كتب محمد الجمل:
تواصل "الأيام" رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وتوثّق استمرار الجرائم الإسرائيلية، خاصة في مناطق شمال وجنوب القطاع، ومن بين المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد يوثّق تدمير مئات المباني جنوب مدينة غزة، ومشهد آخر بعنوان "معضلات النزوح"، ومشهد ثالث يُسلط الضوء على تفاقم مشكلة نقص الأدوية في القطاع.
تدمير مئات المباني جنوب مدينة غزة
يواصل جيش الاحتلال تعميق عملياته البرية في مناطق جنوب مدينة غزة، للأسبوع الثالث على التوالي، مع تصاعد عمليات تدمير المنازل بشتى الطرق.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن جيش الاحتلال أحكم سيطرته بشكل كامل على حي الزيتون، بينما تتقدم دباباته ببطء باتجاه حي الصبرة، وسط قصف مدفعي وجوي، وعمليات نسف للمنازل على مدار الساعة.
وأكد المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، أن احتلال مدينة غزة وإخراج المنظومة الصحية عن الخدمة يعنيان تهديد مليون مواطن بالقتل إما قصفاً أو جوعاً، أو نتيجة الضغط النفسي.
وأوضح أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على حيَّي الزيتون والصبرة، وجباليا البلد والنزلة، مؤشر على بدء العملية العسكرية في مدينة غزة، خاصة أن كافة المناطق المحيطة بالمدينة تتعرّض لتوغّل وقصف مدفعي وجوي كثيف، وسط نزوح قسري للمواطنين.
وأشار بصل إلى أن الاحتلال يُنفذ يومياً عمليات تدمير لمربعات سكنية كاملة، ويهدف إلى تفريغ غزة من سكانها، وأنه منذ الحادي عشر من آب الجاري دمّر نحو 700 منزل وبناية في حيَّي الزيتون والصبرة.
وأكد أن ثلاثة مستشفيات فقط تعمل في غزة وتخدم 1.3 مليون مواطن، لكنها تُعاني عجزاً في الأدوية والمستلزمات والأسرّة.
وأشار بصل إلى أن جهاز الدفاع المدني يُعاني انهياراً بنسبة تصل إلى 90%، مع عدم القدرة على التعامل مع الأحداث المتلاحقة في ظل نقص الإمكانيات واستمرار العدوان.
وبيّن أن الدفاع المدني يتلقى مناشدات من منطقة "الزرقا" بحي التفاح شمال شرقي غزة، ومناطق أخرى مستهدفة، ولا تستطيع الطواقم الوصول إليها.
من جهته، قال "المرصد الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان: إنّ إسرائيل شرعت فعلياً بتنفيذ خطتها غير المشروعة لتدمير مدينة غزة، وفرض هيمنتها العسكرية غير القانونية عليها، إذ يشن جيشها عمليات نسف وتدمير واسعة للمربعات السكنية جنوب المدينة وشرقها وشمالها، في هجوم متزامن يزحف بالتدمير الشامل والمحو المنهجي نحو قلبها من ثلاثة محاور، في تصعيد يشكّل مرحلة جديدة ضمن جريمة الإبادة الجماعية المتواصلة ضد الفلسطينيين في القطاع منذ نحو 23 شهراً.
وأكد "المرصد" أنّ هذا الهجوم العسكري يجري تنفيذه على الأرض بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي رسمياً عن بدء عملية "عربات جدعون 2" في 20 آب الجاري، وتنفيذ "العمليات التمهيدية والمراحل الأولية" منها، مشيراً إلى أنّ أكثر من مليون إنسان يعيشون اليوم محاصرين في أقل من 30% من مساحة المدينة، وأنهم مهدّدون جميعاً بالتهجير القسري نحو الجنوب، ضمن هذه الخطة الرامية إلى محو غزة، وإخضاعها للتدمير المنهجي والسيطرة العسكرية الكاملة.
معضلات النزوح
يواجه سكان مدينة غزة تحديات كبيرة، مع تصاعد العمليات العسكرية في المدينة، وإصرار الاحتلال على تهجيرهم منها باتجاه جنوب القطاع، إذ يبدو أي نزوح جديد أمراً بالغ الصعوبة، خاصة في مثل هذه الظروف.
ووفق العديد من سكان المدينة، فإن ثمة ثلاث مشكلات ومعضلات تواجههم حال قرروا النزوح عن المدينة، عند صدور أوامر إخلاء إسرائيلية، المشكلة الأولى والأهم تتمثل في عدم وجود مكان أو أرض خالية يمكن أن يقيموا فيها بمنطقة المواصي، أو حتى منازل يستأجرونها، والمعضلة الثانية ندرة وسائل المواصلات، خاصة الشاحنات التي يمكنها نقل الأثاث والفراش والعفش، بسبب شح الوقود، والمشكلة الثالثة تتمثل في عدم توفر الخيام أو مستلزماتها، وحال توفرت الأخيرة فإن أسعارها عالية جداً.
ويقول المواطن محمود نصر: إنه ما زال يتواجد في بيته المتضرر بمدينة غزة، ويتابع تفاصيل ما يحدث في المدينة، ويشعر أن العدوان يتصاعد، والنزوح يقترب.
وبيّن أن الاحتلال قسّم المدينة إلى قسمَين، الأول يُسيطر عليه فعلياً، مثل حيَّي الزيتون والصبرة، والأحياء الشرقية للمدينة، والثاني مناطق تخضع للقصف والغارات الجوية، والأخيرة تضم غالبية المناطق، ويتواجد فيها مئات الآلاف من النازحين.
وأكد نصر، ويعيش في مناطق غرب مدينة غزة، أنه يعيش في حيرة كبيرة، ولم يستطع حتى الآن أخذ القرار المناسب، فتارة يقول إنه سيبقى في مدينة غزة، وتارة أخرى يعتقد أن النزوح أفضل، خاصة في ظل معطيات تُؤكد أن الاحتلال سيفتك بكل من يبقى في مدينة غزة، من خلال القتل والتجويع.
وبيّن نصر أنه أجرى اتصالات مع أصدقاء ومعارف في محاولة للعثور على قطعة أرض، أو منزل يستأجره في مناطق وسط وجنوب القطاع، لكنه لم يجد شيئاً حتى الآن.
وأضاف: إن النزوح المرتقب يختلف عن النزوح السابق، فكل شيء حالياً صعب ومعقد، ولا توجد لا مواصلات، ولا أماكن يلجأ إليها النازحون.
وأكد نصر أنه تحدث إلى العديد من المواطنين من سكان مدينة غزة، وغالبيتهم أكدوا أنهم لا ينوون النزوح، فاليأس يتملكهم، ولا أحد يمتلك طاقة لنزوح جديد، وغالبيتهم يفتقدون المال لدفع تكاليف النزوح الباهظة التي قد تتجاوز 7000 شيكل، ما بين أجرة نقل، وثمن خيمة، وغيرها من المتطلبات الأخرى.
نقص حاد في الأدوية
لا يزال القطاع الصحي في غزة يواجه انهياراً على مختلف الأصعدة، بسبب الحصار والعدوان الإسرائيلي، ومن أبرز المشكلات الصحية التي يواجهها المواطنون النقص الحاد جداً في الأدوية، سواء في المستشفيات أو عيادات الرعاية الأولية، أو الصيدليات الخاصة.
ووفق العديد من المصادر، فإن هناك شحاً كبيراً وغير مسبوق في قائمة طويلة من الأدوية، منها المضادات الحيوية، ومسكنات الآلام، وكذلك أدوية معالجة أمراض ضغط الدم والسكري، وعلاجات السرطان، والأدوية النفسية وغيرها.
ووفق صيادلة في القطاعَين الخاص والحكومي، فإن نحو 80% من الأدوية الأساسية غير متوفرة في صيدليات القطاع بفعل الحصار، وإن الاحتلال لا يزال يمنع إدخال الأدوية منذ 6 شهور، وإن مستودعات الأدوية في غزة باتت فارغة ومخازن الأدوية باتت شبه خالية، ولا يزال الاحتلال يُماطل في إدخال الأدوية.
كما أن كل محاولات توفير الأدوية عبر شركات خارجية باءت بالفشل، إما بسبب رفض الاحتلال، أو خشية الشركات من سرقة الأدوية.
وسبق أن حذّرت وزارة الصحة في غزة من أزمة نقص الأدوية والمستهلكات الطبية نتيجة منع الاحتلال إدخالها منذ ما يزيد على أربعة أشهر، ما ينذر بمخاطر كبيرة على حياة آلاف المرضى من مختلف الفئات العمرية، خصوصاً كبار السن والأطفال والنساء الحوامل.
وكان مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة بقطاع غزة، زكري أبو قمر، حذر في وقت سابق من تدهور غير مسبوق في الواقع الصحي نتيجة العجز الحاد في الأدوية والمستهلكات الطبية، مع استمرار إغلاق المعابر منذ مطلع آذار الماضي.
وأكد أبو قمر أن "الأوضاع تزداد سوءاً منذ إغلاق مراكز الرعاية الأولية، وأن ثمة عجزاً كبيراً في الأدوية، ما يضطر الطواقم الطبية إلى اللجوء لعلاجات بديلة، وكلّها غير كافية".
وأوضح أبو قمر أن خدمات الرعاية الأولية تعتمد أساساً على توفير العلاج الوقائي للمرضى، خصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة مثل الضغط، والسكري، والروماتيزم، إضافةً إلى الأمراض الشائعة مثل التهابات الجهاز التنفسي والهضمي، وأن النقص الحاد في هذه الأدوية يعرّض شريحة واسعة من المرضى لمضاعفات صحية خطيرة، وقد يؤدي إلى نوبات أو ارتفاع حاد في ضغط الدم أو السكري، مبيناً أن النقص لا يقتصر على الأدوية، بل يشمل أيضاً مستلزمات الجراحة والعناية المركزة.
0 تعليق