العلاقات الصينية الروسية محطات من الخصومة والشراكة الإستراتيجية - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ارتبطت الصين وروسيا بعلاقات جوار متقلبة عبر التاريخ، اتسمت بفترات من التعاون الوثيق، وأخرى سادها التنافس والتوتر حول قضايا متعددة أبرزها الاختلافات الأيديولوجية المرتبطة بالمرجعية الشيوعية، إلى جانب النزاعات على الحدود المشتركة الممتدة بين البلدين، والتي وصلت في بعض مراحلها إلى مستوى مواجهات عسكرية حادة.

ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991، تنامت العلاقات الثنائية بين البلدين واتخذت طابعا إستراتيجيا شاملا، قائما على تقاطع المصالح ومواجهة التحديات المشتركة، وتجسد عبر تعاون وثيق في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.

وعزز التقارب بين الجانبين رؤية مشتركة للعلاقات الدولية، تقوم على السعي لإنهاء الهيمنة الأميركية في العالم، والدفع نحو بناء عالم جديد متعدد الأقطاب، فضلا عن موقف موحد يجمعهما على الصعيد الإقليمي، يهدف إلى التكامل الاقتصادي وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

وتعمقت العلاقات الثنائية بعد استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، ووصلت أوجها بعد الحرب الروسية على أوكرانيا عام 2022، حين دفعت العقوبات الغربية روسيا إلى الاعتماد على الدعم السياسي والاقتصادي الصيني.

العلاقات التاريخية

بدأت العلاقات المباشرة بين البلدين منذ القرن الـ17، مع توقيع روسيا القيصرية وإمبراطورية تشينغ الصينية معاهدة نيرشينسك عام 1689، تلتها معاهدة كياختا عام 1727.

وأسهمت المعاهدتان في تنظيم العلاقات بين الجانبين حتى منتصف القرن الـ19، عبر وضع أسس السلام والتجارة بينهما، إلى جانب ترسيم بعض معالم الحدود المشتركة.

واتسمت تلك الفترة غالبا بالتوازن بين قوى البلدين، ولكن بحلول منتصف القرن الـ19، استغلت روسيا ضعف الصين وانتشار الاضطرابات الداخلية فيها، لبسط هيمنتها على مساحات واسعة من الأراضي الصينية، وذلك عبر معاهدة أيغون عام 1858 ومعاهدة بكين عام 1860، اللتين تعتبرهما الصين "غير عادلتين".

وأثناء ثورة الملاكمين، التي اندلعت بين العامين 1899 و1901، ضد تنامي الهيمنة الغربية واليابانية، شاركت القوات الروسية ضمن قوات التحالف الثماني الدولية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وإيطاليا واليابان والإمبراطورية النمساوية المجرية والولايات المتحدة الأميركية) للقضاء على الثورة التي أعقب إخمادها إخضاع الصين لشروط قاسية ومذلة.

إعلان

وأدت روسيا القيصرية دورا محوريا في دعم استقلال منغوليا الخارجية. وبمقتضى معاهدة روسية صينية منغولية مشتركة عام 1915، حصلت منغوليا رسميا على الحكم الذاتي تحت السيادة الصينية قبل استقلالها التام عام 1921.

وعام 1945، استعاد الجيش السوفياتي منشوريا من اليابانيين، ودعم الجماعات الشيوعية الصينية لتمكينها من السيطرة على البلاد، وهو ما مهد لقيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949.

وسارع الاتحاد السوفياتي إلى الاعتراف بالحكومة الصينية الجديدة، في حين عزز الزعيم الصيني ماو تسي تونغ التعاون مع السوفيات، عبر إبرام معاهدة الصداقة والتحالف والتعاون المتبادل بين البلدين في فبراير/شباط 1950، والتي أسست لعلاقات ثنائية وثيقة تستند إلى تعاون اقتصادي وعسكري وتكنولوجي.

أزمة الانقسام

بحلول أواخر خمسينيات القرن الـ20، بدأت العلاقة بين الجانبين بالتصدع، وأبرزت الأحداث تباين المصالح الوطنية بين الدولتين. ففي عام 1959، اتخذ السوفيات موقفا محايدا من الاشتباكات على الحدود الصينية الهندية، حفاظا على علاقاتهم مع الهند، مما أثار سخط الصينيين، بسبب ما اعتبروه تخلف موسكو عن الالتزام بما يقتضيه التحالف بينهما.

وعلاوة على ذلك، أسهمت في تعميق الانقسام الخلافات الأيديولوجية بين الطرفين، والتي تجلت في تفسيرات متباينة للماركسية اللينينية وتصورات متضاربة لدور كل دولة منهما في الحركة الاشتراكية العالمية، وبدت الصين مستاءة من تخلفها في التسلسل الهرمي الشيوعي عن روسيا.

ونظر السوفيات إلى الصين، إبان الثورة الثقافية الصينية التي اندلعت الفترة بين 1966 و1976، على أنها "منحرفة ويسارية" في الوقت الذي صنف الصينيون الاتحاد السوفياتي عدوا للثورة.

وزاد من تصاعد التوتر اشتعال الخلافات مجددا على الحدود المشتركة بينهما، مما أدى نهاية المطاف إلى تحول النزاع لاشتباكات عسكرية شديدة في مارس/آذار 1969، وفي حينها اعتبر الاتحاد السوفياتي الصين خصما رئيسيا، ونشر حوالي مليون جندي وترسانة من الصواريخ الباليستية على طول الحدود المشتركة.

وأسهم الانقسام في تقارب العلاقات الصينية الأميركية أوائل سبعينيات القرن الـ20، وبدأت الصين تأخذ منحى مختلفا في السياسات الاقتصادية والخارجية بعيدا عن الاتحاد السوفياتي.

ومنذ أوائل ثمانينيات القرن العشرين، حاولت موسكو إصلاح علاقتها مع الصين، مدفوعة بالعزلة التي خضعت لها من قِبل الدول الغربية، والعقوبات الاقتصادية الخانقة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة بعد غزو أفغانستان عام 1979، والأزمة البولندية الفترة بين 1980 و1981.

وفي تلك الحقبة، كان الزعيم الصيني دينغ شياو بينغ يسعى إلى تهيئة بيئة داعمة للتنمية الاقتصادية، ورأى أن التقارب مع الاتحاد السوفياتي يخدم هذه الغاية، لا سيما مع حاجة الصين المتزايدة إلى الوقود الذي شكلت روسيا الوجهة الأمثل لاستيراده.

ومن جانب آخر، لم تلبّ العلاقة مع الولايات المتحدة طموحات بكين، فقد كانت تُمارس سياسة مزدوجة في التعامل مع قضية تايوان، فسعى بينغ لتحقيق توازن إستراتيجي مضاد للنفوذ الأميركي عبر توطيد العلاقات مع موسكو.

إعلان

وفي يوليو/تموز 1986، أطلق الرئيس الأخير للاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف سياسة "التوجه نحو آسيا" والتي تكللت بتطبيع العلاقات مع الصين عام 1989، أثناء زيارة رسمية من غورباتشوف إلى بكين.

شراكة إستراتيجية شاملة

شكل انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر عام 1991، نقطة تحول في العلاقات الروسية الصينية، إذ بادرت الصين بدعم روسيا لتشغل مقعد الاتحاد السوفياتي في الأمم المتحدة، وفي المقابل التزمت روسيا بتنفيذ المعاهدات والاتفاقيات التي وقعها الاتحاد مع الصين سابقا.

وأثناء زيارة الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين إلى الصين في ديسمبر/كانون الأول 1992، وقع الجانبان وثيقة صداقة وتعاون، رافقتها 24 اتفاقية شراكة في مجالات مختلفة.

وفي سبتمبر/أيلول 1994، تطورت العلاقة إلى مستوى "الشراكة البناءة" كما أطلق عليها بيان مشترك إبان زيارة الرئيس الصيني جيانغ تسه مين إلى روسيا، التزم البلدان فيها بعدم البدء باستخدام الأسلحة النووية ضد بعضهما البعض.

وتعززت العلاقات الثنائية في زيارة جيانغ لروسيا عام 1995، حينها تبادل الجانبان الدعم في قضايا سياسية حساسة، فقد أعربت روسيا عن معارضتها انضمام تايوان إلى الأمم المتحدة، مؤكدة دعمها وحدة الصين، في حين شددت الصين على أن مسألة الشيشان شأن داخلي روسي لا يحق لأي دولة أخرى التدخل فيه.

وفي أبريل/نيسان 1996، ارتقى التعاون بين البلدين إلى مستوى أُطلق عليه "شراكة إستراتيجية" في إشارة إلى رفع مستوى التعاون بينهما على كافة الأصعدة، لا سيما مجال التجارة، فقد قرر البلدان زيادة حجم تجارتهما الثنائية إلى 20 مليار دولار بحلول القرن الـ21، إضافة إلى الدعم المتبادل فيما يتعلق بأمن واستقرار البلدين وسلامة حدودهما.

وشهدت العلاقات الثنائية ازدهارا بعد تولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السلطة عام 2000، خاصة بعدما وقّع الجانبان معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي عام 2001، التي أرست الأساس لتطور سريع ومتصاعد للعلاقات، ورفعت مستوى التعاون في مجالات عدة، أهمها التجارة والاقتصاد والأمن والجانب التقني والطاقة ومكافحة الإرهاب.

وفي العقد الأول من القرن الـ21، توصلت الصين وروسيا إلى حل نهائي لنزاعهما الحدودي، الذي يمثل نقطة الخلاف الرئيسية بينهما، وذلك عبر اتفاقيتين وُقعتا عامي 2004 و2008، سبقهما سلسلة من الاتفاقيات الأولية أعوام 1991 و1994 و1997.

وواصل الجانبان الارتقاء بالعلاقات الثنائية، التي تحولت عام 2011 إلى ما سُمي "شراكة تعاون إستراتيجية شاملة" ثم تطورت عام 2019 إلى"شراكة التنسيق الإستراتيجية الشاملة في العصر الجديد" وفق التصريحات الرسمية.

وعقب توليه السلطة عام 2012، سعى الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى تعميق التقارب مع روسيا. ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقات الثنائية تطورا مستمرا، وشهد البلدان سلسلة مكثفة من اللقاءات بين القادة، لا سيما بين بوتين وشي، وتجاوزت لقاءاتهما 40 لقاء حتى عام 2025.

وكان لقرار الصين بعدم معارضة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 دور محوري في تمتين العلاقة بين البلدين. وفي أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، لجأت موسكو إلى تكثيف تحالفها مع الصين على كافة الأصعدة للتخفيف من آثار العزلة الدولية والعقوبات الغربية المفروضة عليها.

التعاون على الصعيد الدولي

تقوم الشراكة الروسية الصينية في الساحة الدولية على مرتكزات أساسية أبرزها الحد من النفوذ المتنامي للولايات المتحدة، وبناء نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب لا تهيمن فيه دولة على أخرى.

وكانت روسيا قد تبنت في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي سياسة خارجية موالية للغرب، سعيا للحصول على دعم اقتصادي والاعتراف بها قوة مكافئة للولايات المتحدة، غير أن الواقع جاء دون مستوى التوقعات.

إعلان

وواجهت روسيا بعد عام 1995 ضغط توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقا بقيادة الولايات المتحدة، كما واجهت الصين ضغوطا أميركية بشأن حقوق الإنسان، وتدخلا غربيا في مسألة سيادتها على تايوان، مما دفع البلدين إلى توحيد جهودهما في الساحة الدولية لمواجهة التحديات المشتركة.

وفي أبريل/نيسان 1996، وقع الطرفان بيانا مشتركا في بكين شددا فيه على ضرورة إقامة نظام سياسي دولي عادل، ودعمت الصين رفض روسيا توسع حلف الناتو شرقا، بينما التزمت روسيا بتعزيز التعاون الإستراتيجي مع الصين لضمان استقرار وسلامة الحدود المشتركة وكذلك حدودهما مع دول آسيا الوسطى.

وتمثل الحرب الروسية على أوكرانيا (اندلعت في 24 فبراير/شباط 2022) إحدى أكبر الإشكاليات التي تواجه الصين في علاقتها مع روسيا، إذ يتعارض الغزو مع سياسة الصين القائمة على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. لذلك التزمت الحياد، ولكنها امتنعت عن التصويت على أي قرار يدين الأعمال الروسية في أوكرانيا، وألقت اللوم على الولايات المتحدة والناتو في استفزاز روسيا، وعدم احترام المصالح الأمنية الروسية.

وتتبادل روسيا والصين الدعم في المحافل الدولية، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، ويملك كل منهما حق النقض (الفيتو) في المجلس. ومنذ عام 2004، عملا على تنسيق مواقفهما عند استخدام هذا الحق، لا سيما في القرارات المنحازة للمصالح الغربية برأيهما، أو التي تمس السيادة الوطنية.

ويسعى الجانبان إلى الحفاظ على الأمن الإقليمي وتعزيز الاستقرار وحماية مصالحهما المشتركة في العالم لا سيما في آسيا الوسطى، وأسهمت الدولتان في إنشاء عدد من المنظمات متعددة الأطراف التي تهدف إلى تعزيز التعاون الدولي والحد من نفوذ الولايات المتحدة.

وعام 2001، أسست روسيا والصين إلى جانب دول أخرى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي حكومية دولية تهدف إلى تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني الإقليمي بين عدد من الدول الأوراسية، إضافة إلى الاهتمام  بمجالات أخرى من ضمنها الثقافة والتعليم والسياحة وحماية البيئة والتكنولوجيا.

وتمثل هذه المنظمة ما يقارب نصف سكان العالم وحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتضم 10 دول أعضاء هي الصين والهند وروسيا وباكستان وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وبيلاروسيا، إضافة إلى 14 دولة بصفة مراقب أو شريك.

كما أسهم البلدان كذلك في تأسيس مجموعة البريكس، وهي من أهم التكتلات الاقتصادية في العالم، وتضم روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا ومصر وإثيوبيا وإيران والإمارات وإندونسيا. وعام 2025، انضمت كل من بيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وكازاخستان وماليزيا وتايلند وفيتنام وأوغندا وأوزبكستان، تمهيدا للعضوية الرسمية.

وتهدف المجموعة إلى كسر هيمنة الدولار الأميركي على الاقتصاد العالمي، وتعزيز أطر التعاون بين الأعضاء في مجالات التجارة والتكنولوجيا والاستثمار، وتوسيع دورهم في الحوكمة العالمية.

وكذلك انضمت الصين وروسيا إلى منظمة التجارة العالمية، وغالبا ما ينسق البلدان مواقفهما في قضايا التجارة العالمية، وخصوصا ما يتعلق بمواجهة المقترحات الغربية التي يعتبرانها تضر باقتصادهما أو تنتهك سيادتهما.

التعاون الاقتصادي

شهدت العلاقات الاقتصادية بين الصين وروسيا توسعا كبيرا منذ تسعينيات القرن الـ20، وعام 1996 قرر البلدان زيادة حجم تجارتهما الثنائية إلى 20 مليار دولار حتى نهاية القرن.

وعام 1997، وقّع البلدان اتفاقية تجارية تشمل الفترة ما بين عامي 1997 و2000، وقررا إنشاء لجنة تنسيق التجارة الحدودية والتعاون الاقتصادي والتجاري الإقليمي، كما ناقشا مجموعة من البرامج الاقتصادية المشتركة، أبرزها بناء خط أنابيب غاز يمتد من شرق سيبيريا إلى شمال شرق الصين.

وعام 1998 أبرم الطرفان اتفاقيات عدة، من بينها اتفاقية بناء محطة للطاقة النووية بمدينة ليانيونقانغ، كما ناقشا التعاون في مجموعة واسعة من المشاريع، بمجالات منها تكنولوجيا الطيران والفضاء وبناء الآلات وتأسيس شبكة طاقة حرارية في الصين.

وقد نمت التجارة باطراد بين البلدين منذ بداية القرن الـ21، ووفق أرقام موقع "تشاينا باور" تضاعفت التجارة السنوية للصين مع روسيا من 8 مليارات دولار عام 2000 إلى 55.5 مليار دولار عام 2010، أي بما يعادل 6 أضعاف.

إعلان

وتصاعد حجم التبادل التجاري بشكل قياسي بعد الحرب الروسية الأوكرانية. وبحلول عام 2024، بلغ 245 مليار دولار، أي أكثر من ضعف الرقم المسجل عام 2020، وفق بيانات معهد ميركاتور للدراسات الصينية.

وحتى عام 2006 كان النمو التجاري بين البلدين ناجما عن زيادة الصادرات الروسية إلى الصين، ولكن الميزان التجاري تحول لصالح الصين منذ عام 2007، وواصلت الصادرات الصينية إلى روسيا الارتفاع، مدفوعة بالحاجة إلى المنتجات الاستهلاكية اليومية فى الشرق الأقصى الروسي وسيبيريا.

وتسببت العقوبات الغربية على روسيا، بعد حربها ضد أوكرانيا، في اختلال حاد للميزان التجاري بين البلدين، وأصبح اعتماد روسيا على الصين يفوق بكثير اعتماد جارتها عليها. وفي حين أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لروسيا، اعتبارا من عام 2023، تمثل روسيا سادس أكبر شريك تجاري للصين، وفق بيانات مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.

وتُشكّل المواد الخام ومنتجات الطاقة معظم الصادرات الروسية إلى الصين، بينما تتكون صادرات الصين من منتجات استهلاكية مصنعة مثل السيارات والجرارات والإلكترونيات.

وتهيمن الطاقة على التجارة بين الصين وروسيا، وقبيل الحرب على أوكرانيا وقعت الصين على اتفاقية لتوريد الغاز الروسي عبر خط أنابيب جديد طاقته 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، وكان البلدان قد أبرما صفقة عام 2014 هدفت إلى إمداد الصين بـ38 مليار متر مكعب من الغاز سنويا مدة 30 سنة.

ومن جانب آخر، كان للاستثمارات المتبادلة دور أساسي في تعزيز النمو الاقتصادي والتكامل بين البلدين، وتستثمر الشركات الصينية في روسيا ضمن قطاعات متنوعة، أهمها: تطوير البنية التحتية والعقارات وقطاع التصنيع، بينما نشطت الشركات الروسية في الاستثمار بالسوق الاستهلاكية في الصين.

وعام 2022، توقفت الاستثمارات الصينية الرئيسية في روسيا نظرا لخطر العقوبات الثانوية الأميركية المحتملة. وفي المقابل، بدأت الشركات الروسية بالقيام باستثمارات كبيرة في الصين، كما تعتمد روسيا على الشركات والبنوك الصينية باستثمارات حيوية في بنيتها التحتية للطاقة والاتصالات.

وقد تعززت العلاقات المالية بين البلدين، بتوسيع استخدام العملات الوطنية في التجارة والاستثمارات الثنائية، في إطار تقليل الاعتماد على الدولار، وحماية اقتصادهما من تأثير العقوبات الأميركية المحتملة والتقلبات المالية.

التعاون الأمني

يمثل التعاون الأمني بين الصين وروسيا أحد أهم مقومات الشراكة الإستراتيجية، ويشمل المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة، إضافة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية والتطوير المشترك لأنظمة الأسلحة.

ويُجري البلدان، منذ بداية القرن الـ21، مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة على الصعيدين الإستراتيجي والتكتيكي، تشمل تدريبات بحرية وجوية في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وقد تزايدت وتيرة التدريبات ومدى نطاقها وتعقيدها بمرور الزمن، وأسهمت في تعزيز التوافق التشغيلي والثقة المتبادلة بين الجيشين.

وتشكل صفقات الأسلحة ونقل التكنولوجيا الدفاعية محورا مهما في العلاقات العسكرية بين الصين وروسيا، ومنذ خمسينيات القرن الـ20، كانت روسيا المصدر الرئيسي لمعظم المعدات العسكرية التي تستوردها الصين، والتي شملت معدات عسكرية متقدمة، أبرزها: الطائرات المقاتلة والغواصات وأنظمة الصواريخ.

ولكن استيراد الصين للأسلحة انخفض بمرور الزمن بسبب تقدم صناعاتها الدفاعية، وأصبحت تنتج معظم أسلحتها الخاصة، وباتت واحدة من أكبر مصادر الأسلحة في العالم.

ويتعاون البلدان في تطوير أنظمة الأسلحة، بما في ذلك مشروع تطوير أنظمة الإنذار الصاروخي، كما يعززان تعاونهما في مجال الفضاء، وذلك بدمج أنظمة الملاحة القائمة على الأقمار الصناعية.

ولا يرتقي التعاون العسكري بين البلدين إلى مستوى اتفاقية دفاع مشترك، بل هو بمثابة تحالف غير ملزم، إذ لا تلزم الاتفاقيات الموقعة أيا من الطرفين بالدفاع عن الآخر.

ولذلك لم تُقدم بكين مساعدات عسكرية لدعم روسيا في حربها على أوكرانيا، تجنبا للعقوبات الغربية التي يمكن أن تطالها. ومع ذلك تشير التقارير إلى أنها تزودها بسلع ذات استخدام مزدوج تخدم قاعدتها الصناعية الدفاعية، أبرزها سلع عالية التقنية مثل أشباه الموصلات ومعدات الحفر الثقيلة وأجهزة الراديو والمركبات الثقيلة المستخدمة بالخدمات اللوجستية.

0 تعليق