الإعلام المسؤول: الوعي والمهنية أولاً - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
منذ أن وُجد الإعلام وهو يواجه معادلة صعبة: كيف يمكن أن يكون جذاباً للمتلقي وفي الوقت ذاته مسؤولاً تجاه الحقيقة والمجتمع؟!

هذه المعادلة المحورية في العمل الإعلامي ليست خياراً اليوم يمكن التلاعب به أو الالتفاف عليه في زمنٍ أصبح الخبر ينتقل حول العالم خلال مدة أقصر من مدة تناول أحدنا لكوب من القهوة، والمؤسف والمؤكد أن الشائعات والمبالغات المثيرة تنتشر أسرع من انتشار الوقائع الحقيقية. ومن هنا يبرز جوهر الإعلام المهني المسؤول، الذي يقوم على طرح القضايا بوعي واقتراح الحلول، لا على صناعة الأزمات وتضخيمها.

الإعلامي الحقيقي لا يلهث خلف «الترند» ولا يسقط في فخ الإثارة التي قد تجذب جمهوراً عابراً لكنها تترك أثراً سلبياً عميقاً على المدى الطويل. فالمهنية تقتضي أن يكون الإعلامي شاهداً دقيقاً على الأحداث، لا مجرد ناقل مشوَّه لها. ولذلك فإن نصح الإعلاميين بتحري الدقة ليس ترفاً، بل هو جوهر العمل الصحفي.

على كل إعلامي في المملكة أن يؤمن بأنه يحمل على عاتقه مسؤولية وطنية قبل أي شيء آخر. فالثوابت الوطنية يُفترض أن تكون بوصلة تحدد اتجاه كل مادة إعلامية. وحين يتناول الإعلامي قضايا المجتمع، عليه أن يضع في ذهنه دائماً أن الهدف الأسمى هو خدمة المصالح العليا للوطن، وتعزيز الوحدة، والابتعاد عن كل ما يثير الانقسام أو يغذي خطاب الكراهية. فالإعلام المسؤول هو الذي يُبرز الصورة الحقيقية للمجتمع، بثرائه الثقافي وتنوعه الفكري، ويجعل من نجاحات الوطن مادةً للتحفيز، لا مجرد عناوين هامشية عابرة.

إن الفرق بين الإعلام المهني والإعلام الهاوي أن الأول يطرح القضايا بوعي، فيرصد المشكلة بدقة، ويضع أمام الرأي العام والجهات المعنية تصوراً للحلول الممكنة. أما الإعلام غير المسؤول فيكتفي بإشعال النار في الهشيم دون أن يُقدم ما ينفع الناس. والإعلام السعودي اليوم بحاجة إلى مزيد من هذا الوعي البنّاء الذي يحوّل المنابر الإعلامية إلى أدوات لصناعة الحلول، لا مجرد غرف صدى تُكرر الأزمات وتُعيد تدويرها.

وبالطبع لا يمكن الحديث عن الإعلام المسؤول دون الإشادة بالدور الكبير الذي تقوم به وزارة الإعلام وهيئة تنظيم الإعلام في المملكة. فهذه المؤسسات لا تمثل مجرد جهات رقابية أو تنظيمية، بل هي حاضنة لتطوير الإعلامي السعودي، ومنظومة تحافظ على توازنه بين الحرية والمسؤولية.

لقد قطعت المملكة شوطاً كبيراً في تمكين الإعلام ليكون أحد أعمدة رؤية 2030، وأصبحنا نرى تنظيماً أكثر وضوحاً، ودعماً للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية الوطنية، وتوجيهاً نحو تطوير المحتوى المحلي بما يخدم صورة المملكة عالمياً ويعكس حقيقة نهضتها.

والأكيد أن التاريخ سوف يسجل لكل إعلامي اختياره: هل كان صوتاً مسؤولاً يسهم في صناعة وعي مجتمعي راقٍ ويحمي وطنه من حملات التضليل؟ أم كان مجرد متسابق على لحظات من الشهرة الزائفة؟

أخيراً.. الإعلام السعودي أمام فرصة تاريخية ليكون نموذجاً عربياً في المهنية والمسؤولية، وهذا لن يتحقق إلا إذا التزم الإعلاميون بالمسؤولية وتحري الدقة، ووعوا أن رسالتهم أكبر من مجاراة الترندات، وأعمق من مجرد عناوين مثيرة.

أخبار ذات صلة

 

0 تعليق