بعد سنوات على تفجيره.. إعادة افتتاح الجامع النوري الكبير في الموصل - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

Published On 7/9/20257/9/2025

|

آخر تحديث: 11:57 (توقيت مكة)آخر تحديث: 11:57 (توقيت مكة)

الموصل– شهدت مدينة الموصل، الإثنين الماضي، إعادة افتتاح الجامع النوري الكبير الذي يقع في قلب مدينة الموصل القديمة بالجانب الغربي منها بعد أكثر من 8 سنوات على تفجيره وإحالته إلى ركام خلال العمليات العسكرية التي استعادت من خلالها القوات العراقية السيطرة على المدينة من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في يوليو/ تموز 2017، وأصبحت المدينة القديمة، الغنية بتراث عمره ألف عام، ركامًا.

وبسبب رمزية الجامع وعمقه التاريخي اتخذه تنظيم الدولة في يوليو/ تموز عام 2014 مكانا لإعلان ما أطلق عليها "الخلافة" من خلال خطبة الجمعة لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، بعد أن اجتاح التنظيم في العاشر من يونيو/ حزيران من ذلك العام مساحات واسعة من العراق وسوريا.

ومع تحرير الموصل من سيطرة التنظيم والبدء بإعادة إعمارها، شرعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) بإعادة إعمار الجامع في مشروع أطلقت عليه "إحياء روح الموصل" حيث بدأت عمليات الإعمار نهاية عام 2019.

افتتاح الجامع النوري الكبير في الموصل بعد 8 سنوات على تفجيره
إمام الجامع النوري الشيخ علي محسن يؤكد أن المسجد أيقونة الموصل وإعادة إعماره راعت الطراز المعماري الفريد للمدينة (الجزيرة)

أيقونة الموصل

ويعد الجامع النوري ومنارته الحدباء أيقونة الموصل نظرا لرمزيته وتاريخه الممتد لنحو 9 قرون، حيث يؤكد أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الموصل أحمد قاسم الجمعة إن الجامع بمئذنته الحدباء يعد أيقونة الحضارة الإسلامية في المدينة، حيث نهض ببنائه السلطان نور الدين محمود زنكي في عهد الدولة الزنكية التي كانت تحكم الموصل وحلب وجزءا من بلاء الشام.

ويتابع الجمعة في حديث سابق للجزيرة نت أن بناء الجامع استغرق عامين بين 566 و568 للهجرة الموافق 1170 و1172 للميلاد، وأن سبب رمزيته الكبيرة تتعلق بكونه من أقدم مساجد الموصل التي لا تزال حاضرة المعالم حتى الآن، مبينا ان أقدم مسجد في الموصل هو المسجد الجامع الذي بني في عام 16 للهجرة في مدينة الموصل القديمة كذلك، إلا أنه لم يتبق شيء من معالمه الأصلية.

إعلان

ويذهب في هذا المنحى مدير مفتشية آثار نينوى رويد موفق الليله الذي يضيف في حديث حصري للجزيرة نت أن أهم ما أضيف للجامع النوري من خلال إعادة إعماره يتمثل باكتشاف المصلى الأصلي للجامع الذي يقع على عمق نحو 2.4 متر تحت الأرض، حيث اكتشف الآثاريون أرضية المصلى الأصلي وغرف الوضوء الأصلية التي تقع على عمق نحو 6 أمتار تحت أرض المصلى الحالية.

ويتابع الليله أن فرق الإعمار عملت على إكمال استظهار هذه المكتشفات وإعادة توظيفها كمتحف مرتبط بالجامع، وهو ما يعد سابقة حيث بات الجامع يضم متحفا خاصا به، كما عملت فرق الإعمار ومن خلال حلول هندسية وصفها بـ "الإبداعية" على المحافظة على إمكانية رؤية المصلى الأصلي من خلال تغطية المصلى المكتشف بطبقة من الزجاج المقسّى (المقاوم للكسر) حيث يمكن للمصلين رؤية أرضية الجامع الأصلية المكتشفة داخل رواق المصلى الحالي.

وبين الليله أن مفتشية الآثار ستكون مسؤولة عن متحف الجامع وآثاره القديمة، حيث يمكن للزوار زيارة المتحف من خلال بوابة خاصة خارج المصلى تؤدي إلى عمق الأرض، كما أن هناك تعليمات وضوابط ستتيح للزوار العراقيين والأجانب زيارة المتحف ووفق جداول ستضعها مفتشية الآثار.

افتتاح الجامع النوري الكبير في الموصل بعد 8 سنوات على تفجيره
معالم فريدة في الجامع النوري تظهر منارته الحدباء ومنبره الذي اتخذه زعيم تنظيم الدولة مكانا لإعلان خلافته (الجزيرة)

صعوبات بالغة

كما أضاف مدير مفتشية آثار نينوى أن عمليات إعادة الإعمار شهدت صعوبات وتعقيدات عديدة، لعل أهمها أن الفرق الآثارية عملت على جمع قطع الحجارة الناتجة عن تفجير الجامع مع إعادة تنظيفها وإفرازها لأجل إعادة استخدامها في بناء المسجد من جديد، مبينا أنه تم استخدام 26 ألفا من الحجارة الأصلية القديمة "الطابوق" وأعيد استخدامها بالكامل في بناء الأروقة السبعة للمصلى وهو ما يسمى بـ "عقد البناء السبعة" التي يتكون منها الجامع النوري، وهو ما جرى مع المنارة الحدباء التابعة للجامع كذلك، في حين تم استخدام طابوق جديد في حشوة البناء مع إعادة الغلاف الخارجي للمسجد والمنارة إلى الحال الذي كان عليه الجامع قبل تفجيره.

وفي ختام حديثه للجزيرة نت، أكد الليله أن إعادة إعمار الجامع بمنارته الحدباء راعت إمكانية إدراج الجامع على لائحة التراث العالمي، وأن منظمة اليونسكو راعت أدق التفاصيل للجامع من خلال الاستعانة بالصور القديمة للجامع وما وثقه المؤرخون عبر السنين، وفق قوله.

واستغرقت عمليات إعادة إعمار الجامع النوري قرابة 6 سنوات، نظرا للتفاصيل الدقيقة والصعوبات التي واجهتها الفرق الفنية، ويؤكد ذلك إمام الجامع النوري الشيخ علي محسن الذي تحدث للجزيرة نت بالقول "إن للجامع النوري أهمية كبيرة في التاريخ الإسلامي، وأن إعادة إعماره تحظى بأهمية كبيرة لدى الموصليين، لا سيما أن اكتشاف المصلى الأصلي وغرف الوضوء تحت الأرض أضافت مزيدا من الأهمية للمسجد".

وتابع الشيخ محسن أنه تمت إضافة العديد من البوابات للدخول إلى الجامع حيث يبلغ عدد البوابات الحالية 6 بوابات من مختلف جهات الجامع، اثنتان منها تطل على الأزقة القديمة المحاذية للجامع من جهته الشمالية، مع إضافة مصلى خاص بالنساء ومبنى لإدارة المسجد وفق الطراز المعماري الذي بني على أساسه الجامع.

افتتاح الجامع النوري الكبير في الموصل بعد 8 سنوات على تفجيره
ساحة الجامع النوري الكبير في الموصل (الجزيرة)

رد اعتبار

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل الدكتور محمود عزو إن إعادة إعمار وافتتاح الجامع النوري الكبير يعد جزءا من رد الاعتبار لتراث الموصل وللمؤسسات الدينية ومنارة الحدباء التاريخية، فضلا عن أن إعادة الاعمار تشكل رسالة للعالم بأن الموصل قد عادت لحاضرتها التاريخية والحضارية بعد أن تسببت سيطرة تنظيم الدولة على الموصل بتدمير كثير من معالم الموصل الحضارية والتاريخية والإسلامية.

إعلان

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد عزو أن افتتاح الجامع يبعث رسالة مفادها أن روح التعايش السلمي بين المكونات الإثنية للموصل قد عادت لسابق عهدها، لا سيما أن إعادة افتتاحه من قبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني تزامنت كذلك مع افتتاح كنيستي الساعة والطاهرة في المدينة القديمة بعد إعادة إعمارهما، واللتين تعدان من أقدم كنائس المشرق، وفق قوله.

أما الصحفي جمال البدراني فيضيف من جانبه، أن افتتاح الجامع النوري بمئذنته الحدباء تشكل حدثا تاريخيا، خاصة أن المنارة الحدباء ترتبط بما وصفه بـ "روحانية" المدينة وهويتها البصرية التي يعرفها العالم، متابعا: "رُبّ ضارة نافعة، حيث إن تفجير الجامع أتاح لفرق التنقيب والإعمار إعادة اكتشاف المصلى الأصلي وغرف الوضوء القديمة، وهو ما يؤكد ارتباط البشر بالحجر، لا سيما في مدينة موغلة في القدم كالموصل".

ويتابع البدراني في حديثه للجزيرة نت، أن إعادة بناء الجامع يحمل رمزية كبيرة بعد أن بات الجامع مرتبطا في ذهن العالم بالظهور الأول لزعيم تنظيم الدولة الذي اتخذه منبرا لإعلان خلافته التي أوغلت في دماء العراقيين، وأن إعادة افتتاحه بحلته القديمة الجديدة بما تضمه من متحف ومصلى من الزجاج ستضيف بعدا سياحيا فريدا للجامع، على حد وصفه.

0 تعليق