ما دلالات توقيف رئيس بلدية بيرم باشا على المشهد السياسي التركي؟ - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أنقرة- نفَّذت الشرطة التركية، فجر أمس السبت، حملة مداهمات واسعة في إسطنبول أسفرت عن توقيف حسن موتلو، رئيس بلدية بيرم باشا -المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري المعارض- ونائبه لطفي كاديوغولاري إضافة لعشرات من موظفي البلدية، بينهم مدير الشؤون القانونية.

وجاءت العملية، التي شملت 72 موقعا بينها مقر البلدية ومنازل المشتبه بهم، بناء على أوامر صادرة عن النيابة العامة بإسطنبول على خلفية تحقيقات بشبهات فساد مالي وإداري، تتعلق بتهم الابتزاز وتلقي الرشى والاحتيال والتلاعب في المناقصات.

وأكد بيان رسمي أن التوقيفات استندت إلى أدلة ووثائق تشير إلى تورّط عدد من مسؤولي البلدية في ممارسات غير قانونية، بينما وُضع 44 موقوفا رهن التحقيق بمقر شرطة إسطنبول، وسط استمرار البحث عن بقية المطلوبين.

تفاصيل التحقيقات

وأظهرت التحقيقات الأولية أن بعض الممارسات محل التدقيق تتعلق بالتلاعب في ترسية العقود والمناقصات لصالح مقاولين محددين مقابل منافع غير مشروعة.

ومن أبرز الملفات التي يجري فحصها مناقصة للأعمال البنى التحتية في منطقة بيرم باشا، تشمل صيانة الطرق والأرصفة وأعمال التعبيد، وطرحت في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بقيمة تقديرية بلغت نحو 121 مليون ليرة تركية (نحو 2.95 مليون دولار).

وقد رست المناقصة على شركة "روزاك إنشاءات" مقابل عرض بقيمة 113.6 مليون ليرة (نحو 2.77 مليون دولار)، وجرى توقيع العقد مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، إذ تبين أن مالك الشركة رجل الأعمال إلهان أكباير كان أيضا من بين الموقوفين في العملية، وهو اسم سبق أن ارتبط بتحقيقات في إصدار فواتير وهمية وعقود مشبوهة مع بلديات أخرى تابعة للمعارضة.

وتشير هذه المعطيات إلى شبهات بوجود شبكة مصالح متبادلة بين بعض المقاولين ومسؤولين محليين، تُمنح بموجبها عقود ضخمة مقابل عمولات أو رشى.

إعلان

كما ذكرت صحيفة "أكشام" التركية، أن التحقيق يشمل تدقيقا في فواتير مزورة أو مبالغ فيها ضمن مشاريع البلدية، فيما يُعرف اصطلاحا بالفواتير الوهمية، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال تضخيم تكاليف الأعمال أو صرف مدفوعات عن خدمات لم تُنجز فعليا.

إلى جانب ذلك، كشفت تسريبات أن بعض الخيوط تكشَّفت عبر شهادات من داخل البلدية أو اعترافات في إطار التعاون القضائي خلال تحقيقات سابقة، ما عزَّز ملف الاتهام بأدلة إضافية.

وخلال المداهمات، صادرت الشرطة حواسيب ومستندات رسمية وسجلات رقمية من مكاتب ومساكن المسؤولين، يُعتقد أنها قد تحتوي على عقود ومراسلات تثبت المخالفات المنسوبة إليهم.

مبنى بلدية بيرم باشا حيث اعتقلت الشرطة التركية رئيسها وموظفين آخرين (الأناضول)

"افتراءات سياسية"

وفجَّرت العملية موجة غضب داخل حزب الشعب الجمهوري، ونفى رئيس البلدية الموقوف حسن موتلو صحة التهم، وقال إنها "حملة افتراءات بدوافع سياسية".

وفي رسالة عبر منصة إكس، صرّح أنه "واثق ببراءته وضميره مرتاح"، مضيفا أنه سيكشف الحقيقة أمام أهالي بيرم باشا الذين انتخبوه، مؤكدا أنهم سيتجاوزون هذه الأزمة بالتضامن.

وقال برهان الدين بولوت نائب رئيس الحزب إن ما يحدث ليس تحقيقا قضائيا بقدر ما هو "محاولة انقلاب على إرادة الشعب"، في حين اعتبر رئيس الكتلة النيابية علي ماهر باشارير، أن اعتقال رؤساء البلديات فجرا أصبح "عادة روتينية"، ورأى فيه إعلان حرب على الإرادة الشعبية.

وذهب رئيس فرع الحزب في إسطنبول الموقوف أوزغور تشيليك أبعد من ذلك، كاشفا أن موتلو تعرَّض لضغوط للانضمام للحزب الحاكم، ملوحا بأن رفضه أدى إلى تحريك هذه العملية.

وأشار إلى أن رئيس البلدية وأعضاء في مجلسه تلقوا تهديدات بالقتل من "جماعات مصالح"، خاصة عقب قراره إزالة مقهى غير مرخص أقيم على أرض عامة واستفاد منه مقربون من السلطة.

ولا تعد قضية بلدية بيرم باشا حالة منفردة، إذ جاءت في سياق سلسلة من التحقيقات والعمليات الأمنية التي طالت خلال العام الجاري عددا من البلديات التابعة لحزب الشعب الجمهوري في مدن مختلفة. وبحسب تقارير إعلامية، جرى توقيف أكثر من 10 رؤساء بلديات إلى جانب مئات الموظفين على خلفية اتهامات متنوعة تشمل الرشوة واستغلال المنصب والتزوير.

تصفية داخلية

في السياق، قال المحلل السياسي علي أسمر، إن ما يجري اليوم يعكس نهجا واضحا لإعادة هندسة المشهد المحلي، لكن ضمن مبررات قانونية وزخم إعلامي تقوده وسائل الإعلام المقربة من حزب العدالة والتنمية، والتي تحاول إيصال رسالة مفادها أن حزب الشعب الجمهوري عاجز عن قيادة المعارضة، فكيف له أن يقود الدولة.

وأضاف أسمر للجزيرة نت، أن مسلسل الاعتقالات بدأ فعليا بعد انقلاب فريق أوزغور أوزيل وأكرم إمام أوغلو على الحرس القديم المحسوب على كمال كليجدار أوغلو، وهو ما يكشف أن السبب الرئيسي يعود إلى تصفية حسابات داخلية بين جناحين متصارعين داخل الحزب، مبينا أن العدالة والتنمية يستغل هذه الانقسامات لإبراز فشل المعارضة وإضعاف صورتها أمام الرأي العام.

ولفت أسمر إلى أنه لا يمكن القول إن الأمر مسيّس بالكامل، مشيرا إلى أن "العدالة والتنمية" نجح في الفوز بالانتخابات في مناسبات سابقة دون الحاجة إلى مثل هذه الملفات.

إعلان

وختم قائلا إن المزاج الشعبي التركي، في ظل الصراعات العسكرية الإقليمية، لا يبدو مستعدا للمخاطرة بتغيير الحكم من "العدالة والتنمية" إلى "حزب الشعب الجمهوري"، الذي يُنظر إليه كعائق سابق أمام تطور الصناعات الدفاعية.

توازن ضروري

من جانبها، قالت باحثة سياسية في جامعة الأناضول (فضّلت حجب اسمها) إن المسوِّغات القانونية المطروحة قد تشكل أدلة معتبرة، لكن إبعاد رؤساء بلديات منتخبين قبل أن تحسم الاتهامات قضائيا لا يؤدي فقط إلى اهتزاز ثقة المجتمع بالدولة، بل يفتح الباب أيضا أمام انقسامات داخلية.

واعتبرت الباحثة في حديثها للجزيرة نت، أن قرارات الإبعاد ينبغي أن تظل استثنائية، وأن تبنى على أحكام قضائية مستقلة ونهائية، مع تجنب الإجراءات التي قد تمنح مساحة للتأويلات أو الشكوك.

وأكدَّت أن مكافحة الفساد يجب أن تدار وفق خارطة طريق دقيقة وبأعلى درجات الشفافية، بما يُعزِّز ثقة المواطنين ويخفف من حدة ردود أفعالهم.

وأضافت أنه إذا اقتضى الأمر إبعاد رئيس بلدية عن منصبه، فإن من الأنسب أن يتولى أحد أعضاء المجلس البلدي إدارة شؤون البلدية بدلا من تعيين أوصياء من خارجها، وبذلك يمكن تحقيق التوازن بين احترام إرادة الناخبين وضمان مكافحة الفساد في الوقت ذاته.

0 تعليق