Published On 14/9/202514/9/2025
|آخر تحديث: 12:41 (توقيت مكة)آخر تحديث: 12:41 (توقيت مكة)
انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي
share2شارِكْ
لطالما عبر أهل غزة خلال الحرب الطاحنة التي توشك على دخول عامها الثالث، عن شوقهم إلى أيامهم العادية قبل الحرب، بيد أن محمود العمودي -وهو صحفي وناشط اجتماعي معروف- تمكّن من استحضار عاداته اليومية منذ الصباح وحتى منتصف الليل، بعبارات تضمنت وصفا دقيقا ممتلئا بالشوق والحنين.
يقول محمود "قررت مع نفسي أن أغمض عيوني وأتخيل أنه يوم عادي قبل الحرب".
لكن المفاجأة التي كشف عنها مع نهاية شريط الذكريات لهذا اليوم، أن جميع الأشخاص الذين ذكرهم استشهدوا خلال الحرب.
ويبدأ أبو صلاح -وتلك كنيته- بسرد تفاصيل يومه "أتخيل أنه صباح يوم جميل صحوت ولبست ثيابي وتعطرت عطرا طيبا، ونزلت إلى عملي.."
وقبل أن يركب سيارة الأجرة متوجها إلى إذاعة صوت الأقصى، لتقديم البرنامج الصباحي "مع الناس" عبر أثيرها، جرت العادة أن يتوقف محمود عند المخبز، ليشتري بعض الكعك الساخن له ولزملائه.
ويتابع "ركبت سيارة أجرة، وابتسم السائق وطلب مني أن أصبّح عليه في بداية برنامجي"، فقد كان البرنامج يبدأ بإلقاء التحية على فئات المجتمع كافة.
"وصلتُ إلى الإذاعة"، يقول أبو صلاح، حيث كان لديه هناك عادات يومية ثابتة كذلك، إذ كان يحب أن يبدأ بزيارة غرفة المونتاج، ويتناول فطورا "لا يعوض" مع حسام وسعيد الماهر في إعداد الشاي.
ثم يذكر محمود زياراته الروتينية إلى غرفة المذيعين، وحديثه الذي لا يخلو من المزاح المعتاد مع المذيع محمد، وصديقه المقرب، مدير البرامج -أبو البراء- قبل أن يستعجله مهندس الصوت -بلال- للحضور إلى الأستوديو، لبدء البرنامج الصباحي اليومي في تمام الساعة 9.
كان المذيع يواصل خلال ساعتين من بث البرنامج، سماع شكاوى المواطنين وهمومهم، ويسعى إلى حلها مباشرة مع المسؤولين، ويقول "ما مر يوم إلا وخففنا فيه عن الناس بعض همومهم".

ورغم التعب، إلا أن البرنامج كان ينتهي سريعا، وفق محمود الذي عبر عن سعادته بتقديمه، وأخذ يسرد عاداته التي تعقب البرنامج الإذاعي، بدءا من الجلوس مع صديقه المقرب أبو صالح للحديث عن سبل مساعدة الناس وخدمتهم، مرورا بغرفة المدير التي كان يصادف على بابها لافتة "اجتماع.. ممنوع الدخول"، ويقول "كلما مررت ووجدت هذه اللوحة كنت أطرق الباب وأدخل مقاطعا الاجتماع، فيضحك كل من في الغرفة، ويقول المدير "بدكاش تبطل غلبة".
قتلت إسرائيل 250 صحفيا فلسطينيا منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على القطاع في أكتوبر 2023، وسط مناشدات عالمية لا تبدو أنها تلقى صدى، بوضع حد لجرائم الاحتلال بحقهم، وتوفير الحماية التي من المفترض أن تكون مكفولة لهم بموجب القانون الدولي.
بواسطة الجزيرة نت
ينتهي دوام محمود في الإذاعة، لكنه لا يعود إلى البيت، إذ كان يسعى في حل قضايا الناس ومشاكلهم، ضمن عمل خيري وإنساني، يمتد حتى ساعات منتصف الليل غالبا.
إعلان
ويختم أبو صلاح "أعود للمنزل الساعة 12 ليلا أو الواحدة فجرا متعبا منهكا لكن سعيدا بما فعلته راجيا من الله القبول، قبل أن يستدرك ملاحظة مهمة "كل من ذكرته في هذا اليوم الخيالي قد رحلوا عنا وارتقوا إلى ربهم، وحتى لو عادت الحياة لنا فهؤلاء سيبقون ذكريات رحمهم الله".

حصد منشور محمود الذي استدعى فيه تفاصيل ذلك اليوم زهاء 10 آلاف تفاعل على فيسبوك، وذلك معدل طبيعي لمنشوراته اليومية التي يبث فيها مقاطع للتسرية عن الناس في ظل المقتلة العظيمة في القطاع، وتثبيتهم، وتذكيرهم باللجوء إلى الله.
لكن مقطع الفيديو الصباحي الذي نشره اليوم، حمل عنوان "أرغب بالبكاء"، ويقول فيه محمود العمودي، وهو يسند رأسه على الحائط "والله إنها أيام ثقال وشداد وصعبة ومؤلمة وتكسر الظهر وتشيب لها الرؤوس".
ويضيف "اجمعوا كل صعوبات وأهوال ووجع وألم الحرب، وكل ما مر بنا خلال هذه الحرب" مؤكدا أن "ما يحدث في هذه الأيام أشد وأقسى"، إثر اشتداد القصف الإسرائيلي الجوي والمدفعي العنيف على مدينة غزة، التي يسعى الاحتلال إلى تهجير سكانها قسرا، عبر تكثيف الغارات ونسف المنازل واستهداف خيام النازحين، الذين لا يجدون أماكن آمنة للنزوح إليها مرة أخرى.
لكن محمود يأمل بأن تكون هذه الأوقات العصيبة هي العتمة التي تسبق الفجر والفرج.
ويواجه الصحفيون في قطاع غزة صنوفا من التحديات الاستثنائية، أمام مهامهم الشاقة في نقل صورة ما يجري من أهوال في القطاع للعالم، وقلقه وانشغاله في الوقت ذاته بمصيره وعائلته التي تعاني ما يعانيه الناس، من خوف ونزوح وجوع.
وحتى اليوم، قتلت إسرائيل 250 صحفيا فلسطينيا منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على القطاع في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسط مناشدات عالمية لا تبدو أنها تلقى صدى، بوضع حد لجرائم الاحتلال بحقهم، وتوفير الحماية التي من المفترض أن تكون مكفولة لهم بموجب القانون الدولي.
0 تعليق