علا مرشود
Published On 2/9/20252/9/2025
|آخر تحديث: 17:02 (توقيت مكة)آخر تحديث: 17:02 (توقيت مكة)
طوباس- في أرضه الممتدة على 22 دونما (الدونم يعادل ألف متر مربع) في سهل طوباس، يقف المزارع دياب سعد أبو عامر وسط دفيئاته (بيوت بلاستيكية) المزروعة بالخيار والبندورة، يروي بحزن أنه كلما حاول تطوير عمله اصطدم بعقبات الاحتلال والمستوطنين، إذ إن هذه المساحة الواسعة لا تعكس بالضرورة وضعا ماديا مريحا، ويعيش أبو عامر واقعا مغايرا تماما لما قد يبدو من الخارج.
يقول أبو عامر -للجزيرة نت- إن التكاليف باهظة، وفواتير المياه وحدها، على المزارعين في طوباس، تتجاوز 600 ألف شيكل (نحو 180 ألف دولار)، "خسرت في 5 دونمات بطاطا نحو 15 ألف شيكل، فما بالك بالمزارعين الكبار الذين يملكون آلاف الدونمات".
يعيل أبو عامر عائلته المكونة من 9 أفراد، ويشغّل في أرضه 6 عائلات أخرى. لكن ما يخرج من الأرض بالكاد يغطي تكاليف الري والدفيئات والأسمدة، لتتراكم الديون عاما بعد عام. والسبب لا يقف عند حدود السوق وتكاليف الإنتاج فقط، بل يجد جذوره في سياسات الاحتلال التي تضيّق الخناق على المزارعين في الأغوار وطوباس.

حصار مائي
تشكل الأغوار نحو 28% من مساحة الضفة الغربية، وتاريخيا عُرفت بأنها "سلة فلسطين الغذائية"، غير أن الاحتلال حوّلها إلى منطقة عسكرية مغلقة يسيطر فيها على الأرض والمياه.
وصادر الاحتلال آلاف الدونمات لمصلحة المستوطنات أو التدريبات العسكرية، وهدم الدفيئات الزراعية بحجة عدم الترخيص.
ويخوض المزارعون معركة يومية على المياه، إلى جانب الأرض. ففي قرية عين البيضا مثلا، استولى الاحتلال على معظم مصادر المياه الجوفية والينابيع، وقلّص حصة المزارعين إلى 30% تُضخ في ساعات محدودة فقط. كما منع إدخال المعدات الزراعية وصادر الجرارات والمضخات، فجعل ذلك استمرار الزراعة في مناطق مثل الفارسية وخلة خضر شبه مستحيل.
إعلان
ويؤكد أبو عامر أن الينابيع والآبار الجوفية كلها مغلقة، ومصنفة مناطق عسكرية، والدخول إليها ممنوع تماما.

إغراق السوق وإغلاق المعابر
لا تتوقف معاناة المزارع الفلسطيني عند حدود الأرض والمياه، بل تمتد إلى السوق. فبعد عناء الزراعة، يجد نفسه أمام منتجات إسرائيلية أرخص ثمنا تغرق السوق المحلية وتباع أحيانا بنصف سعر المحصول الفلسطيني، بينما يفرض الاحتلال قيودا تمنع تسويق المنتج الفلسطيني أو توريده على نطاق أوسع.
يقول أبو عامر "في البقيعة زُرع 400 دونم بصل، وبينما سعر البصل الفلسطيني 20 شيكلا، يُدخل الاحتلال البصل الإسرائيلي بـ10 شياكل، فيضطر المزارعون إلى إتلاف محاصيلهم بدل بيعها".
كما تعيق الحواجز الإسرائيلية حركة الشاحنات لساعات طويلة، مما يتسبب بتلف كميات كبيرة من الخضار الطازجة، والوصول إلى أسواق رئيسية مثل الخليل أو بيتا يصبح صعبا، وهو ما يضاعف الخسائر ويحدّ من قدرة المزارعين على تسويق منتجاتهم.
نتيجة لذلك، يلجأ بعض المزارعين إلى إقامة بسطات (نقط بيع صغيرة) على شارع 90 -طريق رئيسي يربط الأغوار بالمحافظات الكبرى وهو تحت السيطرة الإسرائيلية الأمنية بالكامل- لبيع منتجاتهم، لكنهم يواجهون مضايقات متكررة من المستوطنين الذين يعتدون على هذه البسطات ويحرقونها.

تضييق ممنهج
يصف معتز بشارات، مسؤول ملف الاستيطان في الأغوار، ما يحدث بأنه "تدمير ممنهج للزراعة". فمنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي استولى الاحتلال على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وقطع المياه عن قرى مثل بردلة وكردلة والعين البيضا.
ويضيف بشارات للجزيرة نت "المياه التي تصل إلى المزارعين تقلصت بشكل كبير، فأثّر ذلك على آلاف الدونمات المزروعة".
إلى جانب ذلك، تغلق الحواجز العسكرية مثل الحمرا وتياسير المنطقة بشكل شبه كامل، بحيث ينتظر المزارع أو العامل 5 أو 6 ساعات لعبور الحاجز، فيضيع يوم عمل كامل ويقطع الصلة بين المزارعين وأراضيهم.
ويشير المتحدث إلى أن الاحتلال صادر أكثر من 700 دونم مزروعة بالخضراوات في مناطق بردلة وكردلة والدير. كما لم يتبقَّ اليوم سوى 3 ينابيع فقط في الأغوار الشمالية بعد الاستيلاء على أكثر من 18 نبعا وتحويلها إلى مشاريع سياحية تخدم المستوطنين.
ويؤكد أن هذه السياسات تهدف إلى تفريغ الأغوار من سكانها؛ "فالاعتداءات على المزارعين وحرق الممتلكات ليست أعمالا فردية، بل جزء من منظومة الاحتلال التي تمارس دور الجيش بلباس مدني، مدعومة من حكومة الاحتلال التي تخصص شهريا أكثر من 135 مليون شيكل للمستوطنات، و35 مليون شيكل لمراقبة ومنع البناء الفلسطيني".

تهديد الوجود
ويختتم بشارات حديثه بالإشارة إلى عجز المؤسسات الدولية، مؤكدا أن ما يحتاجه المزارع الفلسطيني هو حماية دولية حقيقية تُمكّنه من البقاء على أرضه.
ويشدد على أن "الشعب الفلسطيني يعيش جحيما يوميا في الأغوار، وإذا لم يتحرك العالم بجدية لوقف جرائم الاحتلال فإن الوجود الفلسطيني برمته مهدد في هذه المناطق".
ينعكس هذا الواقع على تراجع الإنتاج الزراعي المحلي، بما يضعف قدرة الفلسطينيين على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، ويرفع الاعتماد على المنتجات الإسرائيلية، ويزيد من هشاشة "سلة فلسطين الغذائية"، ويحمل في طياته خطرا حقيقيا على الوجود الفلسطيني الزراعي والسكاني في منطقة طالما عُرفت بأنها قلب فلسطين الزراعي النابض.
إعلان
0 تعليق