في تطور خطير وصفه خبراء ومراقبون بأنه "إرهاب دولة"، شنّت إسرائيل الثلاثاء الماضي عدوانا على مقرات سكنية لأعضاء المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في العاصمة القطرية الدوحة، مما اعتُبر انتهاكا صارخا لسيادة دولة مستقلة وخرقا فاضحا للقانون الدولي.
وأجمع خبراء ومختصون في القانون الدولي على أن إسرائيل باتت "دولة مارقة" ترفض الالتزام بكافة القواعد الدولية، وتمارس أخطر أشكال الإرهاب عبر استخدامها "إرهاب الدولة" المعتمد على القوة العسكرية المباشرة خارج حدودها والاعتداء على دولة أخرى.
وأعلنت حماس أمس الأول الثلاثاء أن قادتها نجوا من محاولة الاغتيال "الجبانة والإجرامية"، بعدما استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي مقرا سكنيا في الدوحة أثناء اجتماع للفريق المفاوض التابع للحركة لمناقشة مقترح أميركي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ويأتي هذا العدوان وسط تنديدات واسعة من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية، خاصة مع الفشل العملياتي الذي مُنيت به الحكومة الإسرائيلية بعدوانها على دولة تؤدي دور الوساطة في ملف الأسرى والمفاوضات، حيث أسهمت جهود قطر الفاعلة سابقا في الإفراج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين في غزة، الأمر الذي يزيد من حدة الانتقادات العالمية تجاه إسرائيل ويدفع نحو محاسبتها بموجب المعايير الدولية.
إسرائيل وإرهاب الدولة
وعقب الهجوم الإسرائيلي على مقرات سكنية لحماس في الدوحة، برز وصف شديد اللهجة لإسرائيل بأنها دولة "مارقة" تمارس إرهاب الدولة، حيث أجمعت تصريحات خبراء في القانون الدولي على أن هذا العمل يعد خطوة واضحة على طريق سياسة عدائية جعلت من الإرهاب أداة دولة رسمية.
ويقسم أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد الخامس تاج الدين الحسيني أنواع الإرهاب إلى 3 أقسام:
إرهاب الأفراد، وهو القائم على عمل الشخص الواحد، ويطلق عليه "الذئاب المنفردة". إرهاب الجماعات، ويعتمد هذا النوع على المنظمات والمجموعات التي تخطط على نحو جماعي. إرهاب الدولة، وهو أخطر أشكال الإرهاب الذي يُمارس من خلال قوة الدولة العسكرية ضد أهداف مدنية.إعلان
ويوضح الحسيني -في تصريحات للجزيرة نت- أن "الوسائل القتالية التي تتوفر عليها الدول تتجاوز كل الإمكانات الفردية أو الجماعية، وعندما يتحدث رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (المطلوب لمحكمة العدل الدولية) عن استهداف أبنية سكنية ويسمع المواطنون المدنيون انفجاراتها، فإن إرهاب الدولة ثابت هنا".
ويخلص أستاذ العلاقات الدولية إلى أن "إسرائيل أصبحت دولة مارقة تتحدى القانون الدولي في معاملة الفلسطينيين وفي عدوانها على قطر، وتستهتر حتى بأحكام المحكمة الجنائية الدولية التي صنفت بعض القادة في إسرائيل مجرمي حرب".
وقريب من هذا التوصيف، يؤكد أستاذ القانون الدولي في الجامعة العربية الأميركية رائد أبو بدوية أن "العدوان الإسرائيلي على قطر ينتهك مبدأ عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، وهو جوهر ميثاق الأمم المتحدة"، معتبرا أن ما وقع يُدرج ضمن "جرائم العدوان" وفق تصنيف الجمعية العامة للأمم المتحدة.
آليات تطبيق القانون على إسرائيل
وبالانتقال إلى مسؤولية المجتمع الدولي في كبح جماح الدول المارقة، أوضح الحسيني أن "القانون الدولي يجرّم هذه الأفعال بصرامة، لكن فقدان آليات الردع الفعال أضعف تطبيقه". مشيرا إلى أن اتفاقية منع تمويل الإرهاب الدولية وقرار مجلس الأمن 1566 يجمعان على إدانة هذا السلوك.
لكن أستاذ العلاقات الدولية يرى أن الإشكال الأكبر يتمثل في حق النقض (الفيتو) الأميركي داخل مجلس الأمن. مبينا ضرورة أن "تبدأ قطر تقديم شكوى واضحة لمجلس الأمن ضد العدوان الإسرائيلي رغم تعقيد الموقف نتيجة العلاقات الأميركية الإسرائيلية".
وأمام عجز مجلس الأمن عن اتخاذ أي قرار ضد إسرائيل، فإن أبو بدوية يقول -في تصريحات للجزيرة نت- إن القانون الدولي يعطي الأحقية للدول المتضررة باللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في حال عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار ملزم بسبب الفيتو، مستندا في ذلك إلى بند "الاتحاد من أجل السلام" الذي يتيح اتخاذ عقوبات دولية جماعية (اقتصادية، ودبلوماسية، وتجارية).
ويستشهد أستاذ القانون الدولي بشواهد سابقة تعزز إمكانية تجميد أو تعليق عضوية إسرائيل في هيئات الأمم المتحدة المختصة بحقوق الإنسان، كما حدث سابقا مع ليبيا وروسيا.
وأضاف الخبير القانوني أن "تكرار الاعتداءات الإسرائيلية -على قطر واليمن ولبنان وسوريا- يراكم الأدلة أمام الهيئات الدولية ويدفع نحو خطوات تصعيدية داخل الجمعية العامة، كالحرمان من المشاركة أو فرض عقوبات جماعية، وقد يكون ذلك سبيلا لردع إسرائيل قانونيا، خاصة مع إصرارها على الاستهتار بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة".
وتشير القوانين الدولية والإجراءات الأخيرة في الأمم المتحدة إلى إمكانية تعليق عضوية أي دولة ترتكب انتهاكات جسيمة ومنهجية، إذا صادقت أغلبية الثلثين في الجمعية العامة، وهو ما حدث مع في الحالتين الليبية والروسية مؤخرا، مما يعزز مواقف الداعين لمحاسبة إسرائيل بعقوبات مشابهة في حال استمرارها في انتهاك المواثيق الدولية.
الإجراءات القطرية ضد إسرائيل
وتشير تصريحات الخبراء إلى أن الرد القطري المطلوب على العدوان الإسرائيلي لا بد أن يكون قانونيا ودوليا في الأساس، مع الاستناد إلى القنوات الشرعية التي يتيحها القانون الدولي.
إعلان
وفي هذا السياق، يؤكد الحسيني أن أولى الخطوات يجب أن تكون "تقديم شكوى واضحة إلى مجلس الأمن، لأن الأمر يتعلق بعمل عدواني يقع ضمن اختصاص المجلس"، مشددا على أهمية وضع الشكوى رسميا حتى لو كان المتوقع استخدام الولايات المتحدة حق النقض لحماية إسرائيل.
ويضيف أستاذ العلاقات الدولية أنه يجب على قطر أيضا الدعوة إلى عقد اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة إن عجز المجلس عن اتخاذ قرار حاسم، مؤكدا أن هذا الأسلوب قد سبق ونجح في عزل دول مارقة في محافل الأمم المتحدة.
ويوصي الحسيني "بعدم القيام بهذه الخطوات بشكل انفرادي"، بل يطالب بتنسيق خليجي وعربي وإسلامي، وبدعم من المنظمات الدولية والإقليمية من أجل مواقف جماعية أكثر صرامة. مشددا على أن التحرك الجماعي هو السبيل لمواجهة سياسة إسرائيل المارقة وانتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي.
ومن جانبه، يرى أبو بدوية أن "ما قامت به إسرائيل من قصف قطر يُعد انتهاكا واضحا للمبادئ الجوهرية للميثاق الأممي"، وبالتالي يوصي هو أيضا بأن تتوجه قطر -بعد تقديم الشكوى لمجلس الأمن- إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت بند "الاتحاد من أجل السلام".
ويوضح أن "هذا البند يُفعل في حال تعطيل مجلس الأمن نتيجة الفيتو الأميركي، ويمكّن الجمعية العامة حينها من فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وتجارية، وتعليق عضوية إسرائيل أو نشاطها في الجمعية العامة كرسالة قوية برفض المجتمع الدولي لهذا العدوان".
ويضيف أستاذ القانون الدولي أنه يجب كذلك "استخدام ملف الانتهاكات الإسرائيلية منذ 1948 وحتى اليوم لإقناع الدول الأعضاء باتخاذ خطوات فعلية"، معتبرا أن الضغط المتراكم على إسرائيل في المحافل الدولية قد يكون بداية لردع هذا الكيان ووضع حد لانتهاكاته المستمرة، حتى ولو كانت المواجهة بعيدة عن آليات مجلس الأمن التقليدية.
نتنياهو يستشهد بـ11 سبتمبر
وفي خطاب أمس الأربعاء، ربط نتنياهو بين أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وعملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. زاعما أن إسرائيل "لديها أيضا 11 سبتمبر، نحن نتذكر 7 أكتوبر، في ذلك اليوم ارتكب إرهابيون إسلاميون أسوأ جريمة ضد الشعب اليهودي منذ المحرقة".
واستشهد نتنياهو بما نفذته الولايات المتحدة من حروب وعمليات عدوانية في الشرق الأوسط، كما أنها أصدرت قرارا من مجلس الأمن الدولي ينص على أن الحكومات لا يمكنها أن توفر ملاذا للإرهابيين، مضيفا "حسنا، ونحن بالأمس (الثلاثاء الماضي) تصرفنا على هذا الأساس (يقصد العدوان على أبنية سكنية في قطر)".
لكن هذا الاستدلال وصفه خبير القانون الدولي أنيس قاسم بأنه "استدلال فاسد، فلا يمكن مقارنة جماعة بن لادن التي اعتدت على برج التجارة الدولي بأميركا مستهدفة مدنيين أبرياء ليست لهم علاقة، مع حركة مقاومة فلسطينية".
وأضاف قاسم -في تصريحات للجزيرة نت- أن أميركا لم تكن تحت الاحتلال، بينما في الوضع الإسرائيلي يوجد احتلال للأراضي الفلسطينية، و"الاحتلال حسب القانون الدولي يمكن مقاومته، والمقاومة تكون مشروعة، وهذه المقاومة المشروعة تستند إلى قاعدة شعبية واسعة، ولذلك هذا التشبيه فاسد".
ومن ناحية أخرى، يرى تاج الدين الحسيني أن هذا الاستدلال "يهدف إلى تهميش القانون الدولي وتطبيق قانون الغاب ومنطق القوة في العلاقات الدولية، وهذا يعد مرحلة متقدمة في مفهوم الدولة المارقة".
وأشار الحسيني إلى أن الاحتلال الإسرائيل حوّل غزة إلى "سجن مفتوح" يقبع فيه الشعب الفلسطيني، وفي ظل حصار مستمر منذ سنوات، وعدم التمتع بأي من الحقوق المشروعة للمواطن الفلسطيني، مضيفا أن "إسرائيل تستمر في اغتصاب الأرض وتهجير المواطنين الفلسطينيين، بحيث أصبح واضحا أن الهدف الأساسي لإسرائيل هو إخراج جميع الفلسطينيين من أرضهم وإقامة إسرائيل الموسعة من البحر إلى النهر".
إعلان
أما رائد أبو بدوية فيحلل خطاب نتنياهو بأنه يحاول استدعاء ذاكرة الأميركيين والعالم الغربي لربط حماس بالقاعدة، وإيجاد شرعية سياسية وأخلاقية لضرباته خارج فلسطين.
وأكد أبو بدوية أن نتنياهو يتجاهل في تصريحه أن الولايات المتحدة نفسها تعرضت لانتقادات واسعة بسبب حروبها بعد "11 سبتمبر" كما في أفغانستان والعراق، حيث اتُهمت بأنها خالفت القانون الدولي وأسست لسياسة الحروب الاستباقية التي تخالف مبادئ القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
وعقب العدوان الإسرائيلي، سارعت قطر إلى إصدار إدانة رسمية شديدة اللهجة، واعتبرته "انتهاكا لكافة القوانين الدولية وتهديدا خطيرا لأمن وسلامة المواطنين والمقيمين"، كما فتحت تحقيقات رسمية وطلبت عقد اجتماع عاجل للجامعة العربية لدراسة الرد المناسب.
ويمثّل العدوان الإسرائيلي على قطر انتكاسة خطيرة لمسار التهدئة والتفاوض في المنطقة، فالدوحة التي لعبت دور الوسيط المحوري بين حركة حماس وإسرائيل، وأسهمت في تحرير أسرى إسرائيليين في غزة وتعزيز فرص الهدنة، باتت هي نفسها هدفا مباشرا لعدوان عسكري، وهذا التصعيد يهدد فرص نجاح أي مفاوضات مستقبلية، ويدفع بملف الأسرى والتهدئة نحو المجهول، حسب خبراء ومحللين.
0 تعليق