دردشة مع الشاعر المقدسي نبيل جولاني: لا رسائل في الأدب الفلسطيني الحالي - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

حاوره زياد خداش:

 

أذهب إلى القدس كل شهر تقريباً وأمامي هدفان، أن أمشي في العتيقة بلا هدف، وأن أجلس مع الشاعر والإعلامي المقدسي نبيل جولاني، اسميه أرشيف الثقافة الفلسطينية، لا تغيب عنه معلومة، جاهز دائماً لتصحيح خطأ في اسم كاتب أو في مكان أو في دار نشر أو اسم كتاب أو تاريخ أمسية.
نبيل يعيش في زمن الثمانينيات لا يعترف بالمحمول الذكي ولا باللاب توب، وما زال يسمع الأغاني من الكاسيتات القديمة، ما زال محتفظاً بجزء من مكتبه الشهير في شارع صلاح الدين، يكتب ويقرأ، ويستقبل الأصحاب، ويتذكر الماضي، هذه دردشة معه:

 

*انت من الزمن القديم حتى الأشياء المحيطة بك نفدت صلاحيتها وصارت تراثاً؟
- أنا أقدّر التّقدّم في كل شيء وخاصة التقدم والتطور التكنولوجي العلمي، وأدرك مدى حاجتنا وحاجة الناس إلى ذلك، ما يساهم في التطور الصناعي والزراعي والعمراني والصحي والتعليمي والعسكري والتجاري، ما يسهل ويوفر ويسرّع معظم المعاملات على تعددها واختلافها على مختلف الأصعدة في أرجاء الكون كافة، وأنا راضٍ عن ذلك، ولكن الاستعمال الخاطئ لما تُسمى أجهزة التواصل الاجتماعي، وهي في الحقيقة عندنا "أجهزة للتباعد الاجتماعي" زيادة على ما نحن فيه اليوم من وضع رديء، الأكثرية يعزون الفساد إلى الموبايل، وفي رأيي أن كثيراً من الناس فاسدون والموبايل فقط سهل فسادهم، يدّعون أنهم يقرؤون ويحصلون على المعرفة على الموبايل، يقرؤون المصحف والأدب والعلوم وينهلون منه المعرفة والثقافة، نحن شعبٌ لا يقرأ، الثقافة أساس قيام الدول، وفي الواقع لا يعدو كل ما يقرأ إلا سخافات في سخافات، والدليل على ذلك ما تعيشه المنطقة من تخلف وعجز وجهل متراكم.
يلومني الكتاب والصحافيون والأهل والأصدقاء كوني أحمل جهازاً غير متطور يخلو من الشبكة العنكبوتية، أنا أختار ذلك للأسباب التي ذكرتها، ولأنني أمسك بيدي حينها وأقرأ الكتاب، ولأنني أفضّل أن أذهب لألتقي بالإخوة والأصحاب لا عبر رسالة إلكترونية لا تصيب شغاف القلب ولا تصل الألباب.


*احكِ لي عن تقييمك لتجربتك الثقافية والشعرية؟
- كتبت الشعر، رغم أننا لسنا هنا في حفل تقييم أو تكريم أو أي شيء آخر، أو دراسة نقدية تعددت فيها الاجتهادات أو الشهادات.
وكتبتُ النقد الأدبي من خلال الندوات التي شاركت فيها، وكتبت مئات المقالات النقدية من خلال ندوة اليوم السابع 1991 سنة التأسيس وحتى زمن ليس ببعيد، أي قبل بضع سنوات عندما أصبحت تدار إلكترونيا، وأنا لا أشارك في ذلك.
وكتبت بشكل منتظم في النقد المسرحي عن معظم المسرحيات التي عرضت على مسارح القدس المتعددة منذ العام 1969، حتى زمن قريب وخاصة (المسرح الوطني الفلسطيني/ الحكواتي) الذي أصبحتُ عضواً في مجلس إدارته.
وكتبت، وهذا مهم، دراسة عن الفنان، رسام الكاريكاتير ناجي العلي بعنوان (ناجي العلي فناناً مناضلاً) في كتاب صدر العام 1992، بالاشتراك مع الكاتب د. إبراهيم العلم، وكنت أول من أصدر كتاباً عن ناجي العلي من الكتّاب الفلسطينيين، مع أني كنت قبل ذلك قد أصدرت كتابين يضمان رسوماً كاريكاتيرية لناجي، الأول بعنوان "ناجي العلي الناطق باسم الفقراء والقضية" في تموز 1987، والثاني بعنوان "ناجي العلي شهيد الفقراء والقضية" في أيلول من نفس العام.

 

*ذاكرتك الثقافية عميقة جداً لدرجة أنك الآن يمكن أن تصف لي تفاصيل مهرجان ثقافي في الثمانينيات، هل تعذبك الذاكرة يا نبيل، ما الذي جنيته منها؟
- الذاكرة القوية والحيوية هي شيء طبيعي في تكوين بنية الإنسان كباقي أجزاء الجسم الهيكلية الميكانيكية والفسيولوجية والسيكولوجية، ولكنها تختلف من شخص لآخر حسب طبيعة اهتمامات هذا الشخص أو ذاك، وحسب عمق وعيه واتساعه، وحسب طبيعة إدراكه وتربيته وبيئته وشعوره وحسه وانتمائه ومسؤوليته تجاه نفسه، وتجاه الآخرين، وتجاه قضاياه وقضايا شعبه وأمته على مختلف المستويات والأصعدة، وحسب ما سبق تتحدد قوة أو ضعف ذاكرته.
للحفاظ على ذاكرة قوية ينبغي على المرء القراءة الدائمة والمتابعة والاهتمام، والفعل والتفاعل، والمثابرة والمبادرة، فالذي يعمل كثيراً يتذكر كثيراً، والذي لا يعمل لا يوجد عنده شيء يتذكره، والذي لا يقرأ ويتابع التاريخ يبقى جاهلاً، فارغاً، غافلاً، ساذجاً، تأخذه رياح الأعداء متعددي الجنسيات إلى حيث شاؤوا.
وكما يقال (الفرق بين الذاكرة والذكريات، هو أن الذاكرة تجعلنا نمتلك الماضي في سياق بناء الحاضر والمستقبل، أما الذكريات فإنها أسر الماضي للحاضر عبر تحويله تكراراً).

 

*أنت والكاتب أسعد الأسعد ساهمتما في تأسيس اتحاد الكتاب بالقدس في الثمانينيات حدثنا عن السياق؟
- كانت القدس دائماً مقراً لمختلف المؤسسات التي تنشأ داخلها وخارجها، نظراً لخصوصيتها ورمزيتها ومكانتها، وقد بادرتُ مع صديقي الكاتب أسعد الأسعد من أجل النهوض بالحركة الأدبية الثقافية وبعثها واستمرارها وتنظيمها، ونشر المعرفة والحفاظ على الهوية والحرية الفكرية الوطنية.
فبادرنا إلى تأسيس "تجمع كتاب البيادر" (نسبة إلى مجلة البيادر الأدبية التي كانت تصدر في ذلك الوقت) ريثما نحصل على ترخيص من سلطات الاحتلال، وكان ذلك في العام 1977، واستمررنا في ذلك إلى أن انطوينا تحت مظلة "الملتقى الفكري" العام 1980 باسم (دائرة الكتاب)، وكانت التجربتان ناجحتين، حيث أقمنا في عامي 1981 و1982 مهرجانين أدبيين ضما كُتّاباً من الضفة والقطاع في الشعر والقصة والنقد الأدبي.
وفي العام 1984 حصلنا على ترخيص لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة باسم (أسعد الأسعد، نبيل الجولاني، وخليل توما).
ولأنها القدس كما ذكرت تم تأسيس نقابة للصحافيين، وقد ترأسها الكاتب أكرم هنية، ورابطة للفنانين التشكيليين ترأسها الفنان التشكيلي سليمان منصور، ورابطة للمسرحيين ترأسها الفنان المسرحي أحمد أبو سلعوم.

 

*هل تتابع الحياة الثقافية الآن في فلسطين؟ ما رأيك؟ هل أنت راضٍ عنها وماذا عن ثقافة القدس؟ هل يمكن القول إنها ماتت؟
- أتابع الحركة الثقافية في فلسطين، ليس الموضوع رضاي عنها أو عدمه لأننا في وضع غير صحي وغير مقبول ومحاصر ومطارد من الاحتلال، ونعاني من عقبات عدة وتشويهات، ونعاني مما يسمى نظام العولمة، والتبعية الفكرية وغيرها، وهناك تراجع في معظم ما يُكتب ليس في وطننا بل في محيط الوطن العربي ككل، نتيجة لما نحن به اليوم من تراجع وهبوط فكري وانهيار في المستوى السياسي والخطابي والإعلامي، فضلاً عن التراجع في المواقف والمبادئ والقيم والفعل والأداء.
في الوطن العربي زُجَّ بالكتاب التقدميين في السجون، أو هُجّروا، أما من تبقى منهم يعيش في حالة تصالح مع السلطة… وأصبح لا رسائل في الأدب، وتتخلله المافيا والجنس، والدليل على ذلك ما يعرض على الشاشات من أعمال بلا لون ولا طعم، وفي أحسن الأحوال عندما يكون استعراض مهرجاني أو تظاهرة ثقافية، أو عرس أدبي، ومن وجهة نظري أن التظاهرة تبدأ في أول الشارع وفي نهايته يذهب كلٌّ إلى غايته، أما العرس فيبدأ مساءً وينتهي في صبيحة اليوم التالي.

 

0 تعليق