كتب محمد الجمل:
دخل العدوان الإسرائيلي المتصاعد على مدينة غزة مرحلة جديدة أكثر خطورة، بعد إصدار الاحتلال أوامر إخلاء لكافة أحياء المدينة، بينما يعيش من تبقى في غزة أياماً وساعات ثقيلة.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من مدينة غزة، منها مشهد يرصد حال الناس بعد صدور أوامر إخلاء شاملة للمدينة، ومشهد آخر بعنوان "أيام ثقال"، ومشهد ثالث يرصد المخاوف من عزل المدينة وقطع الاتصالات عن العالم.
إخلاء مدينة غزة
استقبل سكان مدينة غزة يومهم الجديد أمس، بأوامر إخلاء شاملة لكافة أنحاء المدينة، طالب الاحتلال من خلالها جميع المواطنين والنازحين في غزة، بإخلائها من خلال شارع الرشيد الساحلي، باتجاه "المنطقة الإنسانية"، في مواصي خان يونس.
ورغم أن الأوامر المذكورة كانت متوقعة، إلا أنها أحدثت حالة من الإرباك والبلبلة في صفوف المواطنين، ممن انقسموا إلى قسمين، الأول بدأ بالفعل بالنزوح، وآخرون رفضوا ترك غزة، وأصروا على البقاء في بيوتهم وخيامهم.
ولوحظ حركة نزوح نشطة من خلال شارع الرشيد الساحلي باتجاه جنوب القطاع، بينما انهمك مواطنون في البحث عن وسائل مواصلات تنقلهم باتجاه الجنوب، في حين أكد آخرون أنهم لا يمتلكون مالاً للنزوح.
وقال المواطن محمود محسن، إن هناك انقساماً في الآراء في صفوف أفراد عائلته، فهو وزوجته وأبناؤه قرروا النزوح، بينما رفض باقي أشقائه وعائلاتهم، ووالده ترك المدينة، وأصروا على البقاء في غزة.
وأكد محسن أنه وصل جنوب قطاع غزة ولا يعرف أين سيذهب، ولا يوجد مكان يمكن أن يُقيم فيه، وبدأ رحلة بحث عن قطعة أرض، وخيمة، وشوادر، دون أن يعرف إلى أين ستصل الأمور عنده.
وأوضح أن من بقي في مدينة غزة، يتجمعون حالياً في غربها، والناس بدأت تشكل كتلة بشرية كبيرة غرب المدينة.
بينما أكد مواطنون رفضوا النزوح عن المدينة، أن تركها بلا سكان سيحولها إلى رفح جديدة، لذلك لن يقوموا بإخلائها مهما حدث، وهم مستعدون لأي سيناريو مهما بلغت خطورة الوضع في المدينة.
وكانت وزارة الصحة في القطاع، أعلنت رفضها إخلاء المستشفيات في مدينة غزة، واستمرار العمل فيها دون توقف، بينما أكدت مؤسسات دولية وإغاثية استمرار وجودها في المدينة.
أيام ثقال
يعيش المواطنون في مدينة غزة أياماً ثقال، لا يهنئون خلالها بالراحة والأمان لحظة، ولا تتوقف فيها الغارات والقصف.
ومنذ بداية الأسبوع الجاري دخل العدوان المتصاعد على المدينة مرحلة جديدة، اتسمت بالعنف والدموية، والتوسع، بحيث باتت العمليات البرية تشمل أكثر من نصف مساحة المدينة، في حين القصف الجوي يستهدف جميع المناطق بلا استثناء.
ويقول المواطن أكرم راضي، ويعيش وعائلته في حي النصر غرب مدينة غزة، إنه لم يسبق أن عاش أياماً أصعب كتلك التي يعيشها حالياً، فالضغط الإسرائيلي على من تبقى في المدينة تضاعف في الأيام الماضية، والغارات والقصف المدفعي يتواصل ليلاً نهاراً، وتفجير الروبوتات المفخخة يهز أركان المدينة.
وأوضح راضي أنه قرر وعائلته أن لا ينزحوا من المدينة، لعدم قدرتهم على خوض رحلة نزوح جديدة، لاعتبارات مادية، ونفسية، وعدم توفر أماكن يمكن أن يلجؤون إليها في حال قرروا النزوح.
وأكد راضي أن الاحتلال يُدفعهم ثمن قرارهم البقاء في المدينة، ويشعرون أن حياتهم باتت مهددة، والقصف والأحزمة النارية في محيط المنطقة التي يعيش فيها تصاعدت كثيراً في الساعات الماضية.
وأوضح راضي أن الناس في غزة يعيشون أهوالاً غير مسبوقة، ويتنقلون من مكان لآخر داخل المدينة بحثاً عن الأمان المفقود، وكلهم أمل بأن تحدث معجزة توقف الكارثة التي باتت على الأبواب.
وأشار إلى أنهم يحاولون التعايش والتأقلم مع الوضع الراهن، لكن يبدو أن هذا الأمر صعب، خاصة بعد إصدار أوامر الإخلاء، فالانفجارات العنيفة تحرمهم من النوم، وتطاير الشظايا في محيطهم يجعلهم مهددين في كل الأوقات، وللأسف ما يحدث في غزة يجري دون أن يحرك أحد ساكن.
بينما أكد مواطنون من سكان المدينة، أن الغارات على غزة غير مسبوقة من ناحية الكثافة، ومن ناحية استخدام قنابل كبيرة، تحدث دماراً هائلاً، وتنشر الرعب في كل مكان.
وقال المواطن محمد ياسين إن ما يحدث في المدينة شيء لا يمكن وصفه، وما تنقله عدسات الكاميرات وأقلام الصحافيين جزء يسير من أحداث متلاحقة في المدينة.
وأشار إلى أنه وغيره من المواطنين باتوا يتمنون ولو ساعة دون قصف أو انفجارات، ناهيك عن أصوات المُسيرات التي لا تفارق الأجواء طوال الوقت، وهذا كله يتزامن مع تصاعد الحرب النفسية، واستمرار الاتصالات وإلقاء منشورات على السكان، لدعوتهم على النزوح.
وأكد ياسين أن غالبية سكان المدينة حسموا قرارهم، ورغم الأهوال التي يتعرضون لها، لن ينزحوا عن المدينة، ويبدو أن القادم سيكون صعباً، وفق تعبيره.
غزة مُهددة بالعزلة
تشهد غالبية الخدمات الأساسية في مدينة غزة تقطيع وتشويشات كبيرة، وسط تحذيرات من توقفها كلياً، لاسيما خدمات الهاتف والإنترنت.
وجراء سياسة استهداف الأبراج والعمارات المرتفعة، دُمرت العديد من مقويات الإرسال، والأبراج الهوائية، الخاصة بشبكات الاتصالات الخلوية والإنترنت في المدينة، ما أحدث تشويشات على الخدمة، وأخرج مناطق واسعة من المدينة من دائرة الخدمات المذكورة.
ويعاني سكان المدينة من صعوبات في التواصل مع العالم الخارجي، خاصة بعد تدمير الأبراج المذكورة، في حين يضطر بعضهم للاعتماد على شبكات اتصال إسرائيلية، في محاولة للبقاء على تواصل مع العالم.
وأعرب مواطنون من سكان المدينة عن خشيتهم من أن يقوم الاحتلال بقطع جميع أشكال الاتصالات الأرضية والخلوية وشبكات الإنترنت عن المدينة، ما يتسبب بخلق عزلة تامة عن العالم.
وحذّر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من خطر وشيك لانقطاع كامل في شبكات الاتصالات والإنترنت في القطاع خاصة مدينة غزة، بفعل الاستهداف المتعمد والمتكرر من جيش الاحتلال للأبراج السكنية والبنايات العالية في المدينة، في إطار العدوان العسكري الشامل الذي أعلنت عنه إسرائيل، والذي يهدف صراحة إلى تدمير البنية التحتية المدنية وتهجير السكان قسراً، بما يشكّل صورة صارخة من صور الاقتلاع القسري للفلسطينيين من أرضهم وتغيير واقعهم الديمغرافي قسراً، وذلك في سياق جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 23 شهراً.
وقال "المرصد" إنّه وثّق استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي ظهر الجمعة الماضية برج "مشتهى" المكوّن من 15 طابقاً غرب مدينة غزة بخمس قنابل شديدة الانفجار، ما أدّى إلى تدميره بالكامل وتضرر مئات الخيام المجاورة، موضحاً أن المباني متعددة الطوابق غالباً ما يُثبّت على أسطحها أبراج لاسلكية لشركات الهاتف النقال وشبكات الإنترنت المحلية، ما يجعل استهدافها تهديداً مباشراً لقطاع الاتصالات والإنترنت في غزة.
ونبّه "المرصد" إلى أنّ إسرائيل تسعى من خلال استهداف الأبراج السكنية والبنايات العالية إلى تحقيق أهداف متكاملة، أبرزها تعميق سياسة المحو العمراني التي تتصاعد منذ 11 آب الماضي في مختلف محاور مدينة غزة، وترهيب المدنيين ودفعهم إلى النزوح القسري نحو الجنوب، مع محو البيئة العمرانية التي تُمكّنهم من العودة مستقبلاً، فضلاً عن تدمير ما تبقى من البنية التحتية الحيوية لشبكات الاتصالات والإنترنت بما يفاقم عزلة السكان ويقوّض قدرتهم على توثيق الجرائم أو طلب الإغاثة، في سياق سياسة إسرائيلية منهجية تقوم على الجمع بين التدمير المادي والاقتلاع السكاني لفرض واقع ديمغرافي جديد بالقوة.
0 تعليق