عندما تأسس الاتحاد الأفريقي عام 2002، وعد بأن يكون مختلفا عن سلفه العاجز، منظمة الوحدة الأفريقية. فبينما كانت المنظمة السابقة ترفض التدخل في "الشؤون الداخلية" للدول الأعضاء، مما جعلها عاجزة عن حل النزاعات أو تحقيق أي إنجاز يُذكر، كان من المفترض أن يلعب الاتحاد الأفريقي دورا فاعلا ومفيدا في القارة.
ينص ميثاق تأسيس الاتحاد على تعزيز "التنمية المستدامة"، ودفع "الاندماج الاقتصادي"، وضمان "السلام والأمن والاستقرار في القارة".
كما منح المنظمة صلاحية التدخل، دون الحاجة لموافقة الدول، لمنع ارتكاب جرائم كالإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية.
لكن بعد أكثر من عقدين، تشهد أفريقيا حروبا أكثر وتجارة داخلية أقل مقارنة بأي قارة أخرى، مما جعل الاتحاد الأفريقي عرضة لانتقادات شديدة.

منظمة مختلة ذات مصداقية محدودة
في عام 2017، حذر الرئيس الرواندي بول كاغامي من أن الاتحاد الأفريقي أصبح "منظمة مختلة ذات مصداقية محدودة بين الدول الأعضاء والشركاء العالميين والمواطنين".
ومنذ ذلك الحين، عبّر كثيرون عن استيائهم من إخفاقات المنظمة. وتشير استطلاعات "أفروباريوميتر" إلى أن نحو نصف الأفارقة يرون أن تأثير الاتحاد سلبي أو لا يهتمون به إطلاقا.
ففي السفارات وقاعات المؤتمرات، وعلى شوارع أفريقيا، يلوح سؤال محبط: هل أصبح الاتحاد الأفريقي غير ذي صلة؟

لكن ليس الجميع يتبنى هذا الرأي المتشائم. فأنصار الاتحاد يرون فيه حصنا مهما للتعددية والتعاون في عالم يزداد فوضوية.
وقالت تيريزا ريبيرا، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، خلال قمة دولية حول تغير المناخ في أديس أبابا "مهما كانت التحديات، فإن التعاون والجلوس على طاولة واحدة لمناقشة الأمور يبقى أفضل بكثير".
إعلان
وأضافت "قد تكون هناك حاجة كبيرة للتحسين، لكن من المهم الدفاع عن التعددية".
كما يشير البعض إلى أن الاتحاد يمكّن أفريقيا من التحدث بصوت أعلى على الساحة الدولية.
ووفقا لـ"أفروباريوميتر"، فإن نحو ثلاثة أرباع الأفارقة يرون أن القارة يجب أن تحظى بتأثير أكبر في المؤسسات الدولية.
وفي عام 2023، أصبح الاتحاد الأفريقي عضوا دائما في مجموعة العشرين، وهو ما وصفه الرئيس الكيني ويليام روتو بأنه خطوة تعزز "تأثير أفريقيا عالميا وتوفر منصة للدفاع عن مصالح شعوبها".
إنجازات إيجابية
حقق الاتحاد بعض الإنجازات المهمة، أبرزها منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، التي تهدف إلى تعزيز التجارة بين الدول الأفريقية عبر خفض الرسوم والعوائق، ودخلت حيز التنفيذ عام 2021.
وقد وقّعت جميع الدول الأعضاء في الاتحاد على الاتفاقية باستثناء إريتريا، بينما صادقت عليها 47 من أصل 55 دولة.

وتكمن أهمية الاتفاقية في أن التجارة البينية في أفريقيا ضعيفة جدا، إذ تقل نسبة الصادرات بين الدول الأفريقية عن 20%، مقارنة بـ60% في آسيا و70% في أوروبا.
ويقدّر البنك الدولي أن الاتفاقية قد ترفع الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا بنسبة 7%، أي نحو نصف تريليون دولار بحلول عام 2035، وتنتشل 30 مليون شخص من الفقر المدقع.
ضعف في التنفيذ
لكن تحويل هذه المكاسب المحتملة إلى واقع يتطلب تنسيقا فعالا بين الدول، وهو ما لم ينجح فيه الاتحاد مؤخرا.
ففي فبراير/شباط الماضي، أعرب رئيس الاتحاد حينها موسى فكي عن استيائه من أن 93% من قرارات الاتحاد خلال السنوات الثلاث السابقة لم تُنفذ.

وكان كاغامي قد كُلّف سابقا بإصلاح الاتحاد عبر تقليص البيروقراطية وتعزيز صلاحيات رئيس المفوضية، لكنه عبّر لاحقا عن إحباطه من ضعف النتائج، وهو ما تؤكده تصريحات فكي.
ويرى البعض أن هذا العجز الإداري يعود جزئيا إلى الطموحات الزائدة. إذ يقول مصدر دبلوماسي غير أفريقي إن الاتحاد وضع لنفسه أهدافا تفوق قدراته، مثل إطلاق برنامج فضائي وتنسيق الاستجابة للتهديدات السيبرانية.
ويضيف المصدر لأفريكا ريبورت "عليهم تحديد أولوياتهم والتركيز عليها"، مشيرا إلى أن العاملين في الاتحاد يشتكون من نقص الموارد اللازمة لتنفيذ المهام.
فشل في حفظ السلام
من أهم مهام الاتحاد حفظ السلام، لكنه فشل في ذلك بشكل واضح، رغم تعهده بإنهاء جميع النزاعات في أفريقيا بحلول 2030.
وكانت بعثات حفظ السلام التابعة للاتحاد تُعتبر فعالة، مثل إرسال قوات إلى دارفور عام 2004.

لكن الآن، لم يعد الاتحاد قادرا على وقف الحروب، مثل الحرب الأهلية في السودان التي استمرت لأكثر من عامين، وعادت معها الإبادة الجماعية إلى دارفور.
والمفاوضات الجادة لحل النزاع تجاوزت الاتحاد تماما، وتمت في جدة وجنيف برعاية السعودية والولايات المتحدة.
كما فشلت بعثات الاتحاد في وقف توسع الجماعات الجهادية، مثل حركة الشباب في الصومال، التي استعادت قوتها مؤخرا رغم وجود قوات حفظ السلام منذ عام 2007.
إعلان
وتلجأ دول مثل مالي وموزمبيق إلى مرتزقة أجانب، خصوصا من روسيا، لاستعادة الأمن، رغم أن فعالية هؤلاء محل شك.
لكن هذا الاتجاه يعكس مدى خيبة الأمل من جهود الاتحاد والأمم المتحدة.
وقال دبلوماسي من الاتحاد الأفريقي لمجلة "الإيكونوميست" "ما جدوى بعثة سلام في مواجهة الإرهاب؟".
هل الاتحاد الأفريقي متحيز؟
لم تقتصر الانتقادات على بعثات حفظ السلام، بل طالت أيضا دور الاتحاد في الوساطة وحل النزاعات.
فخلال الحرب الأهلية في إثيوبيا (2020–2022)، اتُهم الاتحاد بالانحياز للحكومة الإثيوبية، التي تستضيف مقر الاتحاد في أديس أبابا.

ومع تولي محمود علي يوسف من جيبوتي رئاسة الاتحاد هذا العام، يُنظر إليه على أنه منحاز للجيش السوداني في الحرب الأهلية، مما أضعف قدرة الاتحاد على الوساطة.
ومنذ تعليق عضوية السودان في الاتحاد عام 2019 بعد الإطاحة بعمر البشير، رحّب الاتحاد بتشكيل حكومة مدنية بدعم من الجيش، لكنه رفض الاعتراف بالحكومة الموازية المدعومة من قوات الدعم السريع.
وقال دبلوماسي سابق "لقد فقدوا حيادهم تماما، خصوصا تحت القيادة الجديدة"، مضيفا "لا يوجد ما يشير إلى أن الاتحاد قادر على المساهمة في تهدئة التوترات".
وبذلك، فقد الاتحاد الأفريقي دوره في أبرز قضايا السلام والأمن في القارة.
0 تعليق