إسرائيل تسرّع مخططها لفرض سيطرة شاملة على التعليم - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تسعى سلطات الاحتلال إلى التحكم بكل مفاصل الحياة في القدس المحتلة، إذ تعمل منذ احتلال المدينة عام 1967 على فرض سيطرتها على القطاعات المختلفة من المدينة، من القطاعين: الصحي، والاقتصادي، ووصولا إلى قطاع التعليم، الذي تعرض خلال سنوات الاحتلال إلى جملة من الإجراءات الرامية إلى فرض سيطرة الاحتلال على قطاع التعليم، مستفيدا من واقع متشظٍ، وغياب المرجعية الواحدة، وما يتصل بمخططات الاحتلال وإجراءاته الساعية إلى التحكم الكلي بهذا القطاع.

وشهدت السنوات الماضية تصاعدا في استهداف التعليم في القدس، وسخرت سلطات الاحتلال مختلف أدواتها لكي تسيطر على التعليم، وتدفع الطلاب الفلسطينيين في القدس المحتلة، إلى الانضواء تحت مظلة المدارس التابعة لها.

وفي سياق تسليط الضوء على ما يعانيه قطاع التعليم في القدس المحتلة، نقدم في هذا المقال إطلالة على جملة من المستجدات حول التعليم، وما يتصل بها من قرارات وإجراءات الاحتلال الأخيرة.

توزيع الطلاب والمدارس في القدس: صورة متشظية

قبل الخوض في تطورات استهداف قطاع التعليم، من المهم التنويه إلى توزيع المدارس والطلاب في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وبحسب المعطيات التي نشرتها منظمة "عير عميم" الحقوقية الإسرائيلية في تقريرها الأخير الصادر قبيل بدء العام الدراسي، والذي استند إلى بيانات من بلدية الاحتلال ومصادر أخرى.

وتؤكد هذه المعطيات ترسخ تنوع مرجعيات المدارس الفلسطينية من جهة، وتشظي الطلاب الفلسطينيين بين أنواع المدارس المختلفة من جهة أخرى، فبحسب بيانات المنظمة يصل عدد الطلاب الفلسطينيين في سن التعليم إلى نحو 139 ألفا و877 طالبا، وتشمل هذه الأرقام الأطفال والفتيان ما بين 3 و18 عاما، وتتوزع أعداد الطلاب هذه على عدد من المرجعيات، وقد أشار التقرير إليها بحسب النقاط الآتية:

التعليم العربي "الرسمي" (يتبع لبلدية الاحتلال ووزارة المعارف في حكومة الاحتلال): نحو 53 ألفا و329 طالبا يشكلون نحو 1% من مجموع عدد الطلاب. التعليم العربي المعترف به (من بينها مدارس الأوقاف والمدارس الخاصة وغيرها)، ويضم نحو 54 ألفا و68 طالبا، يشكلون نحو 38.7% من إجمالي عدد الطلاب. الطلاب خارج الأطر التعليمية الرسمية والمعترف بها، نحو 32 ألفا و480 طالبا، يشكلون نحو 23.2%.

إعلان

ويُشير التقرير إلى أن هؤلاء الطلاب ليسوا متسربين من التعليم، بل ينقسمون كذلك إلى أقسام عديدة وهي:

15 ألف طالب في مدارس خاصة (يُشير هذا التصنيف إلى مدارس خاصة، ولكن سلطات الاحتلال لا تعترف بها. 800 طالب في أطر وزارة العمل، 3 آلاف طالب تسربوا من المدارس بشكل كامل، يشكلون ما بين 3 و4% من مجمل أعداد الطلاب، وبحسب "عير عميم" يُعد هذا الرقم ضعف المعدل العام في "إسرائيل". 4400 طفل في رياض أطفال خاصة، أو لم يلتحقوا بعد في قطاع التعليم. نحو 9949 طالبا يتلقون تعليمهم في الضفة الغربية أو أطر أخرى، ويُشير التقرير إلى مؤسسات خيرية، أو انتقال الأُسر إلى خارج القدس المحتلة.

وكشفت معطيات "عير عميم" عن تباين في المناهج التي يدرسها الطلاب في المدينة المحتلة، ما بين المنهاج الإسرائيلي الكامل "البجروت"، والمنهاج الفلسطيني "التوجيهي"، وبعض المدارس تعتمد على المنهاجين، أي لديها صفوف خاصة بالمنهاج الفلسطيني، والمنهاج الإسرائيلي.

وبطبيعة الحال تحاول سلطات الاحتلال فرض المنهاج الفلسطيني المحرف على المدارس المتمسكة بالمنهاج الفلسطيني، في سياق محاولاتها تشويه مدارك الطلاب، وإبعادهم عن أي مضامين دينية ووطنية.

عدوان متصاعد على التعليم

شهدت الأعوام الماضية تصاعدا في استهداف التعليم، وخاصة في ظلال العدوان على غزة، في سياق الهجمة الإسرائيلية الشاملة على القدس وسكانها، ونسلط الضوء على أبرز هذه الإجراءات في النقاط الآتية:

استهداف المدارس بعد الثامن من أكتوبر/تشرين الأول

مع بدء العدوان على غزة، تصاعد استهداف المدارس في الشطر الشرقي من القدس المحتلة، فقد اتخذت وزارة المعارف في حكومة الكيان جملة من الخطوات لتشديد الخناق على المدارس الفلسطينية في القدس المحتلة.

وتركزت هذه الإجراءات على المدارس الخاصة التي تتلقى تمويلا من الوزارة، في سياق منع تدريس المنهاج الفلسطيني، من خلال شن حملات تفتيش فجائية، تركزت بشكل كبير ما بين شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى نهاية شهر مارس/آذار 2024.

وبحسب مصادر مقدسية تضمنت هذه الحملات اقتحام الصفوف الدراسية، وتفتيش الحقائب المدرسية، والاطلاع على الكتب التي يستخدمها المعلمون، إضافة إلى الوثائق الإدارية وغيرها.

وعلى أثر حملات التفتيش هذه، اتخذت وزارة المعارف إجراءات عقابية متعددة، شملت وقف التمويل المؤقت الذي تقدمه للعديد من المدارس الخاصة شرقي القدس، إضافة إلى إجراء تحقيقات مطولة مع مسؤولي هذه المدارس، والمشرفين التربويين فيها.

وقد تلقت مدارس عديدة ممن تعرضت لهذه الحملات تهديدات بإلغاء التراخيص، ومنعها من العمل في حال استمرارها بالتجاوزات بحسب مفتشي المعارف الإسرائيلية.

إغلاق مدارس وكالة الأونروا

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 سعت أذرع الاحتلال إلى إنهاء عمل وكالة "الأونروا" في عموم الأراضي الفلسطينية، وفي القدس على وجه الخصوص، وقد تصاعد استهداف عمل الوكالة وصولا إلى إنهائه على أثر قرار "الكنيست" الإسرائيلي 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، الذي حظر عمل "الأونروا" في القدس بشكل كامل.

وعلى أثر إصدار القرار اقتحمت قوات الاحتلال رافقها حينها موظفون من وزارة المعارف الإسرائيلية المدارس التابعة للوكالة في 8 مايو/أيار 2025، وعلقت أوامر إغلاق نهائي لهذه المدارس في مخيم شعفاط، إضافة إلى مدرسة في وادي الجوز، ومدرسة في صور باهر، والأخيرة في سلوان.

إعلان

وبحسب مصادر محلية فرضت سلطات الاحتلال على إدارة مدارس "الأونروا" في مخيم شعفاط، نقل الطلاب لمدارس تابعة لبلدية الاحتلال بالقدس، كما نص القرار حينها على منع مديري المدارس من إعادة فتحها، ومنع الطلاب وأولياء أمورهم من استخدامها لأي غرض، ومن يخالف هذه القرارات سيتلقى اتهامات جنائية.

وقد أثرت هذه القرارات بشكل على كبير على واقع القطاع في القدس، فقد أشارت مصادر مقربة من لجان أولياء الأمور في القدس، إلى أن إغلاق مدارس "الأونروا" أدى إلى تشتيت طلابها، ودفع عددا كبيرا منهم إلى الالتحاق بمدارس تتبع المنهاج الإسرائيلي "البجروت"، نتيجة نقص الغرف الصفية المتفاقم في مدارس القدس.

ولا تقف آثار الإغلاق عند هذا الحد، إذ يعاني نحو 150 طالبا وطالبة من أصحاب "لم الشمل" مشاكل في الالتحاق بالتعليم مجددا، فمع حرمانهم من الدراسة في الوكالة في مخيم شعفاط، يعانون من مشاكل في الالتحاق بالمدارس الأخرى، وخاصة خارج المخيم نتيجة وضعهم القانوني، والقيود الكبيرة التي تفرضها عليهم سلطات الاحتلال.

إخلاء مدرسة سلوان الإعدادية للبنين

ومع اقتراب بداية العام الدراسي في القدس المحتلة، عاد الاحتلال لاستهداف المدارس الفلسطينية، وفي آخر حلقاتها، قررت بلدية الاحتلال ووزارة المعارف الإسرائيلية منتصف أغسطس/آب 2025، إخلاء مدرسة سلوان الإعدادية للبنين، التي تضم نحو 600 طالب، ونقلهم إلى مبنى "المدرسة الشاملة" في حي سويح برأس العمود.

وإلى جانب ما يحمله القرار من امتهان للطلاب والكادر التعليمي للمدرسة، سيضاعف القرار عدد الطلاب في المدرسة الأخيرة، ما يؤثر على العملية التعليمية في المدرسة.

وأشارت مصادر مقدسية إلى أن قرار النقل جاء في سياق تحويل مبنى مدرسة "سلوان الإعدادية" إلى مدرسة مختلطة خاصة بتدريس المنهاج الإسرائيلي "البجروت"، وعلى أثر القرار بدأت اللجنة المركزية لأولياء أمور طلاب سلوان سلسلة من التحركات، أولها إعلان الإضراب.

التعليم في الخطط الخمسية الإسرائيلية

تشكل الخطط الخمسية ميزانيات إضافية تقرها حكومة الاحتلال للمضي قدما في جملة من المشاريع التهويدية، واستهداف قطاعات التعليم، وقد أقرت الأولى في 13 مايو/ أيار 2018، حيث خصصت حكومة الاحتلال حينها 2.3 مليار شيكل، من بينها نحو 445 مليون شيكل لقطاع التعليم.

أما الثانية فقد أعلن عنها رئيس وزراء الاحتلال في 20 أغسطس/آب 2023، وحملت عنوان "الخطة الخمسية لتطوير شرقي القدس"، بالشراكة ما بين رئاسة الوزراء ووزارة القدس وبلدية الاحتلال، وأعلن نتنياهو عن تخصيص 3.2 مليارات شيكل (نحو 845 مليون دولار أميركي) للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للشطر الشرقي من المدينة المحتلة.

وبحسب الخطة رُصد نحو 800 مليون شيكل (نحو 211 مليون دولار أميركي) لتهويد قطاع التعليم، وتسعى الخطة إلى زيادة عدد الطلاب الملتحقين بالمناهج الإسرائيلية، وبرامج الإعداد للأكاديمية الإسرائيلية الأخرى، في سياق إدماجهم في الأكاديمية الإسرائيلية وعالم التوظيف.

ومن أبرز بنود تلك الخطة تخصيص 507 ملايين شيكل (نحو 134 مليون دولار أميركي) لما سمته الخطة "العمالة والتنمية الاقتصادية"، وستعمل بموجبه وزارة العمل في حكومة الاحتلال على رفع أعداد المشاركين في مراكز التوجيه المهني، وتعزيز التعليم التكنولوجي، وزيادة عدد الطلاب في المدارس المهنية للشباب من خلال افتتاح مدارس جديدة.

وتظهر الخطة سعي أذرع الاحتلال إلى ربط المزيد من المقدسيين بمنظومة العمل الإسرائيلية، وهو ما وصفه متابعون للشأن المقدسي بأن الاحتلال يريد تحويل المقدسيين إلى "عمالة تكنولوجية رخيصة".

"عير عميم": التعليم في القدس معركة مفتوحة

أشرنا في بداية المقال إلى تقرير المنظمة الحقوقية الإسرائيلية "عير عميم" لما يتضمنه من مضامين محدثة حول أعداد الطلاب في القدس المحتلة، وفي استقراء المزيد من المضامين المهمة التي سلط عليها التقرير الضوء، أن الشطر الشرقي من القدس المحتلة يعاني من نقص حاد في الفصول الدراسية، يصل إلى نحو 1461 فصلا دراسيا، وعلى الرغم من وعود سلطات الاحتلال الكثيرة فإنه يُبنَ سوى 20 صفا دراسيا جديدا، على الرغم من إطلاق وعود لبناء نحو 1200 صف.

إعلان

وبناء على هذا التباين تستغل بلدية الاحتلال هذا النقص للضغط على الأهالي والطلاب والمعلمين الفلسطينيين، فقد كشفت وزارة المعارف وبلدية القدس أن بناء الفصول الجديدة والمدارس مشروط بالعمل حصريا وفق المنهج الإسرائيلي.

وأشار التقرير إلى ارتفاع عدد الطلاب الفلسطينيين الملتحقين بالمنهج الإسرائيلي "البجروت" خلال العام الدراسي 2024-2025 إلى نحو 22 ألفا و966 طالبا، وهو ما شكل حينها نحو 27% من مجموع الطلاب من الفئة العمرية ما بين 6 و17 عاما.

وأمام ما قامت به سلطات الاحتلال من إغلاق مدارس وكالة "الأونروا" ونقل الطلاب وغيرهما، من المتوقع أن يزداد أعداد الملتحقين بالمدارس التي تطبق "البجروت"، وهو الهدف المركز لمخططات الاحتلال الخمسية (2024-2029)، وهو ما سيسمح للاحتلال بالمضي قدما نحو السيطرة الكاملة على التعليم.

وقد وثق تقرير "عير عميم" جملة من القوانين التي أقرتها سلطات الاحتلال، استهدفت النظام التعليمي الفلسطيني، أو العاملين فيه، ومن أبرزها:

في شهر يناير/ كانون الثاني 2025 دخل قانون حظر أنشطة "الأونروا" حيز التنفيذ، وهو ما أدى إلى إغلاق مدارس الوكالة وإلحاق الضرر بنحو 1100 طالب. إقرار قانون "مضايقة المعلمين"، والذي منح وزير التربية الإسرائيلي صلاحية سحب التمويل، ومنع توظيف المعلمين بناء على آرائهم المعلنة. في شهر يوليو/تموز 2025: اقتراح قانون يمنع توظيف خريجي الجامعات الفلسطينية في المدارس التي تتبع للوزارة والبلدية، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم أزمة نقص الكادر التعليمي.

لماذا يريد الاحتلال السيطرة على قطاع التعليم؟

تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي جاهدة إلى فرض سيطرتها الكاملة على المنظومة التعليمية في القدس المحتلة.

وحين تعجز عن السيطرة المباشرة على المدارس، تلجأ إلى إجبارها على تبني المنهاج التعليمي الإسرائيلي، وتمنع أي مناهج تحمل مضامين دينية، ووطنية وفكرية وأخلاقية أصيلة، تتصل بفلسطين والقدس والأقصى، ويُخفي هذا التوجه أهدافا عميقة تهدف إلى "أسرلة" التعليم، ومن أبرزها:

فرض الرواية الصهيونية للتاريخ والمكان: تسعى سلطات الاحتلال إلى ترسيخ روايتها حول القدس والمسجد الأقصى، من خلال ترويج مفاهيم تدعي "الحق التاريخي والديني" لليهود في المدينة، وإعادة كتابة التاريخ من منظور استعماري يمحو الرواية الفلسطينية والعربية والإسلامية. طمس الهوية الوطنية والوعي الجمعي: تعمل على إقصاء أي محتوى تعليمي يُذكر الطلاب بانتمائهم الفلسطيني، أو يؤكد على حق الشعب الفلسطيني الأصيل في القدس، ودور المدينة ومقدساتها في الوجدان العربي والإسلامي، بهدف تفريغ الذاكرة الجماعية من مضمونها الوطني. صناعة جيل يقبل بشرعية الاحتلال: تهدف إلى تربية جيل فلسطيني يصدق فكرة "الدولة اليهودية" و"وحدة الشعب الإسرائيلي"، ويقلل من شأن الهوية الوطنية الفلسطينية، دون أن يواجه أو حتى يدرك واقع الاحتلال القمعي الذي يعيشه. تطبيع الواقع الاستعماري نفسيا واجتماعيا: من خلال تصوير مؤسسات الاحتلال ككيانات شرعية وطبيعية، تُرسخ في وعي الطلاب نوعا من "القبول القسري" بالواقع المفروض، ما يُضعف لديهم الحس النقدي، ويُقلص الدوافع المستقبلية للمقاومة أو التغيير. إضعاف اللغة العربية وتفريغها من محتواها: تُهمش اللغة العربية لصالح العبرية، وتفريغ المناهج من المضامين الثقافية والقيمية والوطنية المرتبطة بها، في محاولة لتقويض دورها كأداة أساسية للتفكير، والتعبير، والارتباط بالهوية والتراث الفلسطيني. خلق طبقة "وسطية" قابلة للاندماج في النظام الإسرائيلي: عبر برامج تعليمية ومهنية مُخصصة، تسعى سلطات الاحتلال إلى إعداد جيل من الشباب الفلسطيني يكون أكثر استعدادا للاندماج الوظيفي والاقتصادي في المنظومة الإسرائيلية، بعيدا عن الانخراط في العمل الوطني، أو النضال من أجل التحرر. إضعاف دور المؤسسات الفلسطينية والدينية: من خلال عزل التعليم عن المرجعيات الفلسطينية، وهو هدف يلتقي مع إضعاف بنية المجتمع الفلسطيني في القدس، وإنهاء وجود مؤسسات مجتمعية بعيدا عن هيمنة الاحتلال.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق