مبنى 31 في قرية الألعاب بميونخ شاهد على قصة كفاح فلسطيني - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قدري عوض

Published On 5/9/20255/9/2025

|

آخر تحديث: 16:06 (توقيت مكة)آخر تحديث: 16:06 (توقيت مكة)

ميونخ – تقف الجزيرة نت تحت هذا المبنى الصامت، مبنى 31 في القرية الأولمبية، والشرفة التي تحولت من مجرد شرفة إسمنتية إلى شاهد على قصة لا تُنسى. السماء صافية فوق ميونخ، وتحول المبنى إلى مزار. لكن هذه الشرفة في واقع الحال ليست عادية؛ هنا وقف رجال فلسطينيون في سبتمبر/أيلول 1972، وهنا حاولوا أن يكتبوا للعالم رسالة لم يستطع صوت اللاجئ ولا صرخة الأسير أن توصلها.

الذاكرة في الشرفة

تلك الشرفة التي تراها في الصورة، المحددة بالدائرة الحمراء، لم تكن يوما مكانا للراحة، بل صارت مرآة لصراع طويل. من هنا شاهد العالم وجوه الفلسطينيين للمرة الأولى، لا كلاجئين في المخيمات أو كأرقام في نشرات الأمم المتحدة، بل كأناس يصرخون: "نحن هنا". كانوا يحملون بنادق خفيفة، لكن قلوبهم أثقل من الرصاص. أرادوا أن يبادلوا حياة مقابل حياة، أن يحرروا الأسرى الذين يذبلون خلف القضبان، أن يقولوا ببساطة: "فلسطين ليست منسية".

مقر البعثة الاسرائيلية في ميونيخ علم ١٩٧٢ (الجزيرة)

الصوت الذي وصل

في تلك الليلة لم يكن هناك إنترنت ولا وسائل التواصل، لكن كل عدسات العالم كانت موجّهة نحو هذه الشرفة. الملايين شاهدوا المشهد حيا، وسمعوا اسم فلسطين ربما لأول مرة. بالنسبة للبعض، كانت صدمة. بالنسبة لآخرين، كانت بداية سؤال: لماذا يخاطر هؤلاء بحياتهم في قلب أوروبا؟ الجواب: لأنهم لا يملكون إلا أن يُسمِعوا العالم صرختهم.

ففي الخامس من سبتمبر/أيلول 1972، تسلل 8 مسلحين من منظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية إلى مقر إقامة البعثة الإسرائيلية في القرية الأولمبية، حيث احتجزوا 11 رياضيا ومدربا رهائن، مطالبين بإطلاق سراح أكثر من 200 أسير معظمهم من العرب في السجون الإسرائيلية.

أسفرت العملية في بدايتها عن مقتل رياضيين إسرائيليين، ثم استمرت المفاوضات ساعات. وفي محاولة لإنقاذ الرهائن، نقلت السلطات الألمانية المهاجمين الفلسطينيين والرهائن إلى مطار فورستينفيلدبروك، حيث انتهت العملية بشكل دموي بمقتل جميع الرهائن التسع المتبقين، و5 من منفذي العملية، وشرطي ألماني.

إعلان

قبض على 3 من المهاجمين، لكن أُفرج عنهم لاحقا ضمن صفقة تبادل إثر اختطاف طائرة لوفتهانزا في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه. أدت العملية إلى انتقادات واسعة للسلطات الألمانية بسبب ضعف استعدادها لمواجهة هجوم من هذا النوع، وأسهمت في تأسيس وحدات خاصة لمكافحة الإرهاب لاحقا، مثل وحدة GSG-9.

بين الماضي والحاضر

واليوم، حين تمشي في أزقة القرية الأولمبية، قد تظن أن كل شيء عاد طبيعيا. شباب ألمان وأجانب يجلسون على العشب، يضحكون، يدرسون، يتبادلون القصص. لكن آخرين حين يقفون أمام مبنى 31 يرون ما هو أبعد من الواجهة البيضاء والزوايا الحادة. يرون تاريخا دفن في الإعلام لكنه حي في الذاكرة، يرون قصة تقول للعالم إن هناك شعبا يعيش تحت الاحتلال، وإن الرياضة لا تستطيع أن تغطي على السياسة حين يكون الظلم بهذا العمق.

الجزيرة نت تغادر المكان ببطء، تنظر مرة أخيرة إلى الشرفة. كأنها تهمس: هنا وقفوا، هنا خاطروا، هنا خسروا حياتهم. لكنهم تركوا شيئا أكبر من حياتهم، تركوا قصة لا تموت. فهذا المبنى ليس مجرد جدران، بل هو شاهد على لحظة صار فيها اسم فلسطين عالميا.

0 تعليق