سد النهضة والمواجهة بين أديس أبابا والقاهرة - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

Published On 10/9/202510/9/2025

|

آخر تحديث: 17:05 (توقيت مكة)آخر تحديث: 17:05 (توقيت مكة)

في أجواء يغمرها الزهو، افتتحت إثيوبيا "سد النهضة". وقد أعدت للاحتفال إعدادا دقيقا ليكون حدثا شعبيا داخليا، وليدشَن أفريقيًا كعمل تنموي يعنى بالقارة الأفريقية بأسرها.

السد، الذي بدأ بناؤه 2011 على النيل الأزرق، أثار منذ لحظة الإعلان عنه عواصف من الجدل والنزاع بين إثيوبيا ودولتَي المصب، مصر والسودان، لما ينطوي عليه من طابع أحادي يمس مصالحهما الحيوية، إذ تعتمدان بشكل شبه كامل على مياه النيل، خاصة في مجال الزراعة.

تاريخ مرير من المراوغة

خاضت القاهرة، تليها الخرطوم، مفاوضات شاقة مع الجانب الإثيوبي، الذي ظل يراوغ تارة تلو أخرى، بغية كسب الوقت. في المقابل، سعت القاهرة إلى الاستعانة بوسطاء دوليين، كان أبرزهم الوسيط الأميركي، إلا أن جميع الجهود باءت بالفشل في دفع إثيوبيا نحو اتفاق يحدد شروط الملء، وآليات إدارة السد خلال مواسم الجفاف، وسائر الجوانب الفنية، التي اعتبرتها أديس أبابا شأنا داخليا، في حين نظرت إليها القاهرة والخرطوم بوصفها جزءا من أبسط القواعد المتعارف عليها دوليا في إدارة الأنهار المشتركة، والتي تقتضي أن تشرك دولة المنبع بقية دول الحوض في أي مشاريع تمس النظام المائي للنهر.

وقد دعيت مصر والسودان رسميا لحضور مراسم افتتاح السد، لكن غيابهما حمل دلالات قوية على حجم الخلاف مع أديس أبابا، وعلى عمق الغضب من انفراد إثيوبيا بالقرار، وهو المسار الذي بدأ مع الملء الأول عام 2020.

وتصر القاهرة على أنها لم تعدم الوسائل التي تقوض بها المساعي الإثيوبية للانفراد بالنيل، أو لمد نفوذها الإقليمي.

إثيوبيا.. استقواء داخلي ونجاح في التسويق الدولي

من دوافع التشدد الإثيوبي أن السد اعتبر أداة فعالة لتقويض الخلافات الداخلية العميقة، التي تمزق النسيج الوطني الإثيوبي، بين الأورومو والتيغراي والأمهرة وغيرهم من مكونات هذا البلد الفسيفسائي، المترامي بتعدد أديانه ولغاته وثقافاته وأعراقه. ومن ثم، نظر إلى السد على أنه بوتقة لصهر تلك التناقضات، ورمز جامع لأمة ممزقة.

على الصعيد الخارجي، ساندت البيئة الدولية إثيوبيا في هذا المشروع. استخدمت إثيوبيا خطابا ذا طابع عرقي للدعاية ضد موقف مصر، معتبرة أن مطالبتها بحقوقها في النيل هي شكل من "استعلاء الآخر الأبيض".

وروجت أن دول شمال أفريقيا "البيضاء" تنظر إلى بقية القارة نظرة دونية، تعيق نهوضها. بهذا الخطاب، استدرت أديس أبابا تعاطفا واسعا في أفريقيا، عجزت القاهرة، بل وحتى الخرطوم "السمراء"، عن مجاراته إعلاميا.

إعلان

وقد حرصت إثيوبيا على تصوير مشروع السد بوصفه ردا معنويا على قرون من التهميش، في حين لم يكن للقاهرة ما تسوقه سوى سجلها في دعم القارة بطرق شتى، ومنها احتضان مقر الاتحاد الأفريقي، وشبكة الربط الجوي عبر الخطوط الإثيوبية.

وقد عمدت أديس أبابا إلى تحريض بعض البلدان الأفريقية على مصر والسودان في مناسبات متكررة، مستخدمة اتفاقية عنتيبي كأداة إستراتيجية. الاتفاقية، الموقعة عام 2010، دخلت حيز النفاذ في 2024، بعد توقيع جنوب السودان عليها، رغم اعتراض مصر والسودان عليها، كونها تعيد توزيع حصص مياه النيل، وتمنح دول المنبع حرية إقامة مشروعات على النهر دون الرجوع إلى دولتي المصب.

فوق التعاطف الأفريقي، حرصت إثيوبيا على كسب تأييد دول كبرى، سواء عبر إشراكها في البناء مثل الصين، وألمانيا، وإيطاليا، أو عبر محاولة التحالف مع دول كروسيا، والصين اللتين تحتويان منابع أنهار تمتد إلى دول أخرى، محذرة من أن نجاح مصر كدولة مصب في التحكم في النهر، يشجع دول المصب الأخرى عالميا أن تحذو حذوها. والمعروف أن روسيا، والصين، تتحكمان في أنهار تتقاسمانها مع الهند، وبنغلاديش، وكازاخستان، وغيرها.

القاهرة تهاجم أهداف السد

تنظر القاهرة اليوم بكثير من الامتعاض إلى افتتاح "سد النهضة"، أو كما تسميه "السد الإثيوبي"، إذ ترى أنه لم يحقق التنمية المنشودة، لا لإثيوبيا ولا لجيرانها. ففي نظرها، تشغيل ستة توربينات من أصل 16، بطاقة توليد لا تتجاوز 1800 ميغاواط من أصل 5600 ميغاواط مستهدفة، يعد مؤشرا على الإخفاق. كما ترى أن فكرة تصدير الكهرباء تحولت إلى حلم بعيد المنال.

وترى مصر أن افتتاح السد لا يعني تكريسا للأمر الواقع، فالمشكلات الأساسية ما زالت قائمة: ماذا عن إدارة الجفاف؟ وماذا لو انهار السد؟ وأين هي معايير الأمان؟ الضرر قد وقع بالفعل على مصر والسودان بعد ملء 64 مليار متر مكعب من المياه في منطقة جيولوجية شديدة الاضطراب، حاملة لتشققات وصخور هشة، مما ينذر بانهيارات كارثية في حال حدوث زلازل ناجمة عن هذا الحمل المائي الهائل.

ما الذي تستطيع مصر  فعله؟

تتمسك مصر والسودان بحق العودة إلى مجلس الأمن، استنادا إلى الفصلين السادس والسابع، في محاولة لردع إثيوبيا عن الاستفراد. وتراهنان على مبادرة حوض النيل، كمنصة لجذب مزيد من دول المنبع إلى اتفاقية جديدة بديلة لعنتيبي، خاصة أن هناك آمالا في انضمام دول كتنزانيا، وكينيا، وأوغندا، والكونغو الديمقراطية.

وكذلك فإن واحدة من أبرز أوراق القاهرة في مواجهة التمدد الإثيوبي، دعم علاقتها بكل من الصومال، وإريتريا. فمع العبث الإثيوبي التاريخي في إقليم أوغادين، وإثارة النزعات القومية، تسعى مصر إلى دعم استقرار الصومال، والتعاون مع إريتريا لتأمين موطئ قدم على البحر الأحمر، الذي تحلم إثيوبيا بالوصول إليه؛ كونها إحدى كبرى الدول الحبيسة في العالم.

وقد أقرت القاهرة مع مقديشو، في أغسطس/آب 2024، مشاركة عسكرية ضمن بعثة AUSSOM لدعم أمن الصومال، بواقع 4 آلاف جندي مصري للفترة من 2025 إلى 2029، وذلك بعد انتهاء مهمة بعثة ATMIS، وأرسلت كميات من العتاد العسكري في سبتمبر/أيلول 2024.

إعلان

ولم تمر هذه الخطوة مرور الكرام، إذ صرح سليمان ديديفو، سفير إثيوبيا في مقديشو، لقناة "يونيفرسال الصومالية"، قبل أيام من وصول القوات المصرية، بأن هذا الوجود يشكل "تحديا سياسيا وإستراتيجيا" للقوات الإثيوبية.

أما في أسمرا، فتسعى القاهرة إلى توسيع التعاون مع إريتريا في ملفات عدة، على قاعدة مشتركة من العداء لجبهة تحرير التيغراي، وهو تلاقٍ يبدو أنه يزداد رسوخا.

داخليا، تنفذ مصر مشاريع ضخمة في مجال ترشيد المياه، ومعالجة الصرف الزراعي والصحي، لتحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة. ومن بين تلك المشاريع، محطة "المحسمة" التي تنتج مليون متر مكعب يوميا، تستخدم لري 60 ألف فدان. وهناك كذلك 11 محطة تحلية تعمل حاليا، بطاقة 485 ألف متر مكعب يوميا، ضمن خطة لزيادة عدد المحطات إلى 23 بين 2025 و2030، بطاقة إجمالية 2.65 مليون متر مكعب يوميا.

هكذا يبدو أن منطقة حوض النيل لم تهدأ رغم افتتاح السد، بل ربما نشهد تصعيدا جديدا، من نوع آخر، لا يُعرَف مداه بعد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق