الدكتور علي المليجي في حوار خاص لـ«الفجر»: الموظف الحكومي يمتلك كفاءات عالية.. والرهان على العنصر البشري هو مفتاح الإصلاح - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في لحظة فارقة يشهد فيها التعليم العالي والإدارة الحكومية في مصر تحولات كبرى تتماشى مع مستهدفات رؤية مصر 2030، تبرز جامعة إسلسكا كأحد النماذج الرائدة التي نجحت في ربط التعليم بالتنمية، والتدريب بالإنجاز، لتصبح شريكًا استراتيجيًا للدولة في ملف إصلاح وتطوير الجهاز الإداري. فمنذ أكثر من عقد من الزمان، وضعت الجامعة على عاتقها مهمة إعداد كوادر حكومية مؤهلة تمتلك أدوات الإدارة الحديثة، القادرة على قيادة التغيير، وإحداث نقلة نوعية في الأداء المؤسسي.

هذه التجربة لم تأتِ من فراغ، بل انطلقت من قناعة راسخة لدى إدارة الجامعة بأن أي نهضة اقتصادية أو اجتماعية لا يمكن أن تتحقق دون جهاز إداري كفء، قادر على استيعاب متطلبات المرحلة، ومواكبة تطورات العصر. ومع تراكم الخبرات عبر السنوات، استطاعت إسلسكا أن تقدم برامج تدريبية متطورة، لم تقتصر على تطوير المهارات الأكاديمية، بل ركزت على إعادة صياغة عقلية الموظف الحكومي، وإكسابه القدرة على التفكير الاستراتيجي، واتخاذ القرار وفق معايير الحوكمة والشفافية.

وقد ساهمت هذه الجهود في تخريج مئات القيادات الحكومية من مختلف الوزارات والهيئات، بعضهم يشغل اليوم مناصب رفيعة كالوكلاء ورؤساء الهيئات والمديرين التنفيذيين، ما يعكس حجم الأثر المباشر لهذه البرامج على بنية الجهاز الإداري. والأهم أن التجربة غيرت النظرة التقليدية عن الموظف الحكومي باعتباره مجرد عنصر بيروقراطي جامد، لتكشف عن كفاءات حقيقية كانت تحتاج فقط إلى فرصة للتعبير عن نفسها.

وفي هذا الإطار، أجرى موقع الفجر حوارًا خاصًا مع الدكتور علي المليجي، رئيس مجلس أمناء جامعة إسلسكا، الذي فتح قلبه للحديث عن إنجازات الجامعة، وخططها المستقبلية، ورؤيتها لدور التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص في دعم التنمية الشاملة.


س:  في البداية  دكتور علي...ما الذي تعمل عليه جامعة إسلسكا في المرحلة الحالية؟

 

 نحن الآن في خضم مفاوضات بين وزارة التعليم العالي والسفارة الفرنسية، ومع مجموعة من الخبراء في مجال الإدارة، لوضع أسس برنامج جديد يستهدف موظفي الحكومة من سن 25 إلى 30 عامًا. هذا البرنامج يأتي استكمالًا لما بدأناه منذ سنوات، لأننا نؤمن أن نجاح القطاع الخاص لن يكون كاملًا إذا لم يواكبه نجاح موازٍ في القطاع الحكومي. أي تطوير يقتصر على قطاع واحد ويترك الآخر، سيؤدي إلى حالة من العرقلة في مسيرة التنمية. صحيح أن هناك قطاعًا ثالثًا هو منظمات المجتمع المدني، لكنه ليس محل تركيزنا الآن، وربما ندخله في خطط المستقبل، لكن الأولوية الحالية للقطاعين الحكومي والخاص.

032838f9c6.jpg

س: إذن يمكن القول إنكم تواصلون مسيرة بدأت قبل سنوات؟

 بالتأكيد. هذه المسيرة بدأت منذ عام 2013، وتطورت عبر خطط مرحلية. أنجزنا خطة (2020–2025) بنجاح، وحققنا خلالها نتائج ملموسة للغاية. اليوم أصبح لدينا مجموعة من وكلاء الوزارات، ورؤساء الهيئات، والمديرين التنفيذيين، الذين تخرجوا من برامج إدارة الأعمال الحكومية على مستوى دولي. هذا إنجاز كبير يعكس أن الجامعة تتحرك في الاتجاه نفسه الذي تتحرك فيه الدولة لتحقيق أهداف رؤية مصر 2030.

 

س: كيف تقارنون هذه التجربة مع المحاولات السابقة لتطوير الجهاز الإداري؟

 في عام 1974 حاولت الدولة عبر الدكتور علي السلمي – رحمه الله – إطلاق ما عُرف بـ "الثورة الإدارية". لكن التركيز وقتها كان منصبًا على تعديل اللوائح والقوانين، ومنح بعض المهارات البسيطة للموظفين. النتيجة أن المشروع لم يحقق أهدافه المتوقعة، لأنه لم يعالج جوهر المشكلة وهو بناء الإنسان. نحن تعلمنا من هذا الدرس، لذلك ركزنا على العنصر البشري، ونجحنا في ضخ دماء جديدة داخل الجهاز الإداري خلال السنوات الأخيرة.


س: وما طبيعة الدعم الذي حصلتم عليه لتنفيذ هذه البرامج؟

 الدعم كان متنوعًا. بعض الدفعات تم تمويلها عبر جهات دولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فيما تكفلت وزارة التخطيط والمتابعة بتمويل دفعة أخرى. كذلك قدمت وزارة الشباب دعمًا لوجستيًا مهمًا، حيث وفرت أماكن إقامة للمتدربين القادمين من المحافظات، وهذا ساعدنا كثيرًا. الآن نحن نتفاوض مع الحكومة الفرنسية لتقديم مساهمات جديدة. وأؤكد أن المساهمات ليست بالضرورة مادية، فقد يكون الدعم لوجستيًا أو تنظيميًا. المهم أن كل جهة تساهم بما تستطيع.

 

س: وماذا عن نتائج البرنامج بالأرقام؟

 استقبلنا نحو 3000 متقدم، وبعد فرز دقيق اخترنا 1500 منهم. كان المخطط أن يتخرج 300 فقط بدرجة الماجستير في إدارة الأعمال، وأن يحصل الباقون على دبلومات أو شهادات حضور. لكن المفاجأة أن أكثر من ألف متدرب حصلوا على الماجستير بجدارة. هذا دليل على أن الموظف الحكومي يمتلك مستوى متميزًا لم نكن نتوقعه. العقبة الأساسية لديهم كانت اللغة وبعض المهارات التطبيقية، لكن بمجرد تجاوزها أثبتوا كفاءة عالية.

 

س: هل غير ذلك من نظرتكم إلى الجهاز الإداري؟

 بالتأكيد. في البداية كنا نظن أن مستوى موظفي الحكومة محدود، لكن عندما منحناهم الفرصة اكتشفنا العكس. أساتذة الجامعة أنفسهم فوجئوا من قدراتهم، ومن التزامهم، ومن رغبتهم الحقيقية في التعلم. كثير منهم قال إن التجربة غيرت حياته بالكامل. وهذا هو جوهر رسالتنا: أن نتيح الفرصة ليظهر أفضل ما لدى الإنسان.

01636d6faa.jpg

س: كيف يتكامل هذا الدور مع أهداف رؤية مصر 2030؟

 رؤية مصر 2030 تهدف إلى بناء جهاز حكومي كفء وفعال، يتبنى مفاهيم الشفافية والحوكمة، ويستند إلى التكنولوجيا والتحول الرقمي. برامج إسلسكا تسير في هذا الاتجاه، حيث نعمل على تأهيل موظفين يمتلكون القدرة على التفكير الاستراتيجي، واتخاذ القرار، وإدارة المؤسسات وفق معايير عالمية. هذا يضمن أن الجهاز الإداري لن يكون مجرد بيروقراطية جامدة، بل شريكًا فاعلًا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.


س: هل لإسلسكا الدولية في باريس دور في دعم هذه الرؤية؟

 بالتأكيد. إسلسكا باريس هي الحاضنة الأكاديمية الأم، وتمتلك خبرة طويلة في الإدارة والأعمال منذ تأسيسها. نحن نستفيد من هذه الخبرة عبر برامج مشتركة، ومناهج مطابقة للمعايير الدولية، وأساتذة زائرين يثرون التجربة التعليمية في مصر. هذه الشراكة تضيف بعدًا عالميًا لخريجينا، وتجعلهم قادرين على المنافسة ليس فقط داخل الجهاز الحكومي المصري، بل في أي مكان.

س: ما هي خططكم للمرحلة المقبلة؟

 نسعى إلى التوسع في البرامج لتشمل شرائح جديدة من الجهاز الإداري، خاصة مع دخول مصر مرحلة التحول الرقمي. كما أننا نعمل على إدماج التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في مناهج الإدارة العامة، لأن المستقبل لن ينفصل عن هذه الأدوات. هدفنا أن نصل إلى عام 2030 بجهاز إداري حديث يشكل نموذجًا يحتذى به في المنطقة.

a844e8cd5d.jpg

س: كلمة أخيرة  لطلاب المرحلة الحالية. ؟

 أود أن أؤكد أن مصر تمتلك ثروة بشرية عظيمة، تحتاج فقط إلى التدريب والفرصة. وجامعة إسلسكا ملتزمة بدورها الوطني كشريك في بناء جهاز إداري عصري. 
نحن نؤمن أن التعليم هو المدخل لأي إصلاح، وأن تكامل جهود الدولة والقطاع الخاص والشركاء الدوليين هو الطريق لتحقيق التنمية المستدامة.

في ختام هذا الحوار مع الدكتور علي المليجي، رئيس مجلس أمناء جامعة إسلسكا، يتضح أن التجربة التي قادتها الجامعة لم تكن مجرد مشروع أكاديمي عابر، بل رؤية متكاملة تهدف إلى إعادة بناء الجهاز الإداري للدولة على أسس علمية حديثة.
فقد أثبتت النتائج أن الموظف الحكومي، الذي كثيرًا ما ارتبط اسمه بالبيروقراطية، قادر على المنافسة والتميز متى ما أُتيح له التدريب الجيد والدعم المناسب.

ما قامت به إسلسكا خلال السنوات الماضية يُعد نموذجًا عمليًا لشراكة حقيقية بين الدولة والقطاع الأكاديمي والجهات الدولية، وهو ما يتماشى مع أهداف رؤية مصر 2030 لبناء جهاز حكومي كفء وفعال. وبالنظر إلى النجاحات المحققة، فإن الرهان على العنصر البشري يظل هو المفتاح لأي إصلاح حقيقي.

اليوم، ومع التوجه نحو التوسع في البرامج، وإدماج أدوات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، تبدو الخطط المستقبلية للجامعة خطوة ضرورية لمواكبة تحديات العصر. ويبقى الرهان الأكبر هو استثمار طاقات الشباب داخل الجهاز الإداري، باعتبارهم العمود الفقري لمسيرة التنمية.

وبين الطموح والإنجاز، تظل رسالة إسلسكا واضحة: التعليم والتدريب هما السبيل لبناء إنسان قادر على خدمة وطنه بكفاءة. وهو ما يجعل من هذه التجربة قصة نجاح تستحق أن تُروى وتُعمم كنموذج يحتذى به في المنطقة.

0 تعليق