من مهددة بالانقراض إلى حفل لتسمية مواليدها.. ما قصة الغوريلا الرواندية؟ - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حين دعاني مجلس التنمية الرواندي إلى زيارة رواندا تملكتني بعض المخاوف، فعلى كثرة البلاد التي زرتها، هذه هي المرة الأولى التي أذهب فيها إلى بلد أفريقي، فكيف إذا كان بلدا لا نعرف عنه الكثير اللهم إلا ذكريات الإبادة الجماعية في تسعينيات القرن الماضي.

لكن مشاعر الخوف هذه سرعان ما نازعتها دهشة كبيرة، لما عرفت أن على رأس برنامج الزيارة حفل تسمية الغوريلا!

فالحظ لم يسعدني من قبل في مقابلة الغوريلا، ناهيك عن أن أعرف أن لكل واحدة اسما، وأن ثمة حفلا يقام من أجل ذلك!

وكما ذهب خوفي سريعا بمجرد أن وضعت رحالي في العاصمة كيغالي وعاينت بلدا جميلا نظيفا وخالطت شعبا كريما بشوشا، زالت دهشتي حين شاركت في حفل تسمية الغوريلا "كويتا إيزينا" (Kwita Izina) وعرفت أن الأمر أكبر من حفل فلكلوري.

فعلى سفوح التلال الخضراء شمال رواندا، وتحت غطاء الغابات الكثيفة حيث تعيش الغوريلا الجبلية المهددة بالانقراض، ويتحول يوم من أيام سبتمبر/أيلول كل عام إلى عرس بيئي عالمي. وهناك، يتجمع مئات الضيوف من قادة ورؤساء وشخصيات عالمية إلى جانب علماء بيئة وسكان محليين، ليشاركوا في واحد من أبهى طقوس رواندا الحديثة: حفل "كويتا إيزينا".

وفي النسخة الـ20 من المهرجان الحاشد، احتفلت رواندا أول أمس الجمعة، في منتزه فولكانوز الوطني في كينيجي، بتسمية 40 غوريلا جبلية صغيرة، منها 18 وُلدت عام 2024، و22 غوريلا وُلدت العام الذي سبقه.

ولأن رواندا تحتضن أكثر من ثلث الغوريلات الجبلية المتبقية على وجه الأرض، أرادت أن تجعل من كل مولود جديد قصة أمل ورسالة للعالم بأن الحفاظ على الطبيعة ليس ترفًا بل خيار حياة.

وبهذا الطقس الرمزي، يتحول الاسم إلى شهادة ميلاد بيئية، وإلى وعد جماعي بحماية هذه الكائنات المهيبة التي باتت رمزاً وطنياً وروحياً لرواندا.

زوجة رئيس رواندا في المنتصف
جانيت كاغامي زوجة رئيس رواندا (في المنتصف) شاركت في الحفل(الجزيرة)

من المحلي إلى العالمي

ما بدأ كتقليد محلي صغير بات اليوم حدثاً يحضره نجوم السينما ومشاهير الرياضة ورؤساء دول، وتغطيه كبريات وسائل الإعلام. أزياء تقليدية، رقصات أفريقية، أغانٍ حماسية، أزياء زاهية، وخطب تُشعل الحماسة وتذكّر بأن حماية الغوريلا ليست مجرد شأن بيئي، بل أيضاً قصة تنمية وسياحة وفخر وطني.

إعلان

السكان المحليون الذين كانوا يرون في الغابة عائقاً أمام زراعة الأرض، صاروا اليوم شركاء في الحماية، بفضل عوائد السياحة التي تُضَخ في مجتمعاتهم عبر المدارس والعيادات ومشاريع البنية التحتية. وهكذا صار الطفل في قرية نائية يدرك أن الغوريلا التي يحمل أحدها اسماً يعرفه، هي أيضاً سبب وصول الكهرباء إلى منزله.

وشهد الحفل حضورا رسميا كبيرا تقدمه رئيس وزراء رواندا جاستن نسينغيومفا، وسيدة رواندا الأولى جانيت كاغامي، إلى جانب وزراء وسفراء وناشطين.

وفي كلمته، قال رئيس وزراء رواندا إن بلاده "تتشرف بكونها الوصية على آخر غوريلا جبلية، والتي لا تُعدّ كنزا عالميا فحسب، بل مصدر فخر وفرصة اقتصادية لأمتنا".

وأشار نسينغيومفا إلى أن رواندا وضعت خطة طموحة لتوسيع منتزه البراكين الوطني بنحو 25% لضمان مأوىً آمن للجيل القادم من الغوريلا.

ومن أبرز المشاركين في الحفل تنكو علي رضا الدين أمير نيغري سمبيلان في ماليزيا وهو أيضا رئيس الصندوق العالمي للطبيعة، والمخرج السينمائي الأميركي ماثيو هاريس، ولاعبا أرسنال السابقان ماثيو فلاميني وباكاري سانيا، وكذلك لويس غارسيا وخافيير باستوري أسطورتا أتليتكو مدريد وباريس سان جيرمان.

جماهير رواندية حاشدة حضرت حفل تسمية الغوريلا
جماهير رواندية حاشدة حضرت حفل تسمية الغوريلا (الجزيرة)

أسماء تحمل رسائل

ولا تُمنح الأسماء اعتباطا، فكل اسم يحمل قصة ورسالة. أحد الصغار سُمّي "أمل" لأن ولادته تزامنت مع ارتفاع أعداد الغوريلا بعد سنوات من الخطر. آخر جاء اسمه من كلمة محلية تعني "الالتزام" تعبيرا عن التزام رواندا بالحفاظ على البيئة ووعدها بحماية الأجيال القادمة.

ومن الأسماء الجديدة أيضا "مكسب" و"فوز" احتفالا بإنجازات الحفاظ على البيئة التي تحققت بفضل تعاون المجتمع وتفانيه.

وأحيانا تُختار أسماء تذكّر بمكافحة التغير المناخي، أو تعبّر عن التعاون بين الإنسان والحياة البرية. ومن ذلك اسم "الراعي الصالح" الذي اختير ليعكس تفاني موظفي الحديقة في حماية هذه الحيوانات العملاقة اللطيفة يوميًا، وتشجيعهم على رعاية الحياة البرية في رواندا.

وبهذه الرمزية، يتحول الاسم إلى سجل تاريخي صغير يربط الغوريلا بالإنسان وبقضايا الأرض الكبرى. وما إن يُنطق الاسم أمام آلاف الحضور، حتى يدخل "المولود" عالم الشهرة، ويُدرج في السجلات الرسمية للباحثين، ويصبح جزءاً من قصة أوسع عن بقاء هذا النوع النادر.

الملصق الرئيسي لحفل تسمية الغوريلا في رواندا
الملصق الرئيسي لحفل تسمية الغوريلا في رواندا (الجزيرة)

احتفال بالهوية والإنسانية

"كويتا إيزينا" ليس مجرد مهرجان سياحي، بل مرآة لرحلة رواندا في إعادة بناء نفسها بعد عقود من المأساة. إنه إعلان عن ميلاد جديد، ليس للغوريلا فقط، بل للإنسان الذي يتعلم من الطبيعة معنى التوازن والاحترام.

وبينما تصطف الغوريلا الصغيرة لتُمنح أسماءها وسط الزغاريد والضحكات، يشعر الروانديون أنهم أيضاً يمنحون العالم صورة أخرى عن وطنهم تتجاوز جراح الماضي وتكتب قصة مستقبل أكثر إشراقا.

وحين يخرج الزائر من الحفل وقد شاهد غوريلا صغيرا يُمنح اسماً أمام عدسات العالم، يخرج ومعه إحساس بأننا نحن البشر قد نكون أقدر على إنقاذ ما تبقى من جمال هذا الكوكب إذا اخترنا أن نحافظ على الطبيعة وننصت لها، ونحملها معنا كجزء من قصتنا المشتركة.

إعلان

0 تعليق