمي، لطلب المساعدة وتوضيح حقوقك.
إعلان
2- قدّم طلبك لشركة الطيران: اتجه مباشرة لشركة الطيران المشغّلة للرحلة المتأخرة أو الملغاة، وقدّم طلب تعويض رسمي من خلال الموقع أو مكتب خدمة العملاء.

3- احتفظ بالمستندات والإثباتات اللازمة: احتفظ بتذكرة الطيران، ورسالة تأكيد الحجز (على البريد الإلكتروني أو الهاتف) وبطاقة صعود الطائرة (Boarding pass) ولا تنسَ حفظ أي رسائل أو بريد إلكتروني من الشركة يثبت تغيير أو إلغاء الرحلة، والتقط صورة واضحة للوحة معلومات الرحلة في المطار كدليل إضافي.
4- احفظ إيصالات نفقاتك: إذا اضطرت إلى شراء وجبة، أو دفع وسيلة مواصلات بديلة (تاكسي/قطار) احتفظ بالإيصالات لتقديمها عند طلب التعويض.
5- قم بإثبات حالة الأمتعة: صور حقائبك قبل السفر، وميّزها بعلامة شخصية أو بطاقة عليها اسمك، فهذه الخطوة مهمة لو تأخرت حقائبك أو ضاعت أو تعرضت للتلف.
6- تواصل مع شركات متخصصة بتحصيل التعويضات: في حالة صعوبة متابعة طلب التعويض بنفسك أو مماطلة شركات الطيران، استعن بشركات عالمية متخصصة مثل "إير هيلب" AirHelp أو "ماي فلاي رايت" MYFLYRIGHT والتي تتولى تقديم المطالبة نيابة عنك مقابل نسبة تعويض عند حصولك عليه.
5- استعن بوسائل التواصل الاجتماعي: أحيانا يساعد النشر على منصات مثل إكس وفيسبوك وإنستغرام على تسريع الاستجابة لمطالبك، لأن شركات الطيران حريصة على صورتها العامة.

6- التزم بالمدة القانونية: يجب أن تقدم طلب التعويض خلال وقت محدد يختلف حسب الدولة، ذلك أن تأخير تقديم الطلب قد يضيّع حقك حتى لو كنت مؤهلا للتعويض وتحمل كافة المستندات اللازمة.
وقد يمر أي مسافر بمثل هذه المواقف غير السارة، لكن الإجراءات التي تتبعها للمطالبة بالتعويض ليست مجرد روتين شكلي بل هي حقوق مضمونة في قوانين واتفاقيات دولية واضحة، ويختلف تطبيقها من منطقة إلى أخرى.
ولضمان فهم الصورة الكاملة، سنعرض باختصار أبرز هذه القوانين وكيف تحدد التعويض المستحق للمسافر.
القوانين الدولية لحقوق المسافرين
التشريعات الأوروبية
بدأت فكرة التعويضات للمسافرين بدول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، المعروف باللائحة الأوروبية (EC261/2004) التي فرضت على شركات الطيران التزامات واضحة بمبالغ ثابتة عند التأخير أو الإلغاء، بالإضافة لتقديم خدمات مثل الطعام أو الإقامة حسب المسافة والمدة.
وينص القانون على تعويضات تتراوح بين 250 و600 يورو، وتحدد وفق مسافة الرحلة وفترة التأخير، ويُلزم الشركات بتغطية تكاليف الإقامة والنقل في حالات الضرورة.

التشريعات الأميركية
يوجد إطار موحد للتعويضات، إذ تترك القوانين الفدرالية الأمر لسياسات شركات الطيران نفسها، وتختلف التعويضات بشكل كبير بين شركة وأخرى، وغالبا لا توجد مبالغ ثابتة أو التزام قانوني شامل كما هو الحال في أوروبا.
المملكة المتحدة
بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تم اعتماد نسخة محلية من القانون الأوروبي، ويحق من خلاله تعويضات للركاب ما بين 110 و520 جنيها إسترلينيا (701 دولار) والطعام والإقامة، وفي بعض الحالات رد كامل لثمن التذكرة أو بديل عن الرحلة.
إعلان
اتفاقية مونتريال الدولية
هناك تشريعات محلية مُطبقة في كندا والبرازيل والصين وتركيا والهند والمكسيك. أما باقي دول العالم، فالمعيار الأساسي الذي يحكم تعويضات المسافرين هو الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية مونتريال عام 1999 التي دخلت حيز التنفيذ عام 2003، بهدف تحديد مسؤوليات شركات الطيران تجاه الركاب والأمتعة عبر الحدود بشكل عادل.
وتُطبق اتفاقية "مونتريال 99" لكل الرحلات الدولية بين أكثر من 140 دولة اعتمدتها، وأصبحت بذلك الإطار القانوني الدولي الأوسع انتشارًا حاليًا في العالم.
الدول العربية
أطلقت الهيئة العامة للطيران المدني بالسعودية تنظيمات جديدة اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تُعد من الأكثر صرامة في العالم العربي، وخصصت هذه التنظيمات خطوطا وقنوات اتصال سريعة لمساعدة المسافرين، ويمنح الركاب بالمملكة حقوق واضحة في حالات التأخير أو الإلغاء أو فقدان الأمتعة.
وعلى سبيل المثال: يمكن للراكب إلغاء الرحلة أو الحصول على تعويض يصل إلى 200% من قيمة التذكرة عند التأخير الطويل، في حين تبدأ التعويضات عن الحقائب المتأخرة من 740 ريالا (197 دولارا) لأول يوم.
وقد دفعت شركات الطيران السعودية للمسافرين خلال عامي 2021 و2022 تعويضات تجاوزت 58 مليون ريال (15.4 مليون دولار).

أما في سلطنة عُمان، فقد أصدرت هيئة الطيران المدني أيضًا لوائح واضحة لحماية حقوق الركاب دخلت حيز التنفيذ عام 2023، وتُطبق على الرحلات المحلية والدولية. وتشمل هذه الحقوق تقديم وجبات ومأوى عند تأخر الرحلات، إضافة إلى تعويضات حسب مسافة الرحلة.
وأما في حالة الأمتعة المتأخرة أو التالفة فيُمنح الراكب تعويضا يصل في أقصاه 676 ريالا عمانيا (1756 دولارا) للقطعة، إضافة إلى بدل يومي مقابل فترة التأخير.
وفي قطر، يوجد قسم لحقوق المسافرين لدى الهيئة العامة الوطنية للطيران المدني، ويذكر الموقع الإلكتروني أنه من بين اختصاصات قسم حقوق المسافرين "التأكد من امتثال شركات الطيران العاملة بالدولة للتشريعات الوطنية والدولية واجبة التطبيق، المتعلقة بحدود مسؤولية الناقل الجوي وحقوق المسافرين جواً وتعويضاتهم".
كما تتولى الهيئة القطرية العامة للطيران المدني "تلقي ودراسة شكاوى المسافرين على شركات الطيران العاملة بالدولة، وإعداد التوصيات المناسبة لحماية حقوق المسافرين جواً وفقاً للمعاهدات والقوانين واللوائح المطبقة، بالتنسيق مع الجهات المعنية في هذا الشأن".
وتعد البحرين من الدول العربية التي وضعت تشريعات تنظيمية لتنظيم حقوق المسافر من خلال قانون الطيران المدني الصادر عام 2013، واللوائح التنفيذية الملحقة به. ويفرض هذان الإطاران تعويضات للمسافرين في حالات الإلغاء، التأخير، أو تغيير مواعيد الرحلات، مع التزامات واضحة من شركات الطيران بتحمل تكلفة الرعاية أو إعادة الترتيب للرحلة.
وأما الإمارات، فتطبق أحكام قانون المعاملات التجارية الاتحادي الصادر عام 2022، مما يمنح المسافرين إطارًا قانونيًا للتعويض في حال ضياع أو تلف الأمتعة، بحد أقصى يصل إلى 500 درهم (136 دولارا) للكيلوغرام الواحد.
ويُمكّن القانون الركاب من رفع دعاوى ضد شركة الطيران أمام عدة محاكم: محكمة الوصول أو المغادرة، أو المحكمة التي يقع فيها المقر الرئيسي للشركة، أو المحكمة المذكورة في مقر عقد السفر (تذكرة الطيران).
وفي الكويت، تتبع شركة النقل الجوي المحلية قانون الاتحاد الأوروبي لسنة 2004 حسب الموقع الإلكتروني الخطوط الكويتية، والذي يذكر خطوات التقدم بطلب التعويض والحالات المستحقة له.
إعلان
وأما مصر، فيخضع فيها شركة "مصر للطيران" للاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية مونتريال التي تُتيح إطارا قانونيًا واضحا لتعويض الركاب، لكن التطبيق العملي لا يزال متباينًا، فيُعامَل بعض المسافرين بجدية، بينما كثيرون يواجهون تأخيرا أو إهمالا في معالجة مطالباتهم.
الدول المغاربية
منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2003، يطبق المغرب أحكام اتفاقية مونتريال، مع سعي رسمي لمواءمة قوانين حماية الركاب مع معايير الاتحاد الأوروبي التي تنص على تقديم وجبة مجانية بعد تأخير ساعتين، وتعويض قد يصل إلى 600 يورو أو تذكرة بديلة عند تأخير يتجاوز 3 ساعات.
ويلزم القانون في الجزائر الناقل الجوي بتقديم تعويض وتشغيل رحلات بديلة خلال 8 أيام بنفس سعر التذكرة أو بظروف مشابهة. وتحدد قيمة التعويض الإجباري بـ3 آلاف دينار جزائري (23 دولارا) للرحلات الداخلية، و5 آلاف دينار (38.4 دولارا) للرحلات الدولية.
وقد ظهر تطبيق لهذا النظام حين أعلنت الخطوط الجزائرية عن تعويض أكثر من 213 ألف تذكرة غير مستخدمة خلال جائحة كورونا، بقيمة تجاوزت ملياري دينار (15.4 مليون دولار).

أما في تونس، فلا يوجد حتى الآن قانون لحماية حقوق الركاب، مما يجعل معظم المطالبات تُدار وفق اتفاقية مونتريال، أو عبر القضاء الأوروبي في حال حدوث أضرار خلال الرحلات في المطارات الأوروبية.
لماذا ثقافة طلب التعويض ضعيفة عربيا؟
إن ضعف ثقافة التعويض في العالم العربي مقارنة بما يجري في الغرب ليس نابعا من سبب واحد لكنه نتيجة تداخل عدة عوامل:
1- الجذور التاريخية للتشريعات: في أوروبا وأميركا تطورت أنظمة التعويض منذ عقود وصار لها لوائح واضحة، وفي المنطقة العربية تعتبر أغلب التشريعات ذات الصلة بحقوق المسافرين جوا حديثة أو عامة.
2- وعي المستهلك وثقافة المطالبة: في الغرب ساعدت الجمعيات والمحامون والشركات المتخصصة في ترسيخ فكرة أن المطالبة بتعويض من شركات الطيران أمر طبيعي، بينما كثير من المسافرين العرب لا يعرفون حقوقهم وطريقة طلبها، أو يظنون أن الإجراءات معقدة ولا طائل من ورائها.

3- قوة الرقابة وصرامة القوانين: الجهات الرقابية الغربية تفرض غرامات واضحة وتلزم شركات الطيران، بينما الرقابة العربية متفاوتة في فرض سطوتها من دولة لأخرى، فيبقى تنفيذ التعويض رهينا بمسار قانوني طويل.
4- طبيعة الطلب على السفر: في أوروبا وأميركا الطيران الداخلي والرحلات القصيرة منتشرة بكثافة، مما يجعل التعويضات ظاهرة شبه يومية، بينما في العالم العربي أغلب الرحلات إقليمية أو طويلة وعدد الحالات أقل، وبالتالي الضغط الشعبي والرقابي أضعف.
5- الفروق الثقافية: في بعض المجتمعات العربية تُفهم المطالبة كتصعيد، فيميل المسافر إلى التنازل أو الاكتفاء بالاعتذار، حتى لو كان القانون في صفه.
0 تعليق