القدس المحتلة- تتصاعد وبوتيرة متسارعة منذ اندلاع حرب الإبادة في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، حملات المقاطعة الشعبية والمؤسساتية للعلامات التجارية والشركات الداعمة لإسرائيل.
ولم تعد هذه المقاطعة مجرد فعل رمزي أو تضامني، بل تحولت إلى أداة ضغط اقتصادي وسياسي ملموسة، انعكست آثارها على أداء الشركات العالمية والإسرائيلية على حد سواء.
وسجلت الشركات العالمية المستهدفة بالمقاطعة، خاصة في الأسواق العربية والإسلامية، انخفاضا حادا في مبيعاتها وتراجعا في قيمتها السوقية بعشرات المليارات.
وعززت مقاطعة العلامات التجارية الداعمة لإسرائيل ثقافة الاستهلاك الواعي، ما ساهم في ازدهار الصناعات الوطنية والبدائل المحلية عربيا وإسلاميا على حساب العلامات التجارية العالمية.
النتائج المباشرة للمقاطعة
وأعطت التحركات الأخيرة، وعلى رأسها قرار صندوق الثروة السيادي النرويجي، الأكبر في العالم بأصول تتجاوز تريليوني دولار، سحب استثماراته من شركات إسرائيلية وداعمة للاحتلال، زخما كبيرا لهذه الحملة، لتشكل نقطة تحول في علاقة الاقتصاد الإسرائيلي بالأسواق العالمية.
وفي مؤشر يعكس انسحاب استثمارات أجنبية إستراتيجية من السوق الإسرائيلي، أعلن الصندوق النرويجي منذ أغسطس/آب 2024، بيع حصصه في 11 شركة إسرائيلية من أصل 61 شركة، بما في ذلك شركات اتصالات وطاقة وبنوك، وهو الإعلان الذي شكّل صدمة قوية داخل الأوساط الاقتصادية الإسرائيلية.
وتجمع القراءات الإسرائيلية على أن الخطر لا يكمن فقط في انسحاب الاستثمارات الرسمية والمؤسساتية فحسب، بل أيضا في تصاعد حملات المقاطعة الشعبية العالمية التي بدأت تضغط على العلامات التجارية الكبرى وتؤثر على قراراتها التسويقية والمالية.

الصدمة الاقتصادية والسياسية
واعتبرت وسائل الإعلام الاقتصادية الإسرائيلية، مثل صحيفة "ذا ماركر"، خطوة الصندوق النرويجي "غير مسبوقة" وحذرت من تداعياتها، مؤكدة أن الاستهانة بها قد تكون خطأ إستراتيجيا.
إعلان
وحذّر المحلل الاقتصادي في صحيفة "ذا ماركر"، حجاي عميت، في مقال له من خطوة الصندوق النرويجي، حيث لا يستبعد أن تحذو صناديق استثمارية أخرى، أوروبية أو آسيوية، حذو النرويج، بما ينذر بانسحاب أوسع من السوق الإسرائيلي.
ولفت إلى أن أخطر التداعيات قد تطال قطاعي التكنولوجيا المتقدمة والصناعات العسكرية الأمنية، اللذين يشكلان نحو 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، إذ يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بدرجة كبيرة على الاستثمارات الأجنبية في هذين القطاعين.
عزلة اقتصادية تدريجية
وعن التداعيات بعيدة المدى لسحب الاستثمارات الأجنبية من الشركات الإسرائيلية أو المقاطعة، يقول مراسل الشؤون الاقتصادية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" غاد ليئور: "استمرار المقاطعة قد يدفع إسرائيل لمواجهة شكل من أشكال العزلة الاقتصادية" الشبيهة بتجربة جنوب أفريقيا قبل سقوط نظام الفصل العنصري.
ولفت إلى أن التراجع في الاستثمارات الأوروبية يعكس تغيرا تدريجيا في المزاج السياسي الاقتصادي، ومؤشرا لإعادة تشكيل علاقات إسرائيل بالغرب، خاصة بعد رأي محكمة العدل الدولية الذي وصف الاحتلال بأنه غير قانوني.
ويعتقد ليئور أنه مع اتساع قاعدة المقاطعة، تتزايد المخاوف داخل إسرائيل من أن تتحول هذه الحملة إلى أداة ضغط سياسي ممنهج، تدفعها لتنازلات في الملف الفلسطيني عموما والحرب على غزة على وجه التحديد.
وحيال ذلك، يتوقع المراسل الاقتصادي حدوث انسحابات استثمارية محدودة لكنها رمزية من صناديق أوروبية، مع تصاعد المقاطعة الشعبية للعلامات التجارية في الأسواق العربية والإسلامية وتراجع مبيعات موسمية.
وأمام هذه المستجدات، يقول ليئور: "تواجه إسرائيل ضغطا إعلاميا ومعنويا متزايدا، وتقلبات في أسهم شركات استهلاكية واتصالات، مع استنزاف حكومي في مواجهة المقاطعة أو منع سحب الاستثمارات الأجنبية".
العلامات التجارية العالمية تهجر إسرائيل
وأكد رئيس اتحاد غرف التجارة في إسرائيل، شاحر ترجمان، أن الأوضاع الاقتصادية باتت أكثر صعوبة، إذ لم تعد أي علامة تجارية عالمية ترغب في دخول السوق الإسرائيلي في الوقت الراهن، وهو أمر يمكن تفهّمه.
وأوضح ترجمان، في حديثه للموقع الإلكتروني "والا"، أن رجال الأعمال الإسرائيليين يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على امتيازات دولية، لدرجة أن بعض العقود الموقعة أُوقفت بالفعل، ما يجعل استقدام علامات تجارية جديدة شبه مستحيل.

وأشار ترجمان إلى أن مبيعات مراكز التسوق تراجعت بشكل حاد منذ بداية أغسطس/آب، متأثرة بالحالة المزاجية المتدهورة للمستهلكين. وحذر من الخطوات الحكومية المتسرعة، خاصة فيما يتعلق بالمقاطعة التركية المتوقعة، معتبرًا أن "الدخول في حرب تجارية سيكون تصرفا غير مسؤول".
وختم بالقول إن الوضع الحالي معقّد، لكن في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع دول عربية وإسلامية، يمكن أن تنقلب المعادلة وتفتح السوق أمام طفرة من العلامات التجارية العالمية التي تنتظر الظروف المواتية للدخول إلى إسرائيل.
الاقتصاد الإسرائيلي أمام مأزق جديد
وحذّر المعلق في الشؤون المصرفية والمالية، سامي بيريتس، من أن استمرار الحرب على غزة واتساع نطاقها قد يفتح الباب أيضا أمام مقاطعة أوروبية شاملة لإسرائيل، الأمر الذي قد يقود إلى عام ثالث من تدهور مستويات المعيشة.
إعلان
وأشار بيرتس، في مقال له في صحيفة "هآرتس"، إلى أن فرض عقوبات أوروبية أو مقاطعة تجارية لن يقتصر أثرها على التبادل التجاري، بل سيدفع المستثمرين الأجانب إلى الهروب، في حين ستبحث الكفاءات المحلية عن بدائل خارجية أكثر استقرارا.
ولفت إلى أن مؤشرات إنذار اقتصادي تظهر أن بريطانيا جمدت مفاوضات اتفاقية تجارية، وأن 17 دولة أوروبية تؤيد مراجعة اتفاقية الشراكة، وتركيا سبقت بالفعل إلى فرض مقاطعة تجارية.
ورغم أنّ إسرائيل استطاعت حتى الآن امتصاص تداعيات المقاطعة التركية، فإن بيرتس يحذر من أن أي مقاطعة أوروبية واسعة النطاق قد تُلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد الإسرائيلي، وتفرض ضغوطا إضافية على الإسرائيليين بعد 3 أعوام من ارتفاع الضرائب وتراجع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
0 تعليق