رحاب عبد العظيم
Published On 10/9/202510/9/2025
|آخر تحديث: 16:16 (توقيت مكة)آخر تحديث: 16:16 (توقيت مكة)
تُعرف "التيتراكروماسي" أو ما يُطلق عليها "الرؤية رباعية الألوان" بأنها قدرة بصرية نادرة يمتلكها عدد محدود من البشر، تُمكّنهم من تمييز درجات وأطياف لونية لا يراها الآخرون، هذه الميزة الجينية نادرة الحدوث لدى الرجال، وقد عُرفت من بين أبرز الحالات الفنانة التشكيلية الأسترالية كونشيتا أنتيكو، التي ثبت أنها قادرة على رؤية ألوان تفوق ما يراه الإنسان العادي بأكثر من مائة مرة.
ومن خلال هذه القدرة، تلتقط أنتيكو تفاصيل لونية دقيقة في السماء أو البحر أو أوراق الشجر تبدو للآخرين بلون موحّد، وما يثير الدهشة أن كثيرًا من النساء قد يحملن هذه الموهبة من دون أن يدركن ذلك، فما هي حقيقة الرؤية رباعية الألوان وكيف يمكن التعرّف على وجودها؟
قدرة بصرية خارقة
يعتمد معظم البشر في حياتهم اليومية على المخاريط البصرية الثلاثة في العين لرؤية الألوان خلال النهار، إذ توجد 3 أنواع منها: المخاريط الحساسة للموجات القصيرة (الأزرق)، والمتوسطة (الأخضر)، والطويلة (الأحمر)، وبفضل هذه المستقبلات يتمكن الإنسان العادي من التمييز بين نحو مليون لون مختلف.
لكن هناك قلة نادرة من الناس يمتلكون نوعًا رابعًا من المخاريط أكثر حساسية لأطوال الموجات الصفراء والخضراء، ما يمنحهم قدرة غير عادية على تمييز ما يصل إلى 100 مليون لون، وعلى النقيض من ذلك، يفتقد بعض الأشخاص إلى واحد أو أكثر من هذه المخاريط، فيعانون من عمى الألوان، أما من يملكون الرؤية "الرباعية الألوان" فيتمتعون بقدرة فريدة على إدراك فروق دقيقة بين التدرجات، وهي ما يصفه العلماء بأنه شكل معزز من إدراك الألوان، ولا سيما في الجزء الأصفر والأخضر من الطيف المرئي.
موهبة نسائية
في عام 1948، طرح العالِم الهولندي إتش إل دي فريس فرضية تفيد بأن بعض النساء يتمتعن بقدرة استثنائية على إدراك الألوان بفضل عوامل وراثية، وقد اعتبر أن النساء اللواتي يُعرفن بـ"الرباعيات الألوان" هن في الغالب بنات لأشخاص مصابين بعمى الألوان الخلقي، وما زال الباحثون حتى اليوم يرجّحون أن هذه الموهبة الفريدة تكاد تقتصر على النساء لأسباب جينية، بينما يُعد ظهورها عند الرجال أمرا نادرًا للغاية، وتشير التقديرات إلى أن نحو 10% إلى 12% من النساء يحملن الجين المسؤول عن هذه القدرة الخاصة.
إعلان
وفقًا لموقع "هيلث لاين"، تشير الدراسات إلى أن رجلاً واحدًا من بين كل 12 رجلًا يعاني من عمى الألوان، في حين تصيب الحالة امرأة واحدة فقط من بين كل 200 امرأة، هذا التباين الكبير يوضح السبب في أن بعض النساء قد يرثن قدرة الرؤية الرباعية للألوان من أحد والديهن أو أجدادهن الذين كانوا مصابين بعمى الألوان.
حكايات عن القدرة الخارقة
يتمتع أصحاب رباعية الألوان بقدرة خاصة على رؤية التغيرات الطفيفة في لون البشرة، لذلك هم أقدر على اكتشاف العلامات البسيطة في الجلد التي قد تشير إلى أمراض أو مشكلات صحية أخرى، كما أنها لا تمنح أصحابها قدرة فائقة على رؤية الألوان وحسب ولكنها أيضا تمكنهم من استخدامها بطريقة أكثر ديناميكية في الحياة اليومية.
تعد كونشيتا أنتيكو -وهي فنانة أسترالية أمريكية- أحد أشهر الأشخاص من ذوي "رباعية الألوان"، بدأت قصتها عام 2012 فقط، حيث اكتشفت وهي بعمر الخمسين أنها رباعية الألوان، ولم تكن تعلم عن الأمر قبلها أي شيء.
تقول في لقاء نشر لها بمدونة "مانسيل للألوان"، "لطالما كنت مهتمة بالألوان والتعبير الفني، قالت لي أمي قبل أن تموت في طفولتي أنني سوف أصير فنانة عظيمة ومعلمة فن، لطالما أردت أن أظل في الطبيعة، كنت أجمع الأشياء وأتأثر بالألوان الجميلة التي أراها، وأعتبرها بمثابة مجوهرات بالنسبة لي، وظللت كذلك، حتى جاء لي أحد طلابي قبل سنوات بمقال عن رباعية الألوان، وقال لي أعتقد أنك واحدة من هؤلاء، لكنني لم أصدق، اعتبرت الأمر مبالغة، ومرت بضع سنوات أخرى، قبل أن تعاني ابنتي مع مشكلة في رؤية الألوان وحين اختبرها الطبيب اكتشفت أنني أرى ما لا تراه ابنتي أو الطبيب، غرقت في الحزن لكنني لاحقا تلقيت المزيد من الملاحظات بشأن الأمر حتى خضعت أخيرا لاختبارات أثبتت أنني رباعية الألوان".
تخضع كونشيتا أنتيكو لعدد من الدراسات والاختبارات أبرزها تلك الدراسة التي تعمل عليها جامعة كاليفورنيا في إيرفن، حيث تبين أن انغماس كونشيتا في الألوان جعلها تعبر مجرد امرأة حاملة لجين مختلف إلى نمط أعلى في قدرات التمييز بين الألوان، تقول: "الأمر يشبه العضلة كلما تمرنت زادت قوتها، تبدأ كهدية جينية ثم تتطور أو لا بحسب نمط الحياة".
كيف يمكن اكتشاف الموهبة؟
ما زالت القدرة الفائقة على تمييز الألوان تجذب اهتمام العلماء وتشجعهم على إجراء المزيد من الأبحاث -وفي هذا السياق- أطلقت جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة مشروعًا بعنوان "مشروع رباعية الألوان"، بهدف التعرف على مزيد من الأشخاص الذين يمتلكون هذه الموهبة ودراستها، ويقول المشرفون على المشروع إن الطريقة الأفضل لاكتشاف ما إذا كانت المرأة تحمل جين "رباعية الألوان" هي النظر في حالة أقاربها الذكور، مثل الأب أو الابن: فإذا كان أحدهما يعاني من ضعف بسيط في رؤية الألوان أو من عمى ألوان خفيف جدًا، فإن احتمال أن تكون الأم أو الابنة قادرة على رؤية عدد أكبر من الألوان يصبح أعلى.
وتتواصل الأبحاث حتى اليوم لفهم كيفية عمل رباعية الألوان بشكل أدق، ورغم أن الاختبار الجيني يُعد الوسيلة الوحيدة المؤكدة للكشف عن هذه الميزة، فإن هناك اختبارات بصرية إضافية يمكن أن تساعد أيضًا، حيث يُعرض على الشخص مجموعة من الألوان المتشابهة قليلًا، ويُطلب منه تمييز الفروق بينها وفق مقياس محدد لقياس حساسيته للألوان الدقيقة، كما تتوفر اختبارات على الإنترنت لهذا الغرض، لكنها لا تُعد دقيقة بما فيه الكفاية بسبب اختلاف جودة وخصائص الشاشات من جهاز لآخر.
إعلان
0 تعليق