في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب شرق أفغانستان بقوة 6 درجات، يجد آلاف الناجين أنفسهم في مواجهة مصير قاسٍ، حيث يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، بعد أن تحولت منازلهم إلى ركام أو أصبحت مصائد للموت يخشون العودة إليها خوفًا من الهزات الارتدادية المتلاحقة التي تزيد من عمق المأساة.
الكارثة التي وقعت منتصف ليل الأحد الاثنين لم تكتفِ بحصد أرواح أكثر من 1400 شخص، بل تبعتها ست هزات ارتدادية قوية، محولة قرى بأكملها على سفوح التلال الخضراء في المنطقة الحدودية النائية إلى أطلال، بينما لا يزال البحث جاريًا عن ناجين تحت الأنقاض.
هزات ارتدادية تضاعف الرعب
لم تترك الهزات الارتدادية أي شعور بالأمان لدى السكان.
حتى المباني التي صمدت بشكل جزئي، هجرها أصحابها الذين باتوا يرون في كل جدار قائم خطرًا محتملاً.
مشهد العائلات التي تقضي ليلها ونهارها في العراء أصبح هو القاعدة في المناطق المنكوبة.
يصف عمران محمد عارف، الذي فقد منزله في قرية "دار النور" بولاية ننكرهار، الليلة بـ "المرعبة"، مؤكدًا أنه ينام الآن على حصيرة بلاستيكية في العراء مع أربعة من أفراد أسرته.
ويقول: "وقعت هزة ارتدادية بالأمس، وأخرى هذا الصباح. ننام في العراء لأنه ليس لدينا مكان نذهب إليه. نطلب المساعدة من الجميع".
هذا الخوف ليس حكرًا على القرى المدمرة بالكامل. ففي مدينة جلال آباد، عاصمة الولاية، والتي شعرت بالزلزال دون أن تتكبد أضرارًا كبيرة، تقول الطبيبة فرِشتا (42 عامًا): "نحن خائفون للغاية. في كل مرة أخطو خطوة، أشعر وكأن الأرض تهتز. لا نبقى في المنزل بل ننام في الحديقة".
تحديات إنسانية وعوائق لوجستية أمام المساعدات
وفقًا لبيانات سلطات طالبان، دمر الزلزال وتوابعه حوالي 7 آلاف منزل، ما أدى إلى تشريد آلاف الأسر التي باتت في حاجة ماسة إلى المأوى والغذاء.
وبينما أعلنت الأمم المتحدة عن جاهزية 14 ألف خيمة للتوزيع، وأكد الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر امتلاكه 700 خيمة، تبرز عقبة كبرى: صعوبة الوصول.
الانهيارات الأرضية التي سببتها الهزات قطعت الطرق المؤدية إلى العديد من المناطق المتضررة، خاصة في ولاية كونار، مما يجعل إيصال المساعدات الحيوية مهمة شبه مستحيلة في الوقت الراهن.
"ساعدونا، امنحونا مأوى، لم يبقَ لنا شيء"، بهذه الكلمات تناشد سورات، وهي ربة منزل أُنقذت من تحت الأنقاض مع زوجها وأطفالها.
بعد تلقيها العلاج، طُلب منها العودة إلى قريتها "دار النور"، لتجد أنه لم يتبقَ لها شيء على الإطلاق.
مخاوف من كوارث ثانوية وتحذيرات حكومية
تتفاقم المخاطر مع لجوء الناجين إلى مناطق منخفضة كالحقول أو مجاري الأنهر هربًا من المرتفعات.
وقد حذر إعجاز الحق ياد، وهو مسؤول حكومي، من أن هذه المناطق المنخفضة تعرضهم لخطر الانهيارات الأرضية في حال وقوع هزات جديدة، واصفًا المنطقة بأنها "خطيرة للغاية".
ويأتي هذا الزلزال، وهو من بين الأعنف في تاريخ أفغانستان الحديث، ليزيد من معاناة شعب يعاني أصلاً من أزمة غذائية حادة.
وقد أكد برنامج الأغذية العالمي أن هذه الكارثة كانت "آخر ما تحتاجه الأُسر التي لديها أطفال صغار في بلد يعاني فيه الكثيرون من سوء التغذية".
وتعيد هذه المأساة إلى الأذهان زلزال ولاية هرات غربي البلاد عام 2023، الذي دمر قرى بأكملها بسلسلة من الهزات القوية، في تذكير مؤلم بهشاشة الحياة في هذه المنطقة المعرضة للكوارث الطبيعية.
0 تعليق