كتب محمد الجمل:
شهد العدوان الإسرائيلي على مدينة غزة تصاعداً كبيراً في الساعات الماضية، وباتت المدينة بأسرها ضمن دائرة القصف والنار، ما يجبر المواطنين على النزوح والتوجه للإقامة في مناطق خطرة جنوب القطاع، في حين تتواصل معاناة المرضى والجرحى جراء الحصار ومنع سفرهم.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان المتصاعد على القطاع عامة ومدينة غزة على وجه الخصوص، منها مشهد تحت عنوان "حشود ومخاوف"، ومشهد آخر يوثق لجوء المواطنين للإقامة في المناطق الخطرة، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "منع السفر حكم بإعدام المرضى والجرحى".
حشود ومخاوف
يواصل جيش الاحتلال حشد قواته حول مدينة غزة، مع استمرار سيطرة قواته على خاصرتَي المدينة الشمالية والجنوبية، وتقدم الدبابات البطيء باتجاه حي الشيخ رضوان، وشارع الجلاء، ومنطقة أبو إسكندر.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن قوات كبيرة من جيش الاحتلال ما زالت تصل إلى تخوم مدينة غزة، وتتكدس الدبابات والجرافات العسكرية في محيطها، مع استمرار القصف الجوي والمدفعي العنيف.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن أكبر الحشود حالياً يوجد شمال مدينة غزة، بينما توجد حشود أخرى شرقها وجنوبها، مع رصد حركة نشطة لزوارق الاحتلال الحربية في البحر، حيث سبق وأعلن جيش الاحتلال أن بحريته ستشارك في العمليات على مدينة غزة.
وأعلن جيش الاحتلال انسحاب الفرقة 36 من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة بعد أشهر على القتال، وأن الفرقة التي جرى نقلها إلى محيط مدينة غزة، تستعد الآن للعملية المرتقبة على المدينة.
في حين، أكدت مصادر عسكرية إسرائيلية أن 5 فرق قوامها بين 80 و100 ألف جندي ستشارك في العملية، التي تهدف إلى السيطرة على مدينة غزة، وحصارها وتدميرها. بينما يستعد سكان المدينة للقادم، الذي يعتقدون أنه سيكون سيئاً، خاصة مع إعلان جيش الاحتلال نيته تكثيف الهجمات على المدينة.
ورغم المخاوف، والاستعدادات الكبيرة، إلا أن غالبية المواطنين في المدينة ما زالوا يرفضون مغادرتها، حيث ذكر المواطن عبد الرحمن سليم، أنه يعلم أن الحشود تلفّ مدينة غزة، وأن العدوان سيتصاعد، لكنه وغيره من المدنيين لن يغادروا المدينة، وسيبقون فيها، قائلاً: يكفي نزوحاً ومعاناة، فالموت أهون ألف مرة من نزوح جديد ترافقه معاناة جديدة.
وشكّل رفض سكان مدينة غزة النزوح معضلة لدى الأوساط العسكرية والسياسية الإسرائيلية، التي قدرت عدد من غادروا المدينة منذ بداية العمليات العسكرية فيها بين 90 و120 ألفاً، من أصل أكثر من مليون مواطن يتواجدون فيها، ما يُنذر بفشل العملية العسكرية التي سُميت "عربات جدعون 2"، حيث أكد محللون إسرائيليون أن رفض سكان مدينة غزة النزوح يشكّل معضلة كبيرة أمام الجيش في احتلال المدينة والسيطرة عليها.
الإقامة في المناطق الخطرة
لم يجد النازحون من مدينة غزة موطئ قدم في مواصي خان يونس، يمكن أن يضعوا خيامهم فيه، ما اضطر بعضهم إلى التوجه للمناطق الخطرة، مثل منطقتَي "الإقليمي ومحيط الشاكوش"، ومواصي رفح، ومنطقة أصداء وحمد ومحيطها، وحتى وسط خان يونس.
وتُعد المناطق المذكورة خطيرة للغاية، إذ تتعرض للقصف وإطلاق النار بشكل مستمر، ويسقط فيها شهداء وجرحى بشكل يومي.
المواطن أحمد مصباح نزح من مدينة غزة باتجاه مواصي خان يونس، ولم يجد موطئ قدم، ما اضطره للتوجه إلى منطقة حمد، رغم خطورتها، وهناك وجد عائلات وأشخاصاً يُسيطرون على الأراضي الحكومية، ويقومون بتأجيرها للنازحين، لكنه كان موفقاً، إذ وجد قطعة، ووضع خيمته فيها.
وأكد مصباح أنه يعيش في خطر، رغم أن المربع الذي يُقيم فيه مصنف ضمن المناطق الإنسانية، لكن إطلاق النار باتجاه الخيام لا يتوقف، والطائرات المُسيّرة تحلّق فوق الخيام بشكل مستمر، لكنه يعتقد أن التواجد في تلك المناطق، رغم خطورتها، أفضل بكثير من البقاء في مدينة غزة، التي تشهد عدواناً كبيراً ومتصاعداً.
وشوهدت مؤخراً عشرات الخيام الجديدة، التي أقيمت في منطقة الإقليمي من الناحية الجنوبية، وصولاً إلى أرض الليمون، وأطراف منطقة الشاكوش، شمال مدينة رفح.
وبيّن المواطن محمود عدوان أنه بعد تعذر إيجاد مكان في مواصي خان يونس، اضطر للتوجه جنوباً، ووضع خيمته جنوب المتنزه الإقليمي، وهي منطقة خطيرة، قريبة من مركز المساعدات الأميركية المسمى محلياً "الشاكوش".
ولفت إلى أن المنطقة التي يتواجد فيها تتعرض لإطلاق نار مستمر طوال اليوم، خاصة خلال ساعات الصباح، وقد فضّل وضع خيمته خلف تلة صغيرة للحماية من الرصاص، لكن رغم ذلك فهم يعيشون في خطر، لدرجة أنه بات يُفكّر بشكل جدّي بالعودة إلى مدينة غزة، خاصة بعد أن تيقن بأن جيش الاحتلال خدع النازحين من مدينة غزة، بعد أن ادعى الناطق باسمه كذباً بتوسعة المناطق الإنسانية في مواصي خان يونس، وحين وصلوا لم يجدوا أي مكان فارغ يستقبلهم.
بينما اضطر نازحون من مدينة غزة، وصلوا مؤخراً إلى مواصي خان يونس، إلى العودة من حيث أتوا، بعد تعذر العثور على مكان خالٍ للإقامة فيه، فيما يرفض غالبية سكان مدينة غزة الخروج منها للسبب ذاته.
منع سفر المرضى والجرحى
ما زال آلاف المرضى والجرحى يُصارعون الموت في قطاع غزة، ويحتاجون إلى تدخلات طبية مُعمقة غير متوفرة في القطاع، من أجل إنقاذ حياتهم.
لكن الاحتلال، الذي يفرض حصاراً مشدداً على القطاع، ما زال يمنع سفر المرضى، ويرفض في الوقت ذاته وصول الأدوية، والمعدات والمستهلكات الطبية، ويمنع وصول فرق طبية مساندة للقطاع، بحيث باتت هذه العوامل مُجتمعة بمثابة حكم إعدام على آلاف المرضى والجرحى في القطاع.
وقال مدير عام مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية: إن الأوضاع الصحية في قطاع غزة وصلت إلى مرحلة "بالغة الصعوبة" في ظل النزوح الواسع، واستمرار القصف، وانتشار الأمراض والأوبئة.
وأوضح أن أكثر من 16 ألف مريض في قطاع غزة بحاجة ماسّة للسفر لتلقي العلاج في الخارج، في وقت يفتقر فيه القطاع لعلاج مرضى السرطان بشكل كامل، عدا صعوبة علاج عدد كبير من جرحى العدوان، الذين هم بحاجة لتدخلات طبية عميقة، غير متوفرة في مستشفيات القطاع في الوقت الحالي.
وأشار أبو سلمية إلى أن الاحتلال يحرم المرضى من الحصول على العلاج داخل قطاع غزة، ويمنعهم كذلك من مغادرته لتلقي الرعاية الطبية، مؤكداً أن الواقع الصحي في القطاع يعد "من أسوأ ما يكون" في ظل العدوان المتواصل.
بينما أكد أطباء في مستشفيات القطاع أنه يومياً يتم تسجيل وفيات جديدة لمرضى وجرحى، كان من الممكن إنقاذ حياتهم في حال سُمح لهم بمغادرة القطاع، باتجاه مستشفيات في الخارج.
وبيّن الشاب محمود ديب أن شقيقه يعاني من إصابات حرجة، وهو بحاجة للسفر إلى الخارج من أجل إنقاذ حياته، وقد حصل على تحويلة طبية، لكن بسبب الحصار لم يتمكن من السفر.
وشدد على أن الأطباء في القطاع بذلوا ما بوسعهم، وحاولوا جاهدين إنقاذ حياته، لكن أمام شح الإمكانات، واكتظاظ المستشفيات بالجرحى، يظل الخطر يهدد حياته وغيره من المرضى.
من جهته، ذكر المواطن محمد عاشور أن قريبه أصيب برصاصة أدت إلى خدش جزء من النخاع الشوكي، ما تسبب بشلل نصفي له، وهو طريح الفراش، وقد أكد مختصون في غزة أن هناك فرصة لعلاجه في حال وصل إلى مستشفيات متخصصة، وأجريت له عمليات دقيقة، لكن جراء الحصار ما زال في القطاع، رغم أن حالته تُعد أولوية للسفر.
وقال عاشور: إن الاحتلال لم يكتفِ بقتل وإصابة المواطنين، بل يُصر على قتل الجرحى منهم، عبر سياسة الحصار، ومنع السفر.
0 تعليق