أيمن إسماعيل
Published On 10/9/202510/9/2025
|آخر تحديث: 17:22 (توقيت مكة)آخر تحديث: 17:22 (توقيت مكة)
انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي
share2شارِكْ
اشتهر ريد هوفمان الشريك المؤسس لموقع "لينكد إن" بقدرته على توقع اتجاهات المستقبل، ففي أواخر التسعينيات توقع صعود الشبكات الاجتماعية قبل ظهور فيسبوك بوقت طويل، ثم تنبأ بانتشار اقتصاد العمل الحر فاستثمر في شركات مثل "إير بي إن بي" (Airbnb)، كما تحدث عن الذكاء الاصطناعي قبل أن يدرك معظم الناس إمكاناته، واليوم يتوقع هوفمان أنه بحلول عام 2034 سيصبح العمل المكتبي شيئا من الماضي وسوف تتراجع أهمية الوظائف التقليدية لأن تقنيات الذكاء الاصطناعي سوف تُغير طريقة كسب المال.
ويرى هوفمان أن نموذج الوظيفة المكتبية من التاسعة إلى الخامسة في طريقه للاندثار، ولن يبقى أكثر من نصف القوى العاملة الأميركية مرتبطة بالمكاتب، بل سيعملون عن بُعد كعاملين مستقلين أو في وظائف مرنة تتيح لهم اختيار وقت ومكان عملهم.
وهذا التغيير لا يقتصر على الراحة فحسب، بل إنه مدفوع بالتكنولوجيا التي تجعل العمل عن بعد ممكنا وسلسا، وبفضل مكالمات الفيديو والأدوات السحابية والذكاء الاصطناعي استغنت الشركات عن جمع موظفين في مكان واحد، كما أن الكثير من الموظفين يفضلون الحرية على التنقل اليومي.

ومن الأسباب الرئيسية الأخرى لهذا التحول هو الأتمتة، فالذكاء الاصطناعي بدأ يتولى المهام الروتينية مثل إدخال البيانات وجدولة المواعيد وخدمة العملاء بكفاءة وسرعة أكبر، ورغم أن ذلك قد يبدو تهديدا للوظائف، يعتقد هوفمان أنه سيدفع الناس نحو أعمال أكثر إبداعا وذات معنى تُركز على حل المشكلات والتفكير الإستراتيجي بدلا من الأعمال المتكررة، فالذكاء الاصطناعي -في رأيه- لن يُلغي الوظائف بل سيُعيد تشكيلها.
مستقبل الوظائف في رأي هوفمان
يتنبأ هوفمان بتغيير طريقة التوظيف بشكل جذري، إذ إن الشركات لن تعتمد كثيرا على السيرة الذاتية أو الشهادة الجامعية، بل ستركز على الخبرة العملية والأعمال التي أنجزها الشخص وصورته المهنية على الإنترنت، ولن تهم الشهادة الجامعية بقدر أهمية المشاريع التي أنجزها الشخص أو المهارات التي يُظهرها عبر الإنترنت أو الشبكة التي بناها، وسيكون التوظيف من خلال أنظمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تُحلل الأعمال السابقة والحضور الرقمي بدلا من مجرد النظر إلى مسمى وظيفي أو مؤهل دراسي.
إعلان
وفي الاقتصاد المستقبلي الجديد لن يكتفي معظم الناس بوظيفة واحدة، بل سيلجؤون إلى مصادر دخل متعددة، وظيفة جزئية- عمل حر- مشروع جانبي- استثمار، ولن يعتمد الشخص على مهنة واحدة، بل سينتقل بين أدوار مختلفة ويطور مهاراته حسب الفرص المتاحة، ورغم أن البعض قد يرى هذا التغيير مثيرا، فإن البعض الآخر قد يجدونه مُرهقا لغياب الاستقرار الوظيفي التقليدي.
ورغم كل الفرص المتاحة، فلن يكون المستقبل سهلا للجميع لأن الانتقال إلى عمل مرن عن بُعد يتطلب تعلما مستمرا، ومن دون هيكل المكتب يتحتم على الأفراد تنظيم وقتهم بأنفسهم وبناء علاقاتهم والحفاظ على التنافس في سوق متغير، والتوازن بين العمل والحياة قد يصبح أصعب حين تختفي الحدود بين البيت والعمل. البعض سيجد صعوبة في التأقلم، لكن من يستعد ويتبنى التغيير مبكرا سيكون له الأفضلية.
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل وظائف الخريجين الجدد
يقول هوفمان "أي وظيفة تتطلب من إنسان أن يتصرف كروبوت، فإن الروبوت سوف يتقنها في النهاية، وتُعد أدوار خدمة العملاء التي تعتمد على أداء مهام متكررة وموحدة مثال واضح، لذلك لا أستغرب أن نرى استبدال بعض هذه الوظائف بالذكاء الاصطناعي".
والمسألة الأكثر إثارة للاهتمام هي تراجع وظائف الهندسة بالنسبة للخريجين الجدد، ويعتقد هوفمان أن كل عمل معرفي بشري سيكون لديه مساعد برمجي، بدلا من مهندس مبتدئ، وهذا يعني أن الأشخاص الذين يفهمون الحوسبة سيصبحون أكثر أهمية لا أقل، لكن طبيعة عملهم اليومي ستتحول من كتابة الأكواد إلى إدارة الوكلاء البرمجيين.
وكتب هوفمان في منشور على صفحته على "لينكد إن": "في هذه المرحلة المبكرة لم تتوصل العديد من الشركات بعد إلى طريقة لدمج المهندسين الجدد في سير العمل المبني على الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك ما زلت أؤمن أن الطلب على الأشخاص الذين يفكرون بطريقة تقنية سيكون غير محدود تقريبا". وأضاف "هذا لا يعني اختفاء الوظائف كليا، فعلى سبيل المثال مهنة المحاسبة، عندما ظهرت جداول البيانات خشي كثيرون أن تختفي مهنة المحاسب، لكن العمل تحول من عمليات جمع حسابية روتينية إلى تخطيط سيناريوهات ونمذجة مخاطر وتقديم استشارات، وهكذا فإن الذكاء الاصطناعي سيعيد تشكيل خدمة العملاء بطريقة مشابهة".
ومع ذلك، قد يبدو تراجع الوظائف للخريجين الجدد كابوسا، خصوصا لمن يدخلون سوق العمل للتو، لكنه بالمقابل يتيح فرصة فريدة لجيل مولع بالذكاء الاصطناعي، وإن كنت في بداية مسارك المهني اليوم فلديك ميزة خاصة، إذ يمكنك أن تنشأ على العمل مع "برمجيات الذكاء الاصطناعي المساعدة"، وتفهم القوة التي تمنحك إياها كموظف، وتساعد شركتك على دمج الذكاء الاصطناعي في أعمالها.
والاختبار الحقيقي هو "هل نتعامل مع هذه اللحظة كتحذير أم كفرصة؟"، إن انخفاض الوظائف للخريجين الجدد بنسبة 16% قد يشير إلى تآكل طويل الأمد في فرص الشباب، أو قد يكون صدمة مؤقتة تدفعنا لإعادة بناء، بل إعادة تصميم الدرجة الأولى في السلم الوظيفي بطرق أذكى وأكثر مرونة، النتيجة تعتمد بدرجة أقل على ما يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله، وأكثر على سرعة تكيف مؤسساتنا وشركاتنا ومساراتنا المهنية لواقع القوى العاملة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

ما التغييرات التي سيحدثها الذكاء الاصطناعي في الحياة المهنية؟
لن يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على استبدال العمل المكتبي وحسب، إذ إن تغيير طريقة العمل سوف يتبعها تغييرات على المستوى الشخصي والمهني، سنذكر أهمها والأكثر احتمالا للحدوث:
إعلان
زيادة الاستهلاك: زيادة كفاءة الذكاء الاصطناعي تعني زيادة في الأرباح على المدى القصير، ويتوقع هوفمان وآخرون أن الأسعار ستنخفض على المدى الطويل، وقد يؤدي هذا التحول إلى زيادة الاستهلاك، إذ سيجد المستهلكون أن لديهم قوة شرائية أكبر، وقد يترتب على ذلك ارتفاع مستوى المعيشة وإمكانية الوصول إلى منتجات وخدمات كانت سابقا غير متاحة أو باهظة الثمن. قفزة هائلة في الإنتاج: تتوقع شركة "جي بي مورغان تشيس" (JP Morgan Chase) -وهي شركة مالية متعددة الجنسيات- زيادة كبيرة في الإنتاج لم نشهد مثلها منذ ظهور تقنيات مثل المحرك البخاري أو الكهرباء أو الحاسوب الشخصي. على سبيل المثال، استغرق المحرك البخاري 60 عاما لتحقيق أي نوع من المكاسب الإنتاجية على مستوى الاقتصاد، والحاسوب الشخصي استغرق 15 عاما، بينما الذكاء الاصطناعي يغير بالفعل طريقة إنجاز العمل، وهذا يعني أن تركيزك المهني يجب أن يتغير ويتكيف مع هذا الواقع. التحول نحو القيمة والجودة: مع تحسين الذكاء الاصطناعي للإنتاج وخفض التكاليف، من المتوقع أن تزداد القيمة والجودة بينما تميل التكلفة في الاتجاه المعاكس، وقد يُسهم توفر منتجات عالية الجودة بأسعار أقل في تحويل اهتمام المستهلكين نحو المتانة وسمعة العلامة التجارية بدلا من السعر.
0 تعليق