عاجل

هل تقود انتخابات الكاميرون المرتقبة لمرحلة جديدة من عدم الاستقرار؟ - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وسط غرب أفريقيا، وعلى الحدود مع بعض بلدان القارة التي تتسم بعدم الاستقرار، تقع دولة الكاميرون التي لم يعرف قصرها الرئاسي في العاصمة ياوندي الكثير من التناوب على كرسي القيادة فيه، في حين ترى المعارضة أن الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 أكتوبر/تشرين الأول المقبل قد تشكل فرصة لها لدخول القصر.

منذ أن استقلت البلاد عن فرنسا عام 1960، لم يحكمها سوى زعيمين فقط، هما: الرئيس الأول بعد الاستقلال أحمدو أحيجو المنحدر من أقاليم الشمال ذات الأغلبية المسلمة، والذي استمرت فترته 22 عاما من 1961 لغاية 1982.

والرئيس الثاني هو بول بيا الذي حكم البلاد في عام 1982 بعد أن استقال أحيجو لأسباب صحية، وما زال في الحكم رغم أنه بلغ من العمر 92 عاما، وأصبح من أطول رؤساء العالم عمرا، وتقول المعارضة إن مشروعه الأبرز هو الموت في السلطة.

ويرى مراقبون للوضع السياسي في دول منطقة المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا (إيكاس) أن إصرار الرئيس بيا على البقاء في السلطة قد يعقّد المشهد السياسي، ويفاقم من عدم الاستقرار والتوتر الأمني الذي تعاني منه البلاد.

FILE PHOTO: Cameroon President Paul Biya attends the Paris Peace Forum, France, November 12, 2019. REUTERS/Charles Platiau/File Photo
رئيس الكاميرون بول بيا يبلغ من العمر 92 سنة ويحكم البلاد منذ 43 عاما (رويترز)

قمع المعارضة والتفرد بالسلطة

بُعيد وصوله للسلطة عام 1982، قطع بول بيا العلاقة مع الرئيس السابق، وبدأ بتنفيذ منهجية التفرد بالسلطة وقمع المعارضة.

وفي جميع الانتخابات الرئاسية، كانت صناديق الاقتراع في الغالب تعطيه نتيجة تزيد على 90%، الأمر الذي جعل المعارضة تتهمه بالتزوير واللعب على إرادة الناخبين.

وفي سياق سعي النظام السياسي الحاكم في الكاميرون إلى عدم الخروج من السلطة، تم إقرار دستور جديد عام 2008 يلغي عدد الولايات الرئاسية التي كانت في السابق لا تتجاوز مأموريتين.

وقام بول بيا بتجميع السلطات بيده، إذ ألغى منصب رئيس الوزراء، وأصبحت صلاحياته من اختصاص رئيس الجمهورية الذي يعين الوزراء، ويراقب أعمالهم، ويقيلهم.

إعلان

وفي الغالب، يعتمد في استقرار حكمه على شبكة أمنية معقدة أبرزها من الجيل الذي عاصره أو نشأ في ظل قيادته، وتعمل كلها تحت إدارته المباشرة.

ومنذ محاولة الإطاحة به في انقلاب 6 أبريل/نيسان 1984، أعاد الرئيس بيا تشكيل القوات المسلحة واستبدل الحرس الجمهوري واختار "الحرس الرئاسي"، ووضع الموالين في مناصب مهمة بقيادة الأمن الرئاسي، ومديرية الأمن الوطني، والأركان العامة للجيش.

وتشير البيانات الاقتصادية إلى أن الكاميرون تعاني من نهب ممنهج للثروات استمر طيلة العقود الماضية بسبب الفساد، واستغلال السلطة من قبل الطبقات النافذة.

ووفقا لبيانات البنك الدولي، فإن حولي 40% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، رغم ما تمتلكه البلاد من موارد متعددة أهمها النفط والألمنيوم والكاكاو.

الناطق السابق باسم الحكومة عيسى تشيروما أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة (مواقع التواصل)

الخلافات بين الفريق الحاكم

ورغم أن شعبية النظام الحاكم في الكاميرون تكمن أساسا في الحزب الحاكم الذي يعتبر تجمعا للنافذين، فإن الشائعات بشأن صحة الرئيس الذي بات يمضي كثيرا من الوقت خارج البلاد لتلقي العلاج، أثارت المخاوف بشأن قدرته على إدارة الأمور في المستقبل.

وفي السياق ذاته، انشق وزيران من حكومة الرئيس وأبرز أصدقائه، وأعلنا ترشحهما للانتخابات الرئاسية المقررة في 12 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

الوزيران ينحدران من إقليم الشمال ذي الثقل الانتخابي، وهما الوزير الناطق باسم الحكومة عيسى تشيروما باكاري، ووزير السياحة بيلو مايغيري الذي شغل سابقا منصب رئيس الوزراء وعمل مع الرئيس بيا لمدة 30 عاما.

ويشير هذا الانشقاق إلى انقسام في الحكومة وتراجع مؤشر التحالف الإستراتيجي بين السلطة المركزية بقيادة بيا والنخب النافذة في شمال البلاد، والذي يلعب دورا كبيرا في رسم الخريطة السياسية الوطنية، حيث سجل فيه مؤخرا ما يربو على مليوني ناخب.

ودعا تشيروما للتغيير واعتبر الانتخابات القادمة فرصة تاريخية يجب أن لا تضيع، ووجّه انتقادات للرئيس بيا الذي عمل معه لأكثر من 20 عاما، قائلا إن الدولة لا يمكن أن تكون أداة لخدمة شخص واحد.

وقد صدرت تصريحات من داخل الحزب الحاكم بشأن من يخلف الرئيس في حال عجزه، كما طالبت بعض الأحزاب المقربة من النظام بضرورة استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية، إذ إن الدستور الحالي لا ينص على من يخلف الرئيس في حالة الشغور، باستثناء إشراف مؤقت لرئيس مجلس الشيوخ على تنظيم انتخابات سريعة.

وفي ظل الشائعات المتداولة بشأن صحة الرئيس، تتصاعد الخلافات بين المحيطين به، ففي حين تلتف الكثير من الشخصيات حول السيدة الأولى ونجلها، يعزز الجيل القديم من النظام حضوره في مفاصل الدولة وخاصة بتحالفاته مع القادة العسكريين والأمنيين.

وبالنسبة للشارع والجيل الجديد الذي نشأ وكبر على بول بيا رئيسا للوزراء أو رئيسا للجمهورية، فقد أصبح يتوق إلى التغيير، وخاصة بعد غياب الجيل الذي كانت تحرسه فرنسا في منطقة وسط أفريقيا، مثل رئيس الغابون علي بونغو وكذا رئيس تشاد الراحل إدريس ديبي.

ويُتّهم بول بيا من قبل معارضيه وبعض المنظمات الحقوقية بالحفاظ على إرث القمع الاستعماري كوسيلة للسيطرة على الشعب.

إعلان

الإرهاب ومخاطر الانفصال

وبينما يمر النظام السياسي بأكثر المراحل حرجا في تاريخه، تعاني البلاد من أزمات متعددة أهمهما مخاطر الانفصال الذي تطالب به الولايات الواقعة في إقليم الشمال الناطقة بالإنجليزية.

فمنذ أن تولى بيا منصبه عام 1982 خلفا للرئيس السابق أحيجو المنحدر من الشمال ذي الغالبية المسلمة، دخلت الكاميرون في عهد الجمهورية الرابعة، وألغت الدستور الاتحادي الذي كان ينص على أن البلاد تتألف من منطقتين.

ففي إقليم الشمال تقع الولايات الناطقة باللغة الإنجليزية، ويوجد المجتمع المسلم الذي يشكل 20% من سكان دولة الكاميرون، لكن بعد أن انفرد الرئيس بيا بالحكم، وأُلغيت الدولة الاتحادية، تم تهميش تلك المناطق لعقود عديدة، مما جعلها تطالب بالانفصال.

وفي 2016، اندلعت احتجاجات قوية في المناطق الشمالية بسبب التهميش الممنهج، قادها معلمون ومحامون وبعض النخب المثقفة بسبب الهيمنة الفرنكفونية، وقابلته الحكومة بقمع شديد، مما أسفر عن ميلاد حركات مسلحة أعلنت عن قيام دولة في الشمال تسمى أمبازونيا.

وبالإضافة لحربها على الانفصاليين، تواجه الكاميرون مخاطر الجماعات المسلحة وخاصة بوكو حرام التي تتخذ من الحدود المشتركة مع نيجيريا مقرا لقواتها ومنطلقا للعديد من هجماتها.

وفي أغسطس/آب الماضي، أفادت تقارير تستند إلى مصادر ميدانية بأن الجماعات المسلحة في منطقة بحيرة تشاد جددت هجماتها على مواقع تابعة لجيوش تشاد ونيجيريا والكاميرون.

وتزامنت هذه الهجمات مع تراجع أداء القوات المشتركة لمكافحة الإرهاب التي تتبع لتلك الدول، حيث هدد الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي بالانسحاب منها بعد الهجمات العنيفة على جيش بلاده أواخر العام الماضي.

وعلى الصعيد الإنساني، يواجه السكان الأكثر هشاشة في الكاميرون مخاطر قطع المساعدات الإنسانية، إذ أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة توقفه عن تقديم المساعدات في نهاية أغسطس/آب الماضي بسبب انعدام التمويل.

وكان تحليل الأمن الغذائي الصادر في مارس/آذار 2025، توقع أن يواجه نحو 2.6 مليون شخص في عموم الكاميرون انعداما حادا في الغذاء بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب 2025، بزيادة قدرها 6%، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.

Maurice Kamto (C), whose candidacy was not retained by Elections Cameroon (ELECAM) gestures as he attends the appeals hearing at the Constitutional Council, in Yaounde on August 4, 2025.
الزعيم المعارض موريس كامتو الذي حل ثانيا في انتخابات 2018 منع من الترشح في اقتراع 2025 (الفرنسية)

تحذيرات بشأن الانتخابات

وفي هذا السياق، حذّر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان من تدهور بيئة الحريات العامة في الكاميرون مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة في 12 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، داعيا السلطات إلى اتخاذ "إجراءات عاجلة" لضمان انتخابات حرة وشفافة وشاملة.

وأعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في بيان صدر يوم الثلاثاء الماضي، أن البيئة الآمنة والمواتية لتعزيز حقوق الإنسان شرط أساسي لإجراء انتخابات سلمية وذات مصداقية، معبّرا عن أسفه لغياب هذا المناخ في دولة الكاميرون.

وفي وقت سابق من الشهر الماضي، قالت لجنة الانتخابات إنها أحصت 8 ملايين شخص في اللوائح الوطنية للمشاركة في الاقتراع الرئاسي المرتقب من مجموع السكان البالغ عددهم 31 مليون نسمة.

وفي مقال له بعنوان "الانتخابات في الكاميرون تهدد بالاضطراب وعدم الاستقرار"، قال الباحث في قضايا الأمن الدولي مانو ليكونزي إن الانتخابات المرتقبة تهدد الاستقرار السياسي الذي تعود عليه الشركاء الخارجيون للكاميرون، إذ قد تؤجج التوترات الإثنية أو الإقليمية الناتجة عن تهميش مزمن، كما قد يفتح الباب لعملية انتقالية طويلة تتيح خلق مساحة جديدة من النزاعات المسلحة.

وبالإضافة لذلك، فإن الإقصاء السياسي والحرمان من الترشح للانتخابات المرتقبة الذي طال عددا من السياسيين، أبرزهم زعيم المعارضة موريس كامتو، قد يعمق الانقسامات الاجتماعية والسياسية، خاصة أنه ينحدر من إثنية البامليكي التي تقطن في غرب البلاد وتشعر بالتهميش.

إعلان

من جانبه، يعتقد الوزير والناطق السابق باسم الحكومة عيسى تشيروما بأن هنالك ضرورة لتبادل الرئاسة بين مناطق الكاميرون، حيث إن الرئيس الحالي من الجنوب، وينبغي أن يخلفه شخص من إقليم الشمال الذي كان الرئيس الأول للبلاد واحدا من أبنائه.

ويرى الباحث مانو أن الانتخابات الحالية قد ينتج عنها عنف موسع تدخل فيه المناطق الغربية والشمالية ضد قوات الحكومة في الجنوب، ويقود إلى تنسيق بين الجماعات الانفصالية والمسلحة، مما يشكل تهديدا خطيرا لأمن الكاميرون، ويحول الأزمة من تمرد محلي إلى حرب أوسع.

0 تعليق