مدينة ولاتة الموريتانية ماضٍ عريق وكنوز ثمينة - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

Published On 28/8/202528/8/2025

|

آخر تحديث: 18:21 (توقيت مكة)آخر تحديث: 18:21 (توقيت مكة)

نواكشوط- في قلب الصحراء الموريتانية تبرز مدينة ولاتة جوهرة تاريخية ووجهة سياحية استثنائية، حيث تتعانق الكثبان الرملية مع آثار حضارية ضاربة في القدم.

إنها مدينة تعصف بها رياح الصحراء، لكنها تحتفظ في طياتها بكنوز معمارية وثقافية فريدة، أبرزها آلاف المخطوطات النادرة المحفوظة لدى العائلات المحلية منذ قرون، لتظل شاهدة على مكانتها منارة لأهل شنقيط وإحدى أجمل مدن موريتانيا التراثية.

تتميز ولاتة بمنازلها المبنية من الطين والحجارة بألوان دافئة ونقوش تقليدية تعكس أسلوب العمارة الصحراوية العريقة، كما تحتضن مساجد قديمة وأزقة ضيقة مرصوفة بالرمال تضفي على الزائر إحساسا بالعودة إلى الماضي، ويمنحها هذا المزيج من الجمال المعماري والروحانية مكانة خاصة على خريطة السياحة الثقافية في موريتانيا.

لا تزال مكتبات العائلات تحتفظ بمخطوطات عمرها قرون (الفرنسية)
لا تزال مكتبات العائلات تحتفظ بمخطوطات عمرها قرون (الفرنسية)

موقع ولاتة

تقع ولاتة على بعد 1200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة الموريتانية، وهي ذات ماض عريق، فقد زارها الرحالة الشهير ابن بطوطة عام 726 هجري وأشاد بازدهار تجارتها، ومنذ القرن الـ16 الميلادي عُرفت المدينة بنهضتها الفكرية وخرج منها أعلام في الفقه والشعر والأدب.

تنقلت مدينة ولاتة عبر عمرها المديد بين مسميات عدة، فكانت تسمى بيروفي في العهد الغاني البعيد، ثم سُميت إيلاوتن في العهد التكروري، وأخيرا جاء العهد الشنقيطي ليصبح المسمى الحالي ولاتة، خاصة بعد انتشار الثقافة العربية الإسلامية.

مدينة ولاتة تعد جزءا من 4 مدن قديمة محصنة أو "قصور" مدرجة ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وقد أطلقت منظمة اليونسكو حملة دولية لحماية تراث المدينة ومعالمها التاريخية من خطر التصحر وزحف الرمال، بالإضافة إلى 3 مدن موريتانية معها هي تيشيت وشنقيط ووادان.

وفي أوج ازدهارها كانت هذه المدن مراكز تجارية ودينية، واليوم تضم خلف جدرانها الحمراء المنحوتة كنوزا تعود إلى العصور الوسطى.

إعلان

كنوز المدينة

ويمكن لزائر المنطقة مشاهدة الكثير من الكنوز مثل المسجد العتيق الذي رمم مؤخرا، ولكنه احتفظ بتصميمه وبنيته الأصلية.

وتنقل بعض الروايات التاريخية أن القائد الإسلامي عقبة بن نافع مر بولاتة في أحد فتوحاته، وأنه هو من شيد مسجدها العتيق، لكن العمارة الإسلامية التي شهدتها المدينة ظهرت بعد ذلك بفترة لاحقة.

المسجد العتيق في مدينة ولاتة يعد من أحد أهم المعالم بالمنطقة (الفرنسية)

وتضم المدينة أيضا المنازل القديمة التي تجذب السياح بزخارفها وألوانها المأخوذة من المواد الطبيعية المتوفرة في المنطقة، وأبوابها الخشبية المرصعة بالنحاس.

وتزدهر في ولاتة صناعة الأواني الفخارية، وتوجد فيها مدرسة دينية شهيرة، كما أن مكتباتها عامرة بالمخطوطات الكثيرة ذات القيمة العلمية والتاريخية التي لا تقدّر بثمن، وإلى جانب صناعة الفخار حافظت المدينة على الكثير من معالمها المعمارية.

فن العمارة

تتميز البيوت الولاتية بفن عمارة خاص بها مستوحى من العمارة العربية الإسلامية، خاصة منها العمارات الأندلسية والمغربية، ويبدو ذلك في طراز مواد البناء وفي أنواع الزخرفة مع جنوح إلى البساطة بعض الشيء، وميل إلى استخدام الخامات المحلية من فخار وجص وحجارة ملونة عالية الجودة تضمن قوة البناء وانسجامه مع المشهد البيئي العام.

البيت الولاتي يتميز بنوع من التهوية الطبيعية وذلك بتقليل عدد الأبواب (الفرنسية)

ويتمتع البيت الولاتي بنوع من التهوية الطبيعية وذلك بتقليل عدد الأبواب، فلكل منزل بابان لا أكثر، أحدهما مخصص للرجال والضيوف، والآخر للنساء.

كما أن في كل بيت مجلسا يسمى محليا "الدرب"، وهي إشارة إلى موقعه كأقرب مكان من باب الشارع حتى يحافظ على "حرمة البيت".

وللنساء أيضا مجلس يكون بابه داخليا، أي متفرعا من إحدى الغرف فقط ويسمى "السقفة"، ولا يخلو بيت من طابق علوي يسمى القرب، ويكون السُلّم الصاعد إليه متسعا إلى حد يسمح بفناء تحته توضع فيه جِرار الماء لتبقى باردة بالتظليل.

ولاتة والزخرفة

أبرز ما يميز المدينة هو النمط المعماري الذي يتكيف مع الأجواء والبيئة المحلية والظروف الطبيعية المحيطة، ورغم المتغيرات التي طرأت على المنطقة فإن الذين مكثوا في ولاتة لا يزالون يتشبثون بإرثهم، حيث تتميز المدينة بفن الزخرفة المنزلية والذي تشتهر به، ويُصنع من أنواع معينة من الطين، وتقوم النساء بطلاء المنازل، ليعطي طابعا معماريا يميز ولاتة.

تتميز المدينة بفن زخرفة المنازل والذي يُصنع من أنواع معينة من الطين (الفرنسية)

حافظت المدينة على الكثير من معالمها المعمارية، وتشعر وكأنها مكان توقف فيه الزمن.

جُدّد المسجد مؤخرا، ولكنه احتفظ بتصميمه وهيكله الأصليين، وكانت مشاهدة المصلين وهم يخرجون بعد صلاة الجمعة بمثابة رحلة عبر الزمن.

المخطوطات الثمينة

تحوي مكتبات مدينة ولاتة آلاف المخطوطات الثمينة التي لا تُقدّر بثمن، وتعود ملكية مكتبات ولاتة إلى عائلات وأشخاص، كما لا تزال هناك 16 مكتبة عائلية تحتوي على مخطوطات إسلامية من العصور الوسطى توارثتها الأجيال.

من أشهر مكتبات ولاتة التاريخية مكتبة طالب بوبكر والتي تضم مئات المخطوطات (الفرنسية)

وتم تصنيف بعض مكتبات المدينة بدعم من المعهد الموريتاني للبحث العلمي واليونسكو، وقد حوفظ على بعض هذه المخطوطات، لكن البعض الآخر ما زال عرضة للإهمال وفي حالة مزرية بسبب قسوة المناخ والبيئة الصحراوية وبدائية الأرشفة.

إعلان

ومن أشهر مكتبات ولاتة التاريخية مكتبة مخطوطات الطالب بوبكر المحجوبي، وتضم مئات المخطوطات، ورغم الاعتداء عليها من طرف المستعمر وفعل الظروف الطبيعية فإن هذه المكتبة ما زالت من أغنى المكتبات بالمخطوطات.

أفراد وحدة الحرس الوطني المهرستي وهم يقومون بدوريات بمنطقة حوض الشرقي (الفرنسية)

المحاذير الأمنية

وعلى الرغم من أن موريتانيا تتميز بالاستقرار فإن الزيارة إلى تلك المنطقة تتطلب إجراءات أمنية مسبقة وصارمة بسبب تهديد بعض الجماعات المسلحة.

ومع ذلك تشترك هذه الدولة الواقعة في غرب أفريقيا ذات الأغلبية الصحراوية في حدود تمتد لمسافة 2200 كيلومتر مع مالي التي تصارع تمردا جهاديا، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية الذي زارت المنطقة مؤخرا.

ولعقود، يغادر سكان ولاتة -وهي مدينة من العصور الوسطى تقع في قلب الصحراء الموريتانية- بحثا عن فرص اقتصادية أفضل، وقد أدى ذلك إلى تدمير العديد من المباني التاريخية.

0 تعليق