Published On 27/8/202527/8/2025
|آخر تحديث: 19:49 (توقيت مكة)آخر تحديث: 19:49 (توقيت مكة)
في الوقت الذي يستعد فيه الجيش الإسرائيلي لشن عملية عسكرية كبرى في مدينة غزة، تتكشف على نحو متزايد أزمة صامتة تعصف بصفوف قواته البرية.
وكشف مقال في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن جنود القوات البرية في غزة يشكون من نقص حاد في المعدات، وأعطال متكررة في الوسائل القتالية، تهدد حياتهم بسبب القيود المفروضة على الميزانية، حتى في الوقت الذي تُنفق فيه المليارات في مجالات أخرى.
وأوضح الصحفي حجاي عميت في مقاله أن من أبرز التكتيكات التي تلجأ إليها القوات البرية الإسرائيلية في حرب غزة ما تُعرف بـ "المدرعة الانتحارية"، إذ تعيد وحدات الهندسة القتالية تجهيزها للتحكم بها عن بعد، ثم مَلأها بالمتفجرات ودفعها نحو هدف محدد تُدار بالتحكم عن بُعد، ثم تُملأ بالمتفجرات وتُدفع نحو الهدف.
والمدرعة الانتحارية هي ناقلة جنود قديمة محملة بالمتفجرات من طراز "إم 113″، (M113)، يستخدمها الجيش الإسرائيلي لتدمير الأبنية في غزة.
ويقول عاميت إن الهدف منها هو تفجير ما بداخل المباني من عبوات ناسفة، لفتح الطريق أمام الجنود لتقليل المخاطر، لكنه يؤكد أن نجاح هذا الأسلوب ليس مضمونا دائما؛ إذ واجهت وحدة إسرائيلية قبل وقف إطلاق النار الأخير عطلا حرجا، فعند اندفاع المدرعة الانتحارية نحو أحد المباني تعطل جهاز التفجير.
وقود للمدافع
وبحسب رواية الجنود الذين كانوا في الموقع، طلب قائد الوحدة إسنادا من طائرة مسيرة لتفجير المدرعة عن بعد، لكنه تلقى إجابة محبطة بأنه "لا توجد ميزانية لذلك".
ومع غياب البدائل، اضطر الجنود إلى التقدم نحو المدرعة المفخخة ومحاولة إصلاح جهاز التفجير يدويا، في مقامرة كادت تودي بحياتهم.
وأكد كاتب المقال أن هذه الحادثة ليست معزولة، مشيرا إلى أنه كانت هناك عدة حالات أخرى وجد الجنود الإسرائيليون أنفسهم خلالها في أوضاع "مستحيلة وخطيرة" بسبب قيود الميزانية.
إعلان
وقال ضابط كبير يخدم باستمرار في غزة منذ بداية الحرب لصحيفة هآرتس: "ببساطة، لا توجد ميزانية للقيام بالأمور كما يجب. ترى ذلك في كل مكان، سواء عندما تتعطل أجهزة التحكم عن بعد ليلا، أو عندما تحاول جرّ شاحنة نقل قديمة لا تعمل، بينما رأينا في العملية ضد إيران كيف نُفذت كل التفاصيل بدقة وكمال. هنا نحن مجرد وقود للمدافع".
ضابط دبابات إسرائيلي: قطع الغيار لدينا في أسوأ حالة رأيتها منذ خدمتي. نفتقد مسامير وسلاسل، وهي المكونات الأساسية التي تحتاجها الدبابة كي تتحرك
المدرعات
ولا يقتصر الأمر على القوات البرية وحدها. وطبقا للصحفي عاميت، فإن سلاح المدرعات هو الآخر يعاني من ضغوط مماثلة.
يقول ضابط دبابات خدم عدة أشهر في غزة: "كنت أخدم في كتيبة مدرعات ضمن لواء مشاة نظامي يُصنف ضمن أولويات الجيش. ومع ذلك، قيل لنا في وقت ما أن لا نطلق قذائف الدبابات إلا إذا كان ذلك هو الحل الوحيد لمشكلة عملياتية".
وزاد "قطع الغيار لدينا في أسوأ حالة رأيتها منذ خدمتي. نفتقد مسامير وسلاسل، وهي المكونات الأساسية التي تحتاجها الدبابة كي تتحرك. أما محركات الدبابات، فالجيش لم يعد يلتزم بفترات الصيانة المفروضة وفق ساعات تشغيل المحرك منذ بداية الحرب لأنه ببساطة ليس هناك إمكانية لتلبية متطلبات الصيانة ".
ولفت الكاتب إلى أن صحيفة هآرتس كانت قد أوردت في تقرير آخر أن الحظر الألماني على توريد قطع الغيار ساهم في تفاقم هذه الأزمة.
نداءات
ومع استمرار الحرب قرابة عامين، امتلأت شبكات التواصل الخاصة بمنشورات لجنود يصفون النواقص ويستغيثون طلبا للمساعدة.
وتقول رسالة حديثة من وحدة الاتصالات التابعة لكتيبة مدرعة: "نحن وحدة احتياط نتلقى معدات قديمة تهدد حياتنا. نُستدعى مرارا إلى غزة ونواجه نقصا في المعدات العملياتية الأساسية. لذلك نطلق حملة تبرعات".
ويفيد عاميت في مقاله بأن نداءات مشابهة ظهرت من جنود آخرين يطلبون التبرع بمعدات وقاية أساسية مثل الخوذ، والسترات الخزفية، والنقالات وغيرها.
مناقصات تثير الاستغراب
ويشير إلى أن هناك أدلة أخرى على الضائقة المالية ظهرت الأسبوع الماضي وتمثلت في 3 مناقصات لشراء أسلحة طرحتها وزارة الدفاع:
الأولى: وافقت لجنة حكومية على خطة لتسريع إنتاج دبابات "ميركافا" وناقلات جند مدرعة من طراز "نمر" و"إيتان" بتكلفة تزيد عن 5 مليارات شيكل.
الثانية: تستعد إسرائيل لإبرام صفقة مع الحكومة الأميركية لشراء طائرتين خامسة وسادسة من طراز بوينغ لتزويد سلاح الجو بالوقود بقيمة 500 مليون دولار، لتحل محل طائرات قديمة كان يفترض إخراجها من الخدمة منذ فترة طويلة.
الثالثة: كشفت الوزارة عن شراء طائرات مسيرة من شركة "إكستند" (XTEND) الإسرائيلية بعشرات ملايين الشواكل. وستدفع وزارة الدفاع حوالي 3500 شيكل لكل طائرة مسيرة للمراقبة. وتصل الطلبية الأولية إلى 5 آلاف طائرة، مع خيار زيادتها إلى 15 ألفا في مناقصات مستقبلية.
وأثار السعر استغراب بعض المطلعين على القطاع. ورغم أن الطائرات ستُجمع في إسرائيل، فإن شركة (إكستند) ستعتمد على شركة أوروبية استحوذت عليها مؤخرا، وهي تزوّد أوكرانيا بمسيرات منذ 3 سنوات وتستطيع الحصول على مكونات رخيصة.
شراء الأرخص
بيد أن الصحفي عاميت ينتقد الصفقة زاعما أن الجيش الإسرائيلي سيحصل على منتج بلا مزايا كمالية تتماشى مع متطلباته.
إعلان
وينسب الكاتب إلى مصدر صناعي مطلع على الصفقة -لم يكشف عن هويته- وصفه لطائرات تلك الشركة بأنها "مسيرة أساسية مصنوعة من مكونات بسيطة بلا ذكاء اصطناعي، ولا حوسبة متقدمة. فكل شيء يعتمد على المشغّل".
وقال الضابط إنه في الوقت الذي يستطيع فيه الجيش الأميركي تحمل كلفة الطائرات ذاتية الطيران، يكتفي الجيش الإسرائيلي بشراء الأرخص.
وحسب هآرتس، فإن هذه المناقصات الثلاث تأتي في وقت تتفاقم فيه حالة السخط بين القوات البرية بزيِها الأخضر وسلاح الجو بزيه الأزرق.
غزة مستنقع عميق الغور
وقد زادت العملية العسكرية الأخيرة ضد إيران هذه التوترات، التي قادها سلاح الجو. أما غزة، فيُنظر إليها على أنها مستنقع عميق الغور بلا نهاية واضحة، تتحمل فيه القوات البرية العبء الأكبر للحرب هناك، بما تنطوي عليه من مطالب لوجستية وبشرية أكبر بكثير.
وتعكس البيانات المالية للعام 2024 -التي نُشرت في مارس/آذار الماضي، هذا الاختلال، حيث أبرمت إسرائيل في السنوات الأخيرة، مجموعة من صفقات التسلح الضخمة، خُصص نحو 75% منها لسلاح الجو.
وطبقا للصحيفة، فإن ميزانية الدفاع للعام 2025 تبلغ 140 مليار شيكل (أقل من 160 مليار عام 2024)، ومع ذلك لا تكفي لمتطلبات الحرب.
واعتبر عاميت أن هذا التقشف المالي يعني مزيدا من المخاطر للجنود، خصوصا في العملية المرتقبة للسيطرة على مدينة غزة.
وقد لخص أحد الضباط الوضع قائلا "إذا كان الهدف السيطرة على غزة وإسقاط المباني العالية، فلا بد من نهج جديد يضطلع فيه سلاح الجو بدور أساسي، وإلا فلا أرى كيف يمكن إنجاز ذلك".
0 تعليق