عاجل

نادية سعد الدين: الفكر الفلسفي يرفد شبابنا بسلاح العقل - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يناقش بهدوء وتعمق مؤلف جديد للباحثة والأكاديمية الدكتورة نادية سعد الدين "الفلسفة والمشكلات المعاصرة، التطرف، الاغتراب الثقافي نموذجا"، في 188 صفحة من القطع الصغير الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية ضمن جهودها لتغذية المشهد الثقافي ودعم المبدعين، 4 قضايا رئيسة تمس حياتنا في المرحلة الحالية، هي التطرف والفلسفة والاغتراب الثقافي وأزمة الهوية وتعزيز قيم المواطنة، مستعينة بكثير من المراجع.

الباحثة والأكاديمية سعد الدين وجهت رسالة لجيل المستقبل "أختي الشابة، أخي الشاب، نأمل منك أن تدرك النتائج الوخيمة للاغتراب على الهوية سواء أكانت الشخصية منها أم المجتمعية أم الثقافية التي تعد أساس تماسك المجتمع وتطوره"، وتحدثت في مقدمة مؤلفها عن المنهجية التي قارب بها الفكر الفلسفي المشكلات المعاصرة وأدواته الفكرية والنقدية لمواجهتها وإيجاد الحلول المضادة لها، وطرائقه الكفيلة بتحرير الواقع من الخطابات المحرضة على العنف والتطرف والإرهاب.

المقاومة مشروعة

أشارت سعد الدين إلى القيم الإنسانية التي تحفل بها الفلسفة وتدافع عنها سبيلا لمواجهة مشكلة الاغتراب الثقافي، التي من شأنها أن تعزز قيم المواطنة التي قد تصبح ضحية تداعيات تلك الإشكاليات مجتمعة، بما يتضمن البحث في مرافد الفلسفة الفكرية والقيمية التي تسهم في تعزيز وعي الشباب حيال تحديات العصر وسبل مواجهتها.

وفي حديث خاص "للجزيرة نت" قالت الدكتورة نادية سعد الدين، إن المقاومة نقيض التطرف فهناك من يخلط بين المقاومة والإرهاب ولكنهما متناقضان تماما، فالإرهاب ينشأ من بنية فكرية صلبة وتنظيمية قوية، ويتبنى الاستخدام المنهجي للعنف لخلق مناخ عام من الخوف والرعب والإكراه والترهيب لدى السكان، وقتل المدنيين بهدف تحقيق مكاسب سياسية معينة، بينما أقر القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية حق الشعوب الرازحة تحت الاحتلال في الدفاع عن نفسها وأرضها ووطنها، فهو حق مشروع لها قانونيا ودوليا ومكفول أيضا في الشرائع والأديان السماوية.

نادية سعد الدين تدعو أصحاب الفكر والثقافة لتصحيح الأفكار المغلوطة في العقلية الغربية
نادية سعد الدين تدعو أصحاب الفكر والثقافة لتصحيح الأفكار المغلوطة في العقلية الغربية (الجزيرة)

الاغتراب الثقافي والعنف

وفي ردها على سؤال قالت: يُراد بالاغتراب الثقافي، بشكل عام، ابتعاد الفرد عن الثقافة الخاصة بمجتمعه، من حيث العادات والتقاليد والقيم السائدة، ومخالفة المعايير التي تضبط سلوك أفراده، حيث يرفض الفرد هذه العناصر وينفر منها ولا يلتزم بها، ويفضل كل ما هو غريب وأجنبي عنها.

إعلان

وحسب وجهة نظرها فإن الاغتراب يعكس ضآلة علاقات الشخص الاجتماعية من حيث الشعور بالاندماج أو بوجود القيم المشتركة مع محيطه الاجتماعي، فهو يعني حالة شعور الشخص بالغربة أو العزلة عن الآخرين، في بيئة العمل والمجتمع، فالفرد لا ينغمس في العلاقات الشخصية أو المجالات العامة، مثل الشؤون العامة والعالمية، ويكون لديه الشعور بالعجز وأنه لا يملك هدفا، لأنه لا يمكنه السيطرة على مصيره الذي يتم تحديده من قبل عوامل خارجية.

ويشير الاغتراب الثقافي إلى حالة الشخص النفسية وتكوينه الثقافي بما يمس شخصية أمته الثقافية ومكوناتها، كما يؤدي إلى الاغتراب الاجتماعي عبر استجابات سلوكية سلبية كالانسحاب والعزلة الاجتماعية، تعبيرا عن حالة الانفصال بين الفرد وبيئته، فينشأ عنها مجموعة سلبية كالغربة الثقافية والشعور باليأس وانعدام الأمل وحالات التوتر والقلق النفسية.

ولكن هل يقود الاغتراب الثقافي إلى العنف، تجيب الدكتورة سعد الدين، إن حركات التطرف الديني والثقافي تجد ضالتها بإحد مناهلها في الأفراد المنفصمين عن واقعهم الاجتماعي ومجالهم العام والمفتقدين للهدف والرؤية، ضمن عزلة ثقافية تمس أمن الأمة ومكوناتها، بما يؤدي إلى أضرار وخيمة تطال أيضا أصول المواطنة الفاعلة، عند المساس بعلاقة الفرد بوطنه وبحسه وانتمائه الوطني، وبمسؤولياته تجاه مجتمعه.

ووفق ما تراه الدكتورة سعد الدين فإن الاغتراب يؤول إلى تطرف وعنف، فالفكر المتطرف ينشط بين ثنايا شعور الشباب بالعزلة والعجز وغياب الهدف والمعنى والفراغ الفكري ورفض الواقع وعدم الانصياع للسائد من قيم ومعايير والإحساس بالإحباط والسخط والكراهية لكل ما يحيط به، مصحوبا برغبة جامحة في هدم أو تدمير أو إزالة كل ما هو قائم مما يدفعهم إلى رفض القيم الثقافية والوسائل المجتمعية المنتظمة والتعلق بأهداف ووسائل أخرى بديلة والمشاركة في جماعات فرعية لها ثقافتها الخاصة بها والانصياع لها وممارسة العنف والتطرف في ظل وجود نزعة تدميرية تتجه إلى خارج الذات في شكل سلوك عدواني، وأخرى تتجه إلى داخل الذات في شكل عزلة ونكوص وعدوان موجه إلى الذات.

لماذا الخطاب الفلسفي؟

وتعتقد الدكتورة سعد الدين أن الفلسفة تشكل صمام أمان مضاد للتطرف والإرهاب والاغتراب الثقافي، ومن وجهة نظرها فالخطاب الفلسفي يسعى إلى الإصلاح المجتمعي بإنشاء الظروف المواتية لتحقيق التغيير وإحلال السلام والتنمية المستدامة عبر استحثاث إعمال الفكر والنقاش العقلاني كما أنه يصُيب فئة الشباب أيضا بتحرير قدراتهم الإبداعية من خلال تقنيات التفكير والبراهين التي تقدمها الفلسفة بما يساعدهم على التساؤل الدائم وتحدي الأفكار المغلوطة ومعرفة السلوكيات الصائبة والخاطئة، وإدراك أهمية التعدد والاختلاف والتسامح وفهم القضايا الإشكالية بكثير من اليقظة سبيلا لتعويد الذهنية الشبابية على مواجهة التفكير المنغلق ومصارعته.

وقالت إن الفكر الفلسفي بما يحمله من مبادئ وقيم وخصائص تدعمه كفيل بصون الشباب العربي عامة وتحرير عقولهم من القيود والكوابح التي تُكبل إعمالهم للفكر والتدبر والتأمل وإرشادهم لكيفية التفرقة بين الفكر السوي والفكر المُتطرف من خلال رفدهم بسلاح العقل والنقد الذي يتيح لهم القدرة على تبصر مواطن الأمور والنظر إليها بعين محللة وناقدة غير مُنقادة، بما يُصعب على الآخرين السيطرة على عقولهم وتوجيه سلوكهم بحيل مخاطبة الوجدان وترويج الشائعات والمغالطات المُغرضة.

إعلان

مثلما يساعد الفكر الفلسفي على التخلص من الآراء والاعتقادات الخاطئة وعدم التسليم بصحة فكرة من دون اختبارها والاقتناع بها والتثبت من مصداقيتها عبر إعمال العقل والتأمل والتدبر العميق للتوقف عند أصل الظاهرة والأسباب الدافعة لها وتشخيصها بتروٍ وعدم تبني الأفكار والمسلمات الجاهزة.

الصهيونية المسيحية تروج المغالطات

وأوضحت الدكتورة نادية سعد الدين أن العنف ظاهرة موجودة في الأديان وليست مقتصرة على معتقد أو ديانة بعينها، إلا أن المحاولات الغربية المتواترة لإلصاق العنف بالإسلام وسحبه على جميع الحركات السياسية الإسلامية وربط المقاومة بالتطرف والإرهاب تعززت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بدفع صهيوني، بحيث أضحى "الإسلام السياسي"، وفق تبني هذه الرؤية، العدو الخارجي الجديد للغرب.

وقالت إن الصهيونية المسيحية لا سيما بعد عملية "طوفان الأقصى" تروج لمزاعم أن الإسلام "العنيف" والمقاومة الفلسطينية يمثلان العدو الأكبر للسِلم الدولي، وإن هناك صراعا حضاريا بين الإسلام وما يسمى "الإرث اليهودي المسيحي" يُواجهه الكيان الصهيوني، الذي يسعى دوما لتصوير نفسه كجزء من الحضارة والثقافة الغربية المتطورة، قبل أن تُسهم "طوفان الأقصى" في كشف زيف ادعاءاته ومحاولته التخفي وراء خطاب صراع الثقافات والديانات لتغطية الوجه الحقيقي للصراع باعتباره يتعلق بالاستعمار الصهيوني للأرض الفلسطينية المحتلة وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني العادلة.

ومن وجهة نظرها فالوضع يتطلب تحركا مضادا من جانب أصحاب الفكر والثقافة في الدول العربية، عبر مساعي تصحيح الأفكار المغلوطة لدى العقلية الغربية، بالتأكيد على سماحة الدين الإسلامي، الذي يرفض، في مبادئه ومقاصده، العنف مقابل تكريس التسامح في الواقع الإنساني بمختلف المجالات الحياتية.

وأضافت "أستطيع القول إن تبني الحوار على أساس المنطق والبرهان والحجة والعقل والنزعة الإنسية يشكل دعامة أساسية لهذا الجهد، لأن العنف يمس الإنسان، في ماهيته وقيمته وكرامته وإنسانيته، ويرتكز على الأفكار السلبية التي يحاربها الإسلام، مثل التسلط والظلم والقهر والقسوة والقوة، كنقائض لقيم الفضيلة والتسامح والتوازن والانفتاح والنقد البناء، وتجنب العنف والعصبية، التي يرتكز عليها بما يجعل هناك فجوة غير قابلة للتجسير بين مبادئ الدين الإسلامي كوعي وسلوك ومبدأ وضمير ومعطى بنيوي فكري وبين العنف بوصفه فعلا لا عقلانيا وغير أخلاقي".

وختمت حديثها بالتأكيد على أن الالتزام بتعاليم الشريعة الإسلامية باعتبارها منهجا متكاملا للحياة تسعى إلى تحقيق الرحمة والعدل والمساواة بين الناس.

مجدي ممدوح الفكر الناقد يفند الإداعات بإمتالك الحقيقة المطلقة (الجزيرة)
مجدي ممدوح: الفكر الناقد يفند الادعاءات بامتلاك الحقيقة المطلقة (الجزيرة)

الثقافة الاستشراقية وثقافتنا العربية

الفيلسوف مجدي ممدوح يرى أن الثقافة الاستشراقية ما زالت مكونا أساسيا من مكونات الثقافة لدى الشباب في العالم العربي، حيث يعتقد غالبية الشباب العربي أن بحوث المستشرقين هي بحوث محايدة وضعها باحثون محايدون لا هم لهم سوى المعرفة الخالصة.

وأبلغ "الجزيرة نت" قوله لقد تغلغلت الثقافة الاستشراقية إلى كل جوانب الثقافة العربية من فلسفة وشعر ونثر وفنون وعلم اجتماع، حتى أصبحنا ننظر إلى ذواتنا من خلال المنظور الاستشراقي، وبقي الاستشراق حتى ستينيات القرن العشرين يتمتع بمصداقية كبيرة لدى أجيال الشباب العربي، ظنا منهم أن كتّاب الاستشراق على اختلاف ميولهم هم كتّاب منزهون عن أي غرض سوى البحث عن الحقيقة.

لكنه استدرك مبينا أن الثقافة العربية تنبهت في حقبة الستينيات إلى حقيقة أن هؤلاء الكتّاب كانوا في الحقيقة مرتبطين بالسياسات الاستعمارية لبلادهم، وأن الهدف المركزي للاستشراق كان جمع أكبر قدر من المعلومات عن بلادنا من أجل تسهيل السيطرة عليها من قبل الغرب.

إعلان

فقد كان المستشرقون الفرنسيون مثلا -حسب رأيه- يقدمون خدماتهم لساسة بلادهم، وكذلك المستشرقون الإنجليز كانوا في خدمة سياسة بلادهم الاستعمارية، وأن الاستشراق كان الوجه الثقافي للمشروع الاستعماري الغربي.

وفي رده على سؤال قال مجدي ممدوح: "أول درس نتعلمه من الفلسفة هو النقد، لقد تخلت الفلسفة عبر تاريخها عن الكثير من الأدوار فلم تعد تفرض وصايتها على العلوم، وانفصلت العلوم عن الفلسفة الأم مع إنجاز الثورة العلمية الكبرى، وتخلت عن مهمتها في البحث عن المبادئ الأولى حيث أثبتت علوم الطبيعة أن الكون معقد ولا يمكن اختزاله في مبادئ أولى… هذا الانسحاب قابله تمسك الفلسفة بدورها النقدي وهذه هي أعظم مهمة تضطلع بيها الفلسفة وهي التفكير الناقد يستطيع الحكم على كل الادعاءات بامتلاك الحقيقة المطلقة".

0 تعليق