كتب محمد بلاص:
أجبر جنود الاحتلال مئات المواطنين في مدينة طولكرم وضواحيها على السير في طوابير طويلة وسط تهديدات بإطلاق النار على كل من يخرج عن الطابور، في مشهد في أعقاب انفجار عبوة ناسفة بإحدى آليات الاحتلال العسكرية، أول من أمس، قرب حاجز "نتساني عوز" القريب من طولكرم.
ووفق الشهود، فإن قوات الاحتلال سارعت إلى إغلاق البوابات الحديدية عند مدخلَي طولكرم الجنوبي والشرقي، وشرعت بشن عمليات دهم وتفتيش للمحال التجارية والمقاهي ومنطقة الكراجات وسط المدينة، واعتقلت كل من تواجد بداخلها أو داخل مركبته، وأجبرت المئات على السير في طوابير طويلة نحو الشارع المؤدي إلى بوابة حاجز "خضوري" العسكري.
واستولى جيش الاحتلال على تسجيلات كاميرات مراقبة، بعد دهم عدد من المحال التجارية، ودفع بمزيد من الآليات العسكرية وجرافة إلى المدينة التي أعلن حظر التجول عليها، وأبلغ الجانب الفلسطيني.
وقال مراقبون: إن مدينة طولكرم شهدت حادثة غير مسبوقة، بعد أن قامت قوات الاحتلال باعتقال أكثر من ألف مواطن جرى احتجازهم، منذ ساعات صباح أول من أمس وحتى ساعة متأخرة من الليل، في منطقة تقع مقابل برك الصرف الصحي غرب المدينة.
وقالت مصادر محلية: إن عدداً كبيراً من المعتقلين لم تكن بحوزتهم بطاقاتهم الشخصية، فيما احتجز آخرون وهم يحملون هواتفهم النقالة، ولم يبد الجنود أي اهتمام بوجود كبار السن أو المرضى من بين المحتجزين الذين كان من بينهم مواطن يعاني من بتر في قدمه.
وأكدت شهادات المفرج عنهم أن جنود الاحتلال لم يطرحوا أي أسئلة على المعتقلين طيلة فترة الاحتجاز، لدرجة لم يطلبوا منهم حتى إبراز بطاقاتهم الشخصية، ولم يسألوهم عن أسمائهم أو أماكن سكناهم، وكل ما جرى هو إجبارهم على الجلوس أرضاً تحت أشعة الشمس ولساعات طويلة.
وفي مشهد لافت، أحضر جيش الاحتلال إلى المكان طائرة مسيّرة "درون" حلقت فوق المحتجزين على ارتفاع منخفض وكادت تلامس رؤوسهم، لالتقاط صور جوية، فيما يبدو أنه توثيق بصري للمعتقلين قبل قرار الإفراج عنهم.
ومع ساعات الفجر، أبلغ جنود الاحتلال المعتقلين أنه سيتم الإفراج عنهم دون أي إجراءات إضافية، وبالفعل جرى إطلاق سراحهم بشكل جماعي، حيث قدر عدد المفرج عنهم بأكثر من ألف مواطن، وفقاً لما أكده شهود العيان.
وقال أحد المواطنين: إنه كان يقود مركبته وإلى جانبه زوجته وأطفاله، عندما أجبره جنود الاحتلال على التوقف، والخروج من المركبة، وطلبوا منه الإيعاز لزوجته بقيادة المركبة ومغادرة المكان على الفور.
ووفقاً لأحد أصحاب المحال التجارية، فإن جنود الاحتلال هاجموا المحال الواقعة في المدينة وأجبروا أصحابها والعاملين فيها إلى جانب الزبائن على الخروج منها، وترك أبوابها مشرعة، كما حدث مع الصيدليات وجميع المنشآت، والانضمام لطابور طويل من المعتقلين الذين أجبرهم جيش الاحتلال على السير مشياً على الأقدام بقوة السلاح.
وأضاف: "أجبرنا الجنود على السير في طابور طويل، وكل واحد منا كان مجبراً على وضع يده على كتف الذي أمامه، وكان الجنود يهددون بإطلاق النار على كل من يخالف تعليماتهم وأوامرهم، واحتجزونا جميعاً في وضع مذل داخل ساحة كبيرة تحت أشعة الشمس".
وروى صاحب مركبة عمومية أن جنود الاحتلال أجبروه هو الآخر كما حدث مع زملائه على الخروج من مجمع الكراجات في مدينة طولكرم، لينضموا إلى الطابور.
وقال مراقبون: إن هذا النوع من الاعتقالات الجماعية يكشف عن سياسة الترهيب والضغط النفسي التي ينتهجها الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، بعيداً عن أي إطار قانوني أو قضائي، ويعكس حجم الاستهداف العشوائي الذي يطال السكان دون تمييز بين شاب أو مسن أو مريض أو سليم، في حادثة أثارت تساؤلات واسعة في الشارع الفلسطيني حول الهدف من مثل هذه الممارسات، خاصة مع توثيقها عبر الطائرات المسيّرة، قبل أن ينتهي المشهد بالإفراج عن جميع المحتجزين.
من جهتها، طالبت وزارة الخارجية المجتمع الدولي بالتحرك العاجل لحماية مدينة طولكرم وسكانها، في ظل العدوان والحصار الإسرائيلي المتواصل.
وأكدت أن محافظة طولكرم وسائر الأرض الفلسطينية المحتلة تتعرض لسياسة تنكيل ممنهجة تشمل العقوبات الجماعية، والإغلاقات، والاقتحامات، وهدم المنازل، وتعميق الاستيطان، محذرة من أن هذه السياسة تهدف إلى تفجير الأوضاع في الضفة وتهيئة الأرضية لمشاريع الضم والتهجير القسري.
0 تعليق