من قرار التقسيم إلى إعلان نيويورك.. تاريخ قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
قرارات الأمم المتحدة تروي قصة مفارقة كبرى: تاريخ حافل من التأكيد على الحقوق الفلسطينية، يقابله تاريخ موازٍ من الفشل في تطبيقها على أرض الواقع

في خطوة دبلوماسية هامة، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم أمس الجمعة 12 سبتمبر 2025، ما عُرف بـ "إعلان نيويورك" الذي يجدد الإجماع الدولي على حل الدولتين ويطالب بآلية لتنفيذه. ويأتي هذا الإعلان ليكون أحدث حلقة في سلسلة طويلة من القرارات الأممية بشأن فلسطين، والتي شكلت على مدى أكثر من 75 عاماً إطاراً قانونياً واضحاً لحل الصراع، لكنها ظلت في معظمها دون تنفيذ فعلي على الأرض.
منذ تأسيسها، شكلت القضية الفلسطينية محوراً أساسياً لأروقة الأمم المتحدة، التي أصدرت عبر هيئاتها المختلفة، وخصوصاً الجمعية العامة ومجلس الأمن، مئات القرارات التي ترسم إطاراً قانونياً واضحاً لحل الصراع. لكن هذا الكم الهائل من القرارات يروي قصة مفارقة كبرى: تاريخ حافل من التأكيد على الحقوق الفلسطينية، يقابله تاريخ موازٍ من الفشل في تطبيق هذه القرارات على أرض الواقع، لتبقى مجرد حبر على ورق وشاهد على ازدواجية المعايير الدولية.


1. مرحلة التأسيس (1947 - 1948): قرار التقسيم وحق العودة
تعتبر هذه المرحلة حجر الزاوية في تاريخ الصراع من منظور الأمم المتحدة، حيث صدر قراران شكّلا ملامح المستقبل:

قرار الجمعية العامة 181 (قرار التقسيم - 1947): هو القرار الأكثر شهرة وتأثيراً. أوصى بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها إلى دولتين، "عربية" و"يهودية"، مع وضع القدس وبيت لحم تحت نظام دولي خاص. قبلت الوكالة اليهودية بالقرار، بينما رفضته الدول العربية والفلسطينيون، معتبرين أنه يجحف بحق الأغلبية العربية في أرضها التاريخية. ورغم عدم تنفيذه كما ورد، إلا أنه استُخدم كغطاء شرعي لإعلان قيام دولة الاحتلال.

قرار الجمعية العامة 194 (حق العودة - 1948): بعد نكبة عام 1948 وتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني، أصدرت الجمعية العامة هذا القرار الحاسم، الذي تؤكد فقرته الـ 11 على "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم". ورغم أن الجمعية العامة تؤكد على هذا القرار سنوياً، إلا أن الاحتلال يرفضه بشكل قاطع، ويبقى حق العودة جوهر القضية الفلسطينية.

2. مرحلة ما بعد 1967: الاحتلال ومبدأ "الأرض مقابل السلام"
بعد حرب عام 1967 واحتلال ما تبقى من فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية)، بالإضافة إلى أراضٍ عربية أخرى، أصدر مجلس الأمن قرارات أصبحت أساساً لجميع مفاوضات السلام اللاحقة:

قرار مجلس الأمن 242 (1967): هو حجر الزاوية في الدبلوماسية المتعلقة بالصراع. يدعو القرار إلى "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير"، ويدعو إلى احترام سيادة جميع دول المنطقة وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها. وقد ظل الخلاف قائماً حول تفسير عبارة "من الأراضي"، حيث يصر الاحتلال على أنها لا تعني "كل الأراضي".

قرار مجلس الأمن 338 (1973): صدر بعد حرب أكتوبر 1973، ودعا إلى وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 242 بكافة أجزائه، والبدء بمفاوضات لإقامة سلام عادل ودائم.

3. مرحلة الاعتراف بالحقوق (1974 وما بعدها): حق تقرير المصير والتمثيل الفلسطيني
شهدت هذه الفترة تحولاً هاماً في تعاطي الأمم المتحدة مع القضية، بالانتقال من التعامل معها كقضية "لاجئين" إلى قضية "شعب له حقوق وطنية".

قرار الجمعية العامة 3236 (1974): شكل هذا القرار اعترافاً دولياً صريحاً بالحقوق الفلسطينية، حيث أكد على "الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير المصير، والاستقلال والسيادة الوطنيين". وفي نفس العام، دُعي الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لإلقاء خطاب تاريخي أمام الجمعية العامة، وتم منح منظمة التحرير الفلسطينية صفة "مراقب".

4. المرحلة المعاصرة: إدانة الاستيطان والاعتراف بالدولة
في العقود الأخيرة، تركزت القرارات الأممية على إدانة سياسات الاحتلال الاستيطانية والاعتراف الرمزي بالدولة الفلسطينية.

قرار مجلس الأمن 2334 (2016): في خطوة نادرة، أدان مجلس الأمن بوضوح النشاط الاستيطاني للاحتلال في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وأكد القرار أن المستوطنات "ليس لها أي شرعية قانونية، وتشكل انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي" وعقبة رئيسية أمام تحقيق حل الدولتين. وقد مر هذا القرار بعد امتناع الولايات المتحدة (إدارة أوباما) عن استخدام حق النقض (الفيتو).

قرار الجمعية العامة 67/19 (دولة مراقب - 2012): صوتت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة على رفع مكانة فلسطين إلى "دولة مراقب غير عضو" في الأمم المتحدة. ورغم أن هذا لا يمنح فلسطين حق التصويت في الجمعية العامة، إلا أنه شكل اعترافاً دولياً رمزياً بالدولة الفلسطينية، وفتح لها الباب للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية ومنظمات أممية أخرى.
5. "إعلان نيويورك" (12 سبتمبر 2025): تجديد الإجماع الدولي والمطالبة بآلية تنفيذ
في أحدث فصول التحرك الدبلوماسي، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة "إعلان نيويورك"، الذي حظي بتأييد دولي واسع. وجاء الإعلان ليجدد الالتزام العالمي بحل الدولتين على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ويدين كافة الإجراءات الأحادية للاحتلال، وخصوصاً توسيع المستوطنات والتهجير القسري.

وفي خطوة لافتة، طالب الإعلان الأمين العام للأمم المتحدة بتعيين مبعوث خاص تكون مهمته وضع آلية وجدول زمني واضحين لتنفيذ بنود الإعلان، في محاولة لنقل القضية من إطار القرارات النظرية إلى خطوات عملية على الأرض، ورغم الترحيب الفلسطيني الواسع، لا يزال نجاح هذه الخطوة مرهوناً بمدى جدية القوى الدولية في الضغط من أجل تطبيقها.

0 تعليق