Published On 2/9/20252/9/2025
|آخر تحديث: 20:19 (توقيت مكة)آخر تحديث: 20:19 (توقيت مكة)
في صباحٍ صيفي، لا "تلتقط" النحلة صورة بانورامية للمرج ثم تفك شيفرتها في الدماغ. ولكن بدلًا من ذلك، فإنها تهندس المدخلات لحظة بلحظة، حيث تهز الجسد والرأس والعينين بحركات صغيرة وهي تحوم فوق الزهرة، فتجعل المشهد البصري بسيطا ومشحونا بالمعلومة النافعة فقط.
ما سبق كان مركز اهتمام فريق من جامعة شيفيلد البريطانية، حيث بنى نموذجا رقميا لدماغ النحلة أثبت أن هذه "الرؤية النشطة" قادرة على التعرف إلى أنماط معقدة بدقة، بعدد قليل جدًا من الخلايا العصبية، وهي الفكرة التي قد تعيد تشكيل طريقة تصميم العلماء للروبوتات وأنظمة الرؤية الحاسوبية.
ما الذي حدث؟
النموذج الذي طوره الفريق، وأعلن مؤخرا عن تفاصيله في دراسة بدورية "إي-لايف" يحاكي دوائر بصرية في دماغ النحلة (خاصةً منطقة اللوبيولا وهي جزء بصري في دماغ الحشرة يعالج ما تراه العين)، وعند تشغيله، لم يطعم بصور كاملة وثابتة كما نفعل في الحواسيب عادة، بل بخوارزمية مسح حركي تماثل حركات النحلة أثناء الطيران.
يبين النموذج أن الخلايا العصبية في منطقة في اللوبيولا، تكون حساسة للاتجاه (يمين ويسار) والزمن (متى تغيّر المنبه)، كأنها تصنع "مصفاة زمنية مكانية" لا تسجل كل شيء بالتساوي، بل تلتقط ما يتحرك وفي أي اتجاه ومتى.
تخيل مثلا كاميرا مراقبة فيها كاشف حركة، بدلا من تخزين كل البث، تلتقط فقط المقاطع ذات المعنى، فتوفر مساحة وطاقة وتسهل التحليل.
ولذلك فإن الرؤية النشطة لدى النحلة لا تحتاج إلى عدد كبير من الخلايا العصبية، فيتحول المشهد المعقد إلى إشارات بسيطة وغنية بالمعلومة، ومن ثم تكفي شبكة عصبية صغيرة لإنجاز التعرف بدقة.
اختبر الباحثون النموذج في مهمة تمييز بسيطة (علامة "+" مقابل "×") مقتبسة من تجارب على النحل، وما إن تبنى النموذج إستراتيجية المسح النشط، حتى قفز الأداء رغم صغر الشبكة، وتبين أن هذه الحركة الذكية تبسط المشكلة قبل أن تصل إلى الدماغ.
إعلان
لماذا هذه نتيجة مهمة للذكاء الاصطناعي؟
أغلب أنظمة الرؤية الحاسوبية اليوم تجمع كل البكسلات أولًا ثم تُلقي بها إلى نموذج ضخم يلتهم طاقة وحوسبة، لكن الدراسة تقترح نهجًا مغايرًا، وهي أن تحرِّك المستشعر لالتقاط السمات المفيدة فقط، حينها يمكن لشبكة صغيرة وموفرة للطاقة أداء المهمة.
هذه هي روح "الذكاء المتجسِّد" كما أوضح بيان صحفي رسمي من الجامعة، وهو اصطلاح يعني ذكاء اصطناعي له جسم أو "قناة فعل"، يتفاعل بها مع العالم، مثلا روبوت بذراع ومستشعرات، بدلا من أن "يفكّر" في صورٍ ثابتة فقط، فهو يرى ويقرّر ويتحرك في حلقة مستمرة، ويتعلّم من أثر أفعاله.
النحلة تفعل ذلك، فهي لا تعيش في عالم من الصور الجامدة، بل في عالم تصنع فيه الصورة وهي تطير. حين نقلّد هذا المبدأ، يمكننا بناء آلات ترى بوضوح أكبر وهي تتحرك، لا وهي تنتظر الصورة لتأتيها.
عمليا، يعد ذلك بروبوتات طائرة ومركبات ذاتية أخف وأطول عمرا، وكاميرات صناعية تتخذ قرارات سريعة في بيئات معقدة من دون بنى سحابية ضخمة.
وكانت شركات ناشئة ومشاريع أكاديمية تطارد هذا المسار منذ سنوات، لكن من دون جدوى، إلا أن الدليل الحاسوبي الجديد القادم من "دماغ النحلة" يقدم وصفة قابلة للتكرار والتطبيق.
0 تعليق