السردية الإسرائيلية في مهب الريح - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، وهو الأكثر مكوثاً في هذا المنصب، تعرّض لضغوط قضائية خلال العقد الماضي عبر تهم عدة وجهت ضده، بدأت هذه التحقيقات من الشرطة في العالم 2016 ولمدة عامين، وصولاً إلى توجيه النائب العالم لائحة اتهام في ثلاث قضايا ضده في فبراير 2019، وهي قضايا مرتبطة بالحصول على هدايا ومنح امتيازات لشركة اتصالات وغيره.

وفي نوفمبر من العام نفسه أصبح نتنياهو أول رئيس وزراء يحاكم جنائياً وهو في منصبه، وانطلقت المحاكمات في القدس، بينما حاول العبور من عام 2020 أثناء جائحة كورونا بائتلاف ضرورة مع جانتس، قبل أن ينجح ائتلاف بينيت-لابيد في إخراج نتنياهو من السلطة وتشكيل حكومة منتصف العام 2021، وفي نهاية العام 2022 نجح نتنياهو في العودة للسلطة من خلال الانتخابات الخامسة لأربع سنوات، من خلال ائتلاف يميني ديني.

وبالتالي نجح في العودة للحكم باللعب على الثعابين ومعهم، كما كان يصف علي عبدالله صالح تجربته في الحكم، لكنه في بدايات العام 2023 دفع بتغييرات قضائية واسعة، سمّاها حينها «إصلاحات» وسمّاها معارضوه «محاولة النجاة من محاكمته»، واندلعت على إثرها مظاهرات واسعة قال عنها مراقبون إنها إحدى أكبر حركات الاحتجاج في تاريخ إسرائيل.

هذا التسلسل للأحداث يمثّل المقدمات الداخلية التي سبقت «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر، وبالتالي فإبقاء العين على توجهات الرأي العام الإسرائيلي مهمه لنتنياهو، فالضربة الإسرائيلية لقادة حماس، لقيت تأييداً واسعاً من الجمهور الإسرائيلي على مستوى الفكرة، حيث أظهر استطلاع أجرته جيرازوليم بوست تأييد 75% لاستهدافهم، وفي استطلاع أجرته قناة 12، أيّد 55% الضربة بينما عارضها 28%، والمعارضة تأتي خشية من تعطل المفاوضات، أو ربما العزلة الدولية.

لكن الخارج له صوته وصداه كذلك، فإذا نظرنا إلى الضربة التي وجهتها إسرائيل إلى قادة حماس في الدوحة، وما مثلته من عدم احترام القوانين الدولية وسيادة الدول، كما أنها ضربت عرض الحائط باتفاقيات جنيف للعام 1949 وتحديداً المادتين 9 و10، والبروتوكول الإضافي في 1977 الذي يمثّل الأساس القانوني لحماية الوسطاء.

فقد خلقت هذه الضربة تضامناً خليجياً وعربياً وعالمياً كبيراً، ومثّلت بطبيعة الحال ضغطاً دبلوماسياً على إسرائيل، ولا شك أن القمة العربية الإسلامية الاستثنائية في الدوحة، التي تعقد بعد ساعات من كتابة المقال، ستمثّل المزيد من الضغط الإقليمي وانعكاساته داخل أوروبا، التي شهدت خطوات متقدّمة من إسبانيا.

كما شهدت دول أوروبية عدة تشككاً في خطط ونوايا إسرائيل بشكل كبير، حيث تراجعت شعبيتها في كل من ألمانيا وفرنسا والدنمارك وحتى إيطاليا التي يحكمها تحالف يميني، بل حتى هولندا حيث يرى ثلثا المواطنين أن حكومتهم يجب أن تتخذ إجراءات أكثر صرامة مع إسرائيل، بل إن الأداء الإسرائيلي خلال عامين أثر حتى على مكاسب الأحزاب اليمينية في بعض الدول الأوروبية.

هذا الصلف الإسرائيلي الذي أدى لقصف دول عدة في الإقليم واستباحة الأجواء، مما يمنح مزيداً من الشعبوية في الشارع الإسرائيلي خاصة نحو الانتخابات المقبلة في أكتوبر 2026، لكن مشاهد كرة الثلج تكبر نحو مزيد من الضغوط الدبلوماسية على نتنياهو، ومزيد من العزلة لإسرائيل، شاهدنا ذلك في بيان مجلس الأمن الذي لم تستخدم له الولايات المتحدة حق الفيتو كما فعلت عشرات المرات تاريخياً، ونرى نجاح الجهود السعودية الفرنسية في إقناع 142 دولة بالتصويت في الأمم المتحدة على حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، ونراه أيضاً في تضامن كبير مع دولة قطر.

ويبقى الرهان على الداخل مُهمّاً لنتنياهو، لكنه تفكير تكتيكي قصير النظر، إذا أخُذ بمعزل عن منظور سقوط العلاقات العامة وسمعة إسرائيل، أو بعبارة أخرى سقوط سردية الديموقراطية المتحضّرة في الشرق الأوسط، نحو سردية جديدة مفادها دولة مارقة تمارس القتل على الهوية، بشكل بات اليوم الدفاع عنها مخجلاً لأقرب حلفائها، ولا أدل على ذلك من محاولة واشنطن النأي بالنفس عن الضربة الأخيرة.

أخبار ذات صلة

 

0 تعليق