بيرلا العبد الله
Published On 11/9/202511/9/2025
|آخر تحديث: 13:43 (توقيت مكة)آخر تحديث: 13:43 (توقيت مكة)
انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي
share2شارِكْ
اختارت الكاتبة والمخرجة الفرنسية أليس وينكور أن تذهب أبعد من البريق الخارجي لعالم الأزياء، وأن تكشف في فيلمها الجديد "كوتور" (Couture) عن الوجه الآخر لصناعة تُعد من أبرز أيقونات الثقافة الفرنسية وأكثرها تأثيرا على مستوى العالم.
العمل، الذي عُرض مؤخرا ضمن فعاليات الدورة الـ50 من مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في كندا، جاء ليقدم صورة مغايرة، تسلط الضوء على التوترات والضغوط النفسية والمهنية التي يعيشها العاملون في هذه الصناعة، بعيدا عن الصورة النمطية التي تحصر الموضة في كونها مجرد عالم من اللمعان والسطحية، في حين أنها في الحقيقة صناعة تدر مليارات الدولارات سنويا وتشكل مصدر عيش لملايين البشر.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listما يميز "كوتور" أنه أول فيلم يُصوَّر داخل مشغل وكواليس دار "شانيل" الفرنسية العريقة، بما يمنحه أصالة إضافية في توثيق تفاصيل لم تجرؤ السينما على الاقتراب منها سابقا.
الفيلم يُقدَّم باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ويشارك في بطولته النجمة الأميركية أنجلينا جولي، إلى جانب الممثلة السويسرية الصاعدة إيلا رومف، والعارضة الجنوب سودانية أنيير أني التي تخوض أولى تجاربها التمثيلية، إضافة إلى مجموعة من الممثلين الفرنسيين.

قصص نسائية بـ3 وجوه
ترتكز المخرجة وينكور على 3 شخصيات نسائية قادمة من خلفيات عمرية وثقافية مختلفة، لتجسد من خلالهن التناقضات التي تعيشها صناعة لا تزال، رغم كل شيء، تحت هيمنة الرجال.
وتتلقى مخرجة أفلام الرعب المتواضعة ماكسين ووكر (أنجلينا جولي) عرضا لتصوير فيلم وثائقي عن أسبوع الموضة في باريس، فتقبل المهمة وهي في خضم صدمة اكتشاف إصابتها بمرض السرطان، وهو ما يمنح شخصيتها عمقا إنسانيا شديدا. بالنسبة لجولي، كان الدور شخصيا للغاية، إذ أعادها إلى تجربة والدتها مع المرض ذاته، والتي فقدتها عام 2007، كما استحضرت تجربتها الخاصة حين أجرت عام 2013 عملية استئصال وقائي للثديين.
إعلان
الفيلم حمل أيضا تحية رمزية لوالدتها، عبر ظهورها بقلادة من مقتنيات الأم، في حين شكّل التمثيل لأول مرة باللغة الفرنسية نوعا من الوفاء لجذورها العائلية. واللافت أن هذا العمل يمثل ثاني إطلالة لجولي في سينما الموضة، بعد أدائها دور عارضة الأزياء الراحلة جيا كارانغي في فيلم "جيا" (Gia) عام 1998.
أما خبيرة التجميل أنجيلا (إيلا رومف)، فتعمل بدورها خلف الكواليس، وتحمل في داخلها حلما بأن تصبح روائية. هي عين المشاهد داخل الفيلم، إذ تراقب وتدوّن تفاصيل هذا العالم الصاخب، لتتحول كتاباتها إلى مرآة تكشف خبايا الصناعة من الداخل.
من جانبها، تصل عارضة الأزياء المبتدئة آدا (أنيير أني) من كينيا إلى باريس لتحقيق حلم الطفولة، لكنها تصطدم بعنصرية وسلوكيات متعجرفة من عارضات أكثر خبرة ورجال متنفذين يرونها مجرد وجه جديد لا يملك "قيمة تسويقية" كافية. تجربتها المؤلمة تكشف قسوة الصناعة على الغرباء والساعين لشق طريقهم وسطها.
وفي المؤتمر الصحفي لـ"كوتور"، عبّرت أنيير أني عن امتنانها الكبير للعمل مع أنجلينا جولي، ووصفتها بأنها واحدة من القلائل الذين سلطوا الضوء على معاناة بلدها الأم خلال سنوات الحرب. وأشارت إلى أن جولي منحتها نصائح ثمينة، أبرزها الابتعاد عن الورش التمثيلية التقليدية للحفاظ على تلقائيتها وصدق أدائها.
جدير بالذكر أن أنيير البالغة 25 عاما سارت على منصات دور الأزياء الكبرى مثل "بالمان"، "شانيل" و"ديور"، قبل أن تنتقل إلى عالم التمثيل.

النقّاد بين الإشادة والتحفظ
حظي "كوتور" بإشادات واسعة خلال عرضه في مهرجان تورونتو، خصوصا فيما يتعلق بأناقته البصرية وأداء طاقم التمثيل. النقاد رأوا في أداء جولي حالة استثنائية، حيث جمعت بين العمق والتأثير والابتعاد عن المبالغة، وهو ما أرجعه كثيرون إلى البُعد الشخصي للدور الذي استحضر معاناتها الواقعية. كذلك لفتت رومف الأنظار بقدرتها على تجسيد فضول المشاهد العادي داخل هذا العالم المغلق، في حين نالت أني تقديرا كبيرا على صدقها في التعبير عن مشاعر الاغتراب والعزلة التي تراود المبتدئين في هذا المجال.
ومع ذلك، لم يسلم الفيلم من النقد؛ فبعض المراجعات، أشارت إلى أن البناء الدرامي للفيلم جاء مفككا وبطيء الإيقاع، وأن الشخصيات لم تشهد تطورا كافيا على مدى 106 دقائق، وهذا أثر على تماسك السرد وأضعف من عمق التأثير الدرامي.
في النهاية، يقدم فيلم "كوتور" أكثر من مجرد رحلة بصرية في عوالم الأزياء. هو انعكاس لتجارب شخصية عميقة، خاصة بالنسبة لجولي، وإسقاط على قضايا نسوية وإنسانية ترتبط بالهوية، والمرض، والصمود. ورغم التباين النقدي حوله، يبقى العمل علامة فارقة كونه أول فيلم يُصور فعليا داخل كواليس "شانيل"، ويكشف أن وراء كل عرض مبهر قصصا خفية مليئة بالمعاناة والأحلام.
0 تعليق