الذكاء الاصطناعي رافعة للاقتصاد الأميركي ولكن على حساب قطاعات أخرى - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

برز الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة كقوة صاعدة تعيد رسم خريطة النمو وتعيد توزيع مكاسب الإنتاج على نحو غير متوازن. فبينما ترزح قطاعات تقليدية مثل العقارات والاستهلاك تحت وطأة أسعار الفائدة المرتفعة والفوضى الناجمة عن الرسوم الجمركية، يندفع الاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، ليصبح -وفق ما وصفته مجلة إيكونوميست- "المحرك الأكثر ديناميكية في الاقتصاد الأميركي الراهن".

هذا التحول لا يقتصر على كونه طفرة تقنية عابرة، بل يمثل انتقالا هيكليا واسعا، حيث تبتلع مراكز البيانات العملاقة كميات هائلة من الطاقة، وتعيد الشركات العملاقة صياغة أولوياتها الاستثمارية على أساس سباق تكنولوجي محموم قد يحدد شكل الاقتصاد العالمي لعقود مقبلة.

مراكز بيانات تلتهم طاقة مدن

وتوضح المجلة أن مدينة أشبورن في شمال فيرجينيا، القريبة من العاصمة واشنطن، تحولت إلى ما يشبه "العاصمة العالمية لمراكز البيانات".

ويشير التقرير إلى أن مشاهد صناديق بيضاء ضخمة تتجاور مع الأحياء السكنية أصبحت مألوفة للقادمين إلى مطار دالاس الدولي.

هذه الأبنية هي جزء من أكبر تجمع لمراكز البيانات في العالم، وقد استهلكت وحدها العام الماضي أكثر من ربع إنتاج شركة الكهرباء الرئيسية في فيرجينيا، وهو مستوى استهلاك يعادل طاقة مدن بأكملها.

صناديق بيضاء ضخمة تتجاور مع الأحياء السكنية أصبحت مألوفة مدينة أشبورن (رويترز)

مساهمة في الناتج المحلي

وترى إيكونوميست أن المخاوف من تباطؤ الاقتصاد لم تمنع طفرة الذكاء الاصطناعي من تحقيق أرقام لافتة. فقرابة سدس الزيادة البالغة 2% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال العام الماضي جاءت تحديدا من الاستثمارات في الحواسيب والمعدات الطرفية، وشرائح المعالجات، ومعدات الاتصالات، إضافة إلى مراكز البيانات.

وعند احتساب تحديثات شبكات الكهرباء اللازمة لتغذية هذه المنشآت، إلى جانب القيمة الفكرية للبرمجيات نفسها، ترتفع مساهمة هذه الطفرة إلى نحو 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وهي نسبة وصفتها المجلة بـ"المذهلة"، لقطاع لا يتجاوز وزنه بضعة بالمئة من الاقتصاد الكلي.

إعلان

وبحسب بيانات عرضتها المجلة، فإن حجم الاستثمارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ارتفع كنسبة من الناتج المحلي إلى حوالي 1.5%، وهو مستوى يقارب ذروة استثمارات الإنترنت في منتصف التسعينيات. وتضيف إيكونوميست أن "الحماسة المبكرة للذكاء الاصطناعي تبدو حتى الآن أكبر مما شهدته شبكة الإنترنت في بداياتها".

AI-Powered Breakthrough in Carbon Capture Material Design: Rapid Discovery of 6 Promising Candidates
رغم ارتفاع التكاليف فإن الشركات لا تُبدي أي تردد في تشييد مراكز بيانات هائلة (صورة أنتجت بالذكاء الاصطناعي)

قفزة استثمارية رغم الفوائد المرتفعة

ولفت التقرير إلى أن شركات التكنولوجيا العملاقة كانت تموّل في السابق بناء مراكز البيانات من أرباحها الضخمة واحتياطاتها النقدية، لكن حجم التوسع الراهن تجاوز قدرتها على التمويل الذاتي، ما دفعها إلى اللجوء إلى الاقتراض المكثف.

ورغم ارتفاع تكاليف الفائدة وأسعار الكهرباء، فإن هذه الشركات لا تبدي أي تردد في تشييد مراكز بيانات هائلة، قد تصل قدرتها على استهلاك الكهرباء إلى ما يعادل استهلاك مدينة صغيرة.

وقالت إيكونوميست إن "السوق أشبه بلعبة الرابح يستحوذ على كل شيء"، موضحة أن المخاوف المعتادة من تكلفة التمويل أو من أسعار الكهرباء يتم تجاوزها في ظل سباق محموم على بناء البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

ضغوط على القطاعات الأخرى

لكن هذه الطفرة لم تمر دون كلفة على القطاعات الأخرى، فشركات البناء السكني على سبيل المثال باتت أكثر عرضة لتأثير أسعار الفائدة المرتفعة، إذ أدى ارتفاع كلفة الاقتراض إلى تراجع وتيرة بناء المساكن.

وتشير بيانات استعرضتها إيكونوميست إلى أن الاستثمارات السكنية ظلت في حالة ركود أو انكماش خلال عام 2025، مقابل نمو قوي للاستثمارات غير السكنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التي قفزت بنسبة قاربت 30% على أساس سنوي.

شركات التكنولوجيا الكبرى تموّل توسعا كبيرا في بناء مراكز البيانات رغم ارتفاع أسعار الفائدة (الفرنسية)

كما أن الضغط على شبكات الكهرباء ساهم في إبقاء أسعار الطاقة مرتفعة، ما انعكس مباشرة على المستهلكين. وبحسب التقرير، فإن متوسط فاتورة الكهرباء للأسر الأميركية ارتفع بنحو 7% منذ بداية 2025، في جزء منه بسبب الطلب الهائل من مراكز البيانات.

وتلفت المجلة إلى أن الاستهلاك الحقيقي للأسر الأميركية لم يسجل أي نمو يُذكر منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، فيما بقيت الاستثمارات غير المرتبطة بالذكاء الاصطناعي ضعيفة للغاية. وهو ما يعكس -وفق تعبير إيكونوميست- "إعادة تخصيص اقتصادية واسعة"، حيث تتراجع مساهمة القطاعات الحساسة للفائدة والطاقة، في حين يزداد اعتماد النمو على استثمارات الذكاء الاصطناعي.

تحذير من "فقاعة جديدة"

وتشير إيكونوميست إلى أن المقارنة مع فترة ازدهار الإنترنت في أواخر التسعينيات تطرح مخاوف حقيقية، إذ تلاها انهيار حاد فيما عُرف بفقاعة "الدوت كوم".

وترى المجلة أن أي تباطؤ في الإنفاق الرأسمالي لشركات التكنولوجيا -نتيجة نقص الطاقة أو شرائح المعالجات- سيؤدي إلى تقليص الدعم الذي يقدمه الذكاء الاصطناعي للاقتصاد الكلي.

وأضاف التقرير أن تباطؤا مماثلا قد يحمل جانبا إيجابيا عبر تخفيف الضغوط على أسعار الفائدة والطاقة، لكنه في المقابل سيحرم الاقتصاد من محرك النمو الأبرز في لحظة تبدو فيها بقية القطاعات أكثر هشاشة.

إعلان

وختمت إيكونوميست تحذيرها بالقول "إذا بردت الرغبة في بناء مراكز البيانات، فلن تكون أشبورن وحدها من سيدفع الثمن، بل الاقتصاد الأميركي بأسره".

0 تعليق