العراق وتداعيات الصراع في المنطقة.. حياد أم انخراط؟ - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بسبب الأوضاع المتوترة في الشرق الأوسط، يعيش العراق حالة من الترقب والانتظار، إذ قد يأخذ حصته من التغييرات المحتملة في المحيط الجغرافي والسياسي في المنطقة، التي تتزايد مؤشراتها مع احتمال تجدد المواجهة بين تل أبيب وطهران بشكل أكثر ضراوة وأوسع امتدادا.

وبالتزامن مع حالة الترقب والانتظار هذه، تنقسم قناعات العراقيين إزاء الأحداث التي تمر بها المنطقة (الحرب على غزة والمواجهة بين طهران وتل أبيب) بين تيارين متباينين، أحدهما يرى فيما يحدث مؤامرة أميركية إسرائيلية ضد محور المقاومة الذي تقوده طهران، والآخر يعتبر أن ما يحدث فرصة لتصحيح بعض الأمور التي قد تكون انحرافا تاريخيا في سياسة العراق ومصير أهله بسبب الغزو الأميركي والنفوذ لإيراني، وتغلغل المليشيات المسلحة في أرضه.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

وحول هذا الطرح، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة بحثية تحت عنوان "العراق.. وتداعيات الصراع في المنطقة"، للباحث الأول بالمركز الدكتور لقاء مكي، ناقشت تداعيات الصراع في المنطقة على الساحة العراقية في ظل انسحاب القوات الأميركية، وكيف سيكون موقف الحكومة، خاصة أنها تطمح إلى نزع السلاح من الفصائل المسلحة وحصره في يد القوات الحكومية.

واشنطن بين الانسحاب والتدخل في التفاصيل

في 21 من أغسطس/آب الماضي، بدأت القوات الأميركية انسحابها من قاعدة عين الأسد في غربي العراق التي كانت تضم حوالي 2000 جندي، وذلك تنفيذا لمقتضيات الاتفاق الموقع بين الولايات المتحدة والحكومة في بغداد في سبتمبر/أيلول 2024، بانتهاء مهمة القوات الأميركية في العراق لدعمها في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية المسلح.

وحسب الاتفاق ستغادر القوات الأميركية جميع الأراضي العراقية مع نهاية العام 2026، وحينها ستتحول العلاقة بين بغداد وواشنطن إلى تعاون أمني ثنائي تقليدي.

ورغم أن الانسحاب الأميركي في ظاهره أمر طبيعي، لكنه بالنظر إلى سياقه الإقليمي الذي تنخرط فيه الولايات المتحدة بشكل لافت في أحداث المنطقة قد يعطيه بعدا أمنيا مختلفا.

إعلان

وتقول بعض التكهنات إن الانسحاب قد يكون جزءا من التحضيرات الأميركية لبدء هجمات جديدة ضد إيران، وإنه يستهدف حرمان الفصائل الحليفة لإيران في العراق من ميزة وجود أهداف محتملة تقوم بقصفها ضمن حملة عسكرية مشتركة مع طهران.

وفي هذا السياق، بات ينظر إلى التدخل الأميركي المباشر في السياسات الداخلية للحكومة العراقية، على أنه جزء من الجدل الراهن في العراق المتعلق بدوره ومصيره في الصراع المتصاعد في المنطقة.

وقد برز الحضور الأميركي بشدة عندما تدخلت واشنطن علنا في منع البرلمان العراقي من إقرار قانون الحشد الشعبي الذي اعتبره وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو سيرسخ نفوذ إيران والجماعات المسلحة في العراق.

ويركز الموقف الأميركي على علاقات أمنية وسياسية جيدة مع الحكومة العراقية، لكنه يعتبر أن النفوذ الإيراني يشكل خطورة على هذه العلاقات، وبشكل خاص الحشد الشعبي الذي تسيطر عليه الفصائل المؤيدة لإيران.

موقف الحكومة العراقية من الأحداث

بين ضرورة الحياد وإكراهات الانخراط، تجد حكومة محمد شياع السوداني نفسها في موقف صعب من الأحداث التي تجري في المنطقة، إذ ترتبط بعلاقات وثيقة مع واشنطن، وفي الوقت نفسه تتعايش مع نفوذ سياسي وأمني لإيران على أرضها.

وبعد بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، شاركت الفصائل العراقية المسلحة بشن حملات بالطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل، وفي إحدى عملياتها قتلت جنديين وأصابت 24 آخرين عندما استهدفت موقعا للواء جولاني في هضبة الجولان المحتلة في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

ولكن، منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2024، توقفت عمليات الفصائل المسلحة من دون إعلان رسمي، وهو ما تسبّب في تخفيف الضغوط على حكومة السوداني.

وخلال حرب الـ12 يوما بين إيران وإسرائيل، لم تتدخل الفصائل المسلحة العراقية في دعم طهران، لكن ذلك لم يكن كافيا لتجنيب العراق اعتداءات إسرائيلية في المستقبل بدعوى الثأر أو الانتقام.

مشكلة نزع السلاح

منذ تنصيب حكومة مصطفى الكاظمي سنة 2020، طرحت مسألة نزع السلاح وحصره بيد الدولة في البرامج الحكومية، لكن ذلك المسعى لم يتحقق رغم أن المرجع الشيعي الأعلى آية الله على السيستاني من المؤيدين له ودعا إليه أكثر من مرة.

وقد قوبلت الدعوات الحكومية بنزع سلاح الفصائل المسلحة بردود قوية أبرزها محاولة اغتيال الكاظمي بطائرة مسيرة ومحاصرة مقره في المنطقة الخضراء.

وعندما حاول السوداني مناقشة الموضوع في يوليو/تموز الماضي، تعرض لتوبيخ علني ودعوة مباشرة إلى الحجز عليه ومنعه من إصدار قرار إستراتيجي حتى انتهاء ولايته.

وتصر الفصائل المسلحة والأطراف السياسية والإعلامية المؤيدة لها، أنها تمثل حاجزا عقائديا للدفاع عن العراق بوجه ما يصفونه بالإرهاب، وفي بعض الأحيان كان الجدل يذهب إلى أن الجيش العراقي غير مؤهل لتأدية هذا الدور.

ومن غير المتوقع أن يقوم السوداني خلال الفترة القصيرة المقبلة بأي محاولات تتعلق بحل الفصائل أو السيطرة على تحركاتها، ولا سيما أنه محاط بطائفة واسعة من المعيقات الميدانية والسياسية، لكن هناك تحليلات قوية بأنه ربما يقوم بذلك إن تمكن من تحقيق فوز صريح وواسع في الانتخابات، وحصل على ولاية ثانية بقوته النيابية التي يأمل تحقيقها خلال الانتخابات، وليس بقوة الزعماء الشيعة التقليديين الذين اختاروه من قيادات الصف الثاني.

ترجيحات بأن يحل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الفصائل المسلحة إذا حصل على ولاية ثانية (مواقع التواصل)

الحرب المحتملة وتداعياتها على العراق

ما زالت الفصائل المسلحة في العراق تحافظ حتى الحين على حيادها الفعلي في الصراع بين إيران وإسرائيل، وهو ما ينسجم مع موقف الحكومة الرسمي الذي اكتفى بالإدانة والتنديد مثل بقية الدول العربية والإسلامية، لكن ليس معروفا بشكل دقيق موقف تلك الفصائل إذا اندلعت حرب جديدة وكانت ضراوتها أشد ونطاقها أوسع.

إعلان

ويُقرأ من بعض التصريحات والبيانات، أنها قد تكون طرفا في أي نزاع جديد محتمل، ففي أغسطس/آب الماضي أصدر الأمين العام لكتائب حزب الله العراقي أبو حسين الحمداوي بيانا تحدث فيه عن الاستعداد لما سماه مقاومة المحتلين وردع المعتدين.

ويلاحظ أن تصريحات الحمدواي صدرت بعد زيارة قام بها رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى العراق ولبنان، وخاصة أنه يتمتع بسلطة في تحديد إستراتيجيات إيران للمواجهة المرتقبة.

وتتعزز فرضية تدخل الجماعات المسلحة العراقية في الحرب المرتقبة بتصريحات لرئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف، قال فيها إن الرد الإيراني في أي مواجهة محتملة سيشمل ميادين ومجالات جديدة.

وليس من المستبعد دخول الفصائل المسلحة العراقية في مواجهات إقليمية محتملة، إذ تتمتع بقدرات هائلة ليس من المناسب أن تبقى معطلة ومن دون فاعلية.

ويمتلك الحشد الشعبي إمكانات بشرية ضخمة بلغت نحو 240 ألف مقاتل، وميزانية حكومية سنوية ارتفعت إلى 3.4 مليارات دولار خلال العام 2024، وهو يتوزع على عشرات الفصائل، وينتشر في معظم أنحاء العراق.

كما يمتلك الحشد أسلحة متطورة، ومن بين ذلك أسلحة أميركية منها دبابات ومدرعات، لكن ما يسترعي الانتباه هو نمط الأسلحة التي يمكن استخدامها في ضرب أهداف بعيدة، وتحديدًا الصواريخ والطائرات المسيرة.

وفي حال مشاركة جماعات "محور المقاومة" إلى جانب إيران في الحرب المقبلة، فلن تكون أدوارها سواء في العراق أو لبنان أو اليمن معروفة، لكن يمكن توقع أن يكون دور الفصائل العراقية متعلقا بالقواعد الأميركية في عموم المنطقة بما فيها دول الخليج، ولن يكون مستبعدًا أيضًا في حال تعرضت المواقع النفطية والاقتصادية الإيرانية إلى هجمات أن ترُدَّ الفصائل العراقية بضربات مماثلة تستهدف المواقع النفطية في منطقة الخليج.

مثل هذا الهجوم لن يكون مستبعدا في حال بلغت الحرب المحتملة حدودا "وجودية" لا مجال بعدها للعودة، فحينها، كما قال رئيس مجلس الشورى الإيراني، سيكون لضبط النفس حدود، وستستخدم إيران كل قدراتها واستثمارها الطويل والمكلف في المنطقة ومن بينها القوى المسلحة في العراق، وعند هذا الخيار سيكون مصير الوضع السياسي والميداني في العراق متعلقا بنتيجة الحرب وتداعياتها.

0 تعليق