في كشف فلكي قد يعيد كتابة فهمنا لتكوين الأنظمة الكوكبية البعيدة، أعلن باحثون فلكيون من كلية كابريلو بولاية كاليفورنيا الأمريكية عن رصد ما يُعتقد أنه قمر ثانٍ يدور حول الكوكب القزم كواوار (Quaoar). هذا الجرم الجليدي، الذي يسبح في حزام كايبر المظلم وراء نبتون، يواصل إثارة حيرة العلماء بنظامه الذي أصبح الآن أكثر تعقيداً وغموضاً.
نظام فريد يتحدى القواعد الفيزيائية
لم يكن كواوار جرماً عادياً على الإطلاق؛ فهذا الكوكب البيضاوي الصغير، الذي تم اكتشافه عام 2002، كان معروفاً بامتلاكه قمراً واحداً يُدعى "ويووت" (Weywot)، بالإضافة إلى حلقتين جليديتين تم اكتشافهما في عام 2023. وما يجعل هذا النظام فريداً هو أن الحلقتين تقعان خارج ما يُعرف بـ"حد روش" (Roche limit)، وهي المنطقة التي تفترض النظريات الفلكية أن قوى الجاذبية تفكك أي جسم يحاول التحول إلى قمر، مما جعل وجودهما لغزاً بحد ذاته. والاكتشاف الجديد يضيف طبقة أخرى من التعقيد، محولاً كواوار إلى مختبر طبيعي استثنائي لدراسة الأجرام السماوية في الظروف القاسية للمجموعة الشمسية الخارجية.
ويتميز كواوار بمداره الشاسع حول الشمس الذي يستغرق نحو 286 سنة أرضية، ويبلغ نصف قطره حوالي 555 كيلومتراً، مما يجعله أحد الأجسام الهامة في حزام كايبر لفهم أصول الكواكب.
كيف تم الاكتشاف الجديد؟
جاء هذا الرصد المذهل خلال حدث فلكي نادر يُعرف بـ"الاحتجاب النجمي" (stellar occultation)، وقع في 25 يونيو 2025. فبينما كان كواوار يمر أمام نجم بعيد، كان الفريق العلمي يراقب إحدى حلقاته المعروفة باسم "Q1R"، متوقعاً حدوث خفوت طفيف في ضوء النجم. لكن ما حدث كان مفاجأة تامة؛ حيث اختفى ضوء النجم بالكامل لمدة 1.23 ثانية.
هذا الاختفاء الكامل للضوء يشير بقوة إلى وجود جسم صلب ومعتم، وليس مجرد حلقة باهتة من الغبار والجليد. ويدعم هذا الاستنتاج ملاحظات سابقة لتلسكوب "جيمس ويب" الفضائي، والتي لم تظهر أي دليل على وجود حلقة إضافية في ذلك الموقع، مما يرجح فرضية وجود قمر جديد لم يكن مكتشفاً من قبل.
أهمية علمية تفتح آفاقاً جديدة
يُلقي هذا الاكتشاف بظلال من الشك على النماذج التقليدية لتشكل الأقمار والحلقات الكوكبية. فوجود حلقتين مستقرتين خارج "حد روش"، بالإضافة إلى قمرين محتملين، يشير إلى أن هناك آليات فيزيائية غير مكتشفة بعد تحكم استقرار مثل هذه الأنظمة المعقدة.
ويعتقد العلماء أن دراسة نظام كواوار الفريد لن تساعد فقط في حل ألغازه، بل قد تقدم رؤى أعمق حول كيفية تشكل الأنظمة الكوكبية في المناطق البعيدة والباردة من مجرتنا، حيث تسود ظروف مشابهة لتلك الموجودة في حزام كايبر. النتائج الكاملة لهذا البحث المثير نُشرت في دورية (Research Notes of the AAS).
0 تعليق