أفضل فيلم رعب لعام 2025.. "أسلحة" يكشف وجها جديدا للخوف - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يختلف الرعب النفسي عن التقليدي في جوهره وأدواته، فبينما يعتمد الرعب التقليدي على الخطر الخارجي المرئي مثل الوحوش أو الأشباح أو القتلة المتسلسلين، ويستند إلى مشاهد دماء ومؤثرات خاصة وقفزات مفاجئة لبث الذعر، فإن الرعب النفسي يستمد قوته من الداخل، من العقل البشري وما يحمله من هواجس وصدمات ومخاوف دفينة.

وفي هذا النوع من الرعب يتصاعد التوتر ببطء ليخلق جواً خانقاً يجعل المشاهد يشك في الواقع مثلما فعل ستانلي كوبريك في فيلم "البريق" 1980 (The Shining) أو رومان بولانسكي في "طفل روزماري" (Rosemary’s Baby)، أو كما قدّم دارين أرونوفسكي في "البجعة السوداء" 2010 (Black Swan)، وآري أستر في فيلم "وراثي" 2018 (Hereditary)، حيث يتحول الجنون والذنب والعزلة إلى وحوش داخلية. أما في الرعب التقليدي، فيبرز مخرجون مثل ويس كريفن في "كابوس في شارع إلم" (A Nightmare on Elm Street)، أو جيمس وان في "الشعوذة" 2013 (The Conjuring)، أو شون إس. كننغهام في "الجمعة 13" 1980 (Friday the 13th)، حيث يركّزون على الإثارة السريعة، والمطاردة، ونجاة الأبطال من تهديد خارجي ملموس، ما يجعل الخوف مرتبطاً بما يطاردك في الظلام.

وتشهد السنوات الأخيرة تحولا ملحوظا، إذ أخذ الرعب النفسي موقع الصدارة في السينما العالمية، متقدماً على الرعب التقليدي الذي ظل عقودا عدة الأكثر شعبية، ولعل أحدث الأفلام التي أنتجت في هذا السياق فيلم "أسلحة" (Weapons)، الذي بدأ عرضه في 8 أغسطس/آب الجاري، وهو للمخرج والكاتب زاك كريغر، المعروف بإخراجه فيلم الرعب "بربري" (Barbarian) عام 2022. تولى كريغر في هذا الفيلم كتابة السيناريو والإخراج والإنتاج والموسيقى، ما يعكس رؤية إبداعية موحدة وقوية.

تدور أحداث "أسلحة" في بيئة مدرسية هادئة تتعرض لخلل مفاجئ، ويستخدم كريغر بنية سردية متعددة الأصوات، تشبه في تأثيرها أفلام مثل "ماغنوليا" 1999 (Magnolia)، للمخرج بول توماس أندرسون، أو "شورت كاتس" 1993 (Short Cuts)، للمخرج روبرت ألتمان، لكن بعدسة رعب صوتي.

الملصق الدعائي لفيلم الرعب "بربري" (Barbarian) (الجزيرة)

بلدة منكوبة

وتدور الأحداث في بلدة "ماي بروك"، حيث يختفي 17 طفلًا من مدرسة ابتدائية في الساعة الثانية وسبع عشرة دقيقة من الليلة نفسها، إثر مغادرتهم منازلهم بطريقة غير مفهومة، بينما يبقى الطالب الوحيد "أليكس ليلي" في مكانه. يتخذ السرد في الفيلم شكلا مميزا، إذ قُسّم إلى فصول، يعرض كل منها منظورًا مختلفًا لواحد من أبطاله، وتظهر أحداث القصة في ست شخصيات، هي المعلمة جوستين (جوليا غارنر)، والأب الحزين آرتشر (غوش برولين)، والضابط بول المضطرب (ألدن إيرينرايش)، ومدير المدرسة ماركوس (بينيديكت وونغ)، والمنعزل مدمن المخدرات جيمس (أوستن أبرامز)، والناجي الوحيد أليكس (كاري كريستوفر).

إعلان

لا تكمن قوة فيلم "أسلحة" في سرده المقلق فحسب، بل في الأداء المهيمن من طاقم التمثيل، بدءا من جوليا غارنر، التي تُجسّد شخصية جوستين غاندي، المدرسة التي تنهار حياتها بعد اختفاء طلابها، والتي تُقدّم أداءً آسرًا، يجمع بين الهشاشة والشدة، مما يجعل شخصيتها إنسانية بامتياز ومحورا عاطفيا حيويا.

في المقابل، يجسد جوش برولين شخصية آرتشر غراف، ذلك الأب الحزين الذي يغرقه بحثه عن إجابات، ويضفي حضوره الهادئ على الفيلم ثقلا عاطفيا، ويجسد الخسارة، والغضب، واليأس ببراعة، وقوة. ولعل الأداء الأكثر إثارة هو أداء إيمي ماديغان في دور العمة غلاديس، ومزجها المُرعب من التهديد والفكاهة الغريبة، وهو أداء يوازن بين الحس المسرحي والرعب الحقيقي.

ويُعمّق طاقم الممثلين المساعدين سرد الفيلم متعدد الطبقات. يؤدي ألدن إيرينرايش دور الضابط بول مورغان، الرجل الممزق بين واجبه وشياطينه الشخصية، بينما يجسد بنديكت وونغ شخصية ماركوس، مدير المدرسة الذي تتآكل سلطته في ظل الفوضى المتصاعدة. ويقدم كاري كريستوفر، في دور الطالب الناجي الوحيد أليكس ليلي، أداءً أصيلا ومخيفا يتردد صداه طويلا بعد انتهاء الفيلم، مضيفا البراءة والرعب على حد سواء. تضفي الأدوار الإضافية طابعاً مميزاً وتقلباً في الأحداث. يؤدي أوستن أبرامز دور جيمس، الغريب المضطرب الذي تزيد تقلباته من حدة التوتر، بينما يقدم توبي هاس حضورا مألوفا، ولكنه مقلق يصدم المشاهدين في اللحظات المناسبة تماماً.

أحداث غير مؤكدة ومشاعر حقيقية

يكشف البناء الدقيق للفيلم تدريجيًا عن طبقات من اللغز الرئيسي، ويخطو للإجابة عن سؤاله الأهم، وهو لماذا اختفى هؤلاء الأطفال في الوعد نفسه وفي البلدة نفسها؟ تتداخل كل وجهة نظر وتعيد صياغة نفس الأحداث بشكل مختلف. يقدم صانع العمل رواة ليسوا أهلا للثقة، ويدمج عمدًا تناقضات الحبكة، ليعكس الإدراك الذاتي بدلاً من فكرة التحريف أو الكذب أو التزييف، لينتج عن هذا الحكي نسيج مجتزأ ومؤثر عاطفيًا بدلاً من الحل، ولكن في جوهر هذا النسيج حزن شخصي عميق لكل منهم.

يقدم المخرج أجواء بلدة "ماي بروك" بألوان هادئة، ولقطات طويلة ومتقطعة، ومشاهد تُعزز الشعور بعدم الارتياح ببساطة، وتُنشئ الكاميرا عالمًا يُضخّم فيه الفراغ البصري الرعب، ويُعزز المونتاج ذلك التوتر وأجمل ما فيه هو تجنب مفاجآت الرعب العابرة الرخيصة، واستخدام التوتر البطيء المتصاعد خلال فترات صمت مدروسة.

يتميّز تصميم الصوت بتعدد طبقاته، فهناك ضوضاء مُحيطة مُخيفة، وأوتار مُتنافرة، وترددات مُزعجة، وتشويش يعزز الشعور بعدم الارتياح، وعلى الرغم من لحظات الفكاهة القصيرة والمربكة، والتي غالبا ما تكون مزعجة وسط أجواء الرعب والتوتر، يُوازن كريغر بين الرعب ولوحة ألوان عاطفية غير مُتوقعة.

"أسلحة" هو تجربة سينمائية جريئة تجمع بين بريق الرعب، سحر الغموض، وعمق الواقع النفسي. قد لا يشبع المتعطشين للرعب الدموي أو النهاية الكاملة الوضوح، لكنه يطرح قصةً قابلة للتأويل، ويُظهِر أن الرعب العميق ينبع من نفوسنا. أما زاك كريغر، فيقدم خطوة إبداعية جريئة في مسيرته، وفيلم "أسلحة" بلا شك هو أحد أبرز أفلام الرعب لعام 2025، يجمع بين الأداء المؤثر، الأسلوب البصري القوي، وجرعة معقولة من الخوف والدعابة، ما يجعله يستحق التجربة على الشاشة الكبيرة.

إعلان

0 تعليق